مع دقات الساعة السادسة مساءً بدأت وفود رواد الثقافة الوطنية بالمئات بالوصول إلى أرض الحوارنة من اجل المشاركة في الحدث الثقافي الفني الضخم والأكثر تميزاً على الساحة المسرحية الفلسطينية في البلاد وعرض المتشائل رائعة الفنان محمد بكري والفنان إميل حبيبي وذلك تحت رعاية مجلس كفر قرع المحلي وشركة ديزول صعابنة في كفر قرع ومبادرة، إشراف وتنظيم قسم الثقافة والتربية اللا منهجية في مجلس كفر قرع المحلي لتكون الأمسية انطلاقة مهرجانات آذار الأرض والوطن من خلال أمسية تاريخية يشهد لها عالم الثقافة والمسرح الوطني، فقد استقبلت كفرقرع بالأمس المناضل المخرج والفنان السينمائي محمد بكري بورد الوفاء وياسمين التضامن والحب الكبير والصفيق الحار والتقدير العميق لعراقة أعماله الفنية.
ومع دقات الساعة السادسة والنصف فقد شاهدت الجماهير والتي تعدت الستمائة مشاهد/ة والتي أمت الحوارنة عشقاً لبكري وبالثقافة الوطنية والعمل الخالد المتشائل، فقد استمتعوا وقت الاستقبال بمشاهدة فيلماً قصيراً يجمع محمد درويش وسميح القاسم وتميم البرغوثي وريم بنا وأمل مرقس في أشعار وطنية خالدة أشعلت المكان حبا ودفئاً وطنياً وعطلت عقارب الساعة.
تولت عرافة وإدارة الأمسية الثقافية السيدة مها زحالقة مصالحة، مديرة قسم الثقافة والتربية اللا منهجية في المجلس المحلي والتي حيّت بدورها السيد نزيه سليمان مصاروة رئيس المجلس المحلي والفنان الفلسطيني محمد بكري والسيد ماجد صعابنة وكل السيدات والسادة الحضور مع حفظ الألقاب والمقامات من كل بلدان فلسطين، وأصرت على ذكرها شكراً وفخراً اعتزازاً، بدايةً من كفر قرع وقرى وادي عارة، عارة، عرعرة ،أم الفحم ، ،معاوية، سولم، سالم، العريان، عين السهلة،برطعة، باقة الغربية، جت، عكا،يافا، البعنة، يافة الناصرة، حيفا، أم القطف،خورصقر،مصمص، البياضة،البيار، زيمر،الطيبة،الطيرة،ميسر،جسر الزرقاء، الناصرة، قلنسوة، الفريديس، إكسال، عين ماهل، كفر قاسم، شفاعمرو،عسفيا، دالية الكرمل،كفر مندا، كفر كنا، زلفة،طمرة، سخنين،طرعان، مقيبلة، ابو سنان، حتى كفر برا، مشيدةُ بهذا الحضور الواثق والشامخ الذي يصنع التلاحم الثقافي والروح الفلسطينية الواحدة المنصهرة في بوتقة عشق الثقافة.
وفي مستهل خطابها فقد أكدت زحالقة مصالحة رؤيا انطلاقة مهرجانات آذار الأرض في شباط بالقول:"لأن آذار وحده لا يكفينا لكي نزرع أشجاراً وأشجاراً من الوفاء للذاكرة الفلسطينية اللا تصلح للنسيان في أدغال الرواية الفلسطينية، فقد أعلنا انطلاقة مهرجانات وفعاليات آذار الثقافة، الأرض والوطن من شباط، لأن آذار وحده لايكفينا.. عنا آذار ببلش في شباط فعلاً.... وأجمل الفعاليات تلك التي لم تأت بعد.."
وفي تطرق إلى عراقة المسرحية الخالدة التي تم عرضها أكثر من ألفي مرة فقد أكدت عريفة المسرحية التي باتت مهرجاناً بالقول:"مسرحية المتشائل،شاهدتها أنا وزملائي للمرة الأولى في الحرم الجامعي في حيفا، هناك في صحراء مشاعر الانتماء للمكان لا الزمان، هناك أيام تضارب وتلاطم الأفكار والصراع الفكري الوطني المييت، حيفانا بنكهة جامعتهم، جاء لقاؤنا نحن طلاب الجامعة مع محمد بكري المتشائل بلسماً وواحة في تلك الصحراء ليشحذنا بوابل من الرؤى والقيم الوطنية الناقدة... تلك المكنسة...وكل كلمة كانت فكرة.. يُعاد ويُعاد وباقية الباقية وولاء اللا ولاء. وسنابل السنابل، شكرا وألف ألف شكراً لك الفنان محمد بكري وألف تحية للراحل إميل حبيبي على هذا النص الروائي الرائع وما أروع لقاء القمم وميلاد عمل مسرحي نعتز بأن نكلله عريساً بل وملكاً لكل بواكير أعمالنا الثقافية.. ففي كل مرة نعيش بها روعة العرض نرى واقعاً فلسطينياً معاشاً آخرا،هذا هو التشاؤل الذي يرفض أن يسكن في منازل الأمس ويصر على أن يبقى ساكناً فينا،ونبقى نحاصر شبحاً يحاصرنا، فلا شيء يعجبنا لأننا تعبنا من السفر،وكم البعيد بعيد ونبقى نعيش تشاؤلاً يأبى الرحيل عنا ومنا ونربي الأمل عند منحدرات الجبل بلغة درويش، ليست هذه هي المرة الأولى التي نعرض بها المتشائل على مسرح الحوارنة، هنا وقبل عامين إلا شهر بالضبط كان لنا شرف الانتصار الثقافي واستضافة عروس الأعمال الثقافية المتشائل التي هزت المكان والزمان حتى الآن...في أمسية تضامنية مع الفنان بكري أثناء الحملة القضائية الإعلامية الشرسة حول فيلم جنين جنين".
وفي تطرق إلى لب المضمون الذي تبدع في تجسيده المسرحية فقد استطردت عريفة الأمسية بالقول:"الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل.. حين يختلط التفاؤل بالتشاؤم للواقع الفلسطيني بروح بكري.. حين تتشابك الأنامل الأدبية للراحل إميل حبيبي والإبداع المسرحي للفنان محمد بكري والإخراج المتميز لمازن غطاس فيكون ميلاد رائعة الواقع "المتشائل"، سوف ننتقل مع سعيد أبي النحس بين نكبات فلسطين ومدنها وقراها.. سوف نضحك ونبكي وتلتطم البسمة بالدمعة لتولد حالة التشاؤل المفزعة... سوف يحكي بأسلوب فني رائع بؤس الحكاية الفلسطينية منذ تشريد الشعب الفلسطيني، إقتلاعه من أرضه، وإقامة الدولة العبرية اليهودية على أنقاض الوطن الفلسطيني سوف يجسد بأسلوب فني متميز دور عدة شخصيات في آنٍ واحد، وينقل لنا مشاهد تدمير منازلهم واحتلال بيوتهم وقتل أطفالهم كصورة تتجسد أمام الجمهور من خلال أداوره المتعددة التي جسدها بقوة دراماتية ساحرة آسرة للقلب والروح.
ثم دعت عريفة الأمسية المحامي نزيه سليمان مصاروة رئيس مجلس كفر قرع المحلي إلى المسرح ليبارك الفعالية مؤكدة شكرها له على دعمه للمسيرة الثقافية الوطنية التثقيفية الباسلة لقسم الثقافة والمجلس المحلي، من جهته فقد حيى رئيس المجلس المحلي السيدات والسادة الحضور من كل قرى وبلدان فلسطين والذين حضروا من كل مكان للمشاركة في الأمسية الثقافية على ارض الحوارنة، مُعبراً عن غبطته وسعادته الفائقة بالتهافت الجماهيري القطري المشرف الكبير على مثل هذه الفعاليات والتي تدل على تعطش أهلنا وجماهيرنا إلى الحس الوطني المرهف والصادق، كما وحيى الفنان محمد بكري على حضوره البارز والمتألق فنياً ومسرحياً وسينمائياً، ليقدم أيضا جزيل الشكر إلى كل المؤسسات التي تتبرع في كفر قرع إلى إقامة المكتبات والمؤسسات الثقافية وفي هذا السياق تقدم بجزيل الشكر إلى السيد ماجد عبد الجبار صعابنة مدير شركة ديزول كفر قرع على رعاية استضافة الفنان محمد بكري شاكراً له هذا الكرم وداعياً إلى تشبيك وتلاحم التعاون بين المؤسسات التجارية والصناعية والحكم المحلي من أجل رفع مستوى الثقافة والمناحي الأخرى في بلداتنا مُشيداً في ذات السياق بالقاضي إياد زحالقة والأسرة الكريمة على تبرع الحاجة سعاد في ترميم المكتبة والقاعة المدرسية على اسم الحاجة سعاد حيدر في مدرسة السلام، بالإضافة إلى بيت الشعب وتبرع عائلة فنادقة السخي والمكتبة والقاعة المدرسية على اسم المرحوم احمد رضوان بدحي ومسجد الحوارنة والكثير من التبرعات السخية التي تدل على أن الخير فينا إلى يوم الدين مشيراً إلى أهمية المضمون الثقافي لمسرحية المتشائل الخالدة على مر السنين، مُشيرا إلى رقي العمل الفني الذي يسهم به محمد بكري، ووجه شكره لقسم الثقافة والتربية اللا منهجية على المبادرة للأمسية وتنظمها بأبهى حلة.
ثم قام كل من رئيس المجلس المحلي المحامي نزيه سليمان مصاروة والسيدة مها زحالقة مصالحة بتكريم الفنان الفلسطيني محمد بكري بباقة زهور تعبيراً عن تقديرهم وشكرهم لهام على التعاون المبارك مع كفر قرع، مؤكدين اعتزاز كفر قرع بالمسيرة الوطنية الشامخة التي يحملها الفنان محمد بكري على ظهره، مسيرة زاخرة تشرأب لها الأعناق وشغلت حيزاً كبيراً ولا تزال في الرواية الفلسطينية الثقافية الفنية المسرحية والسينمائية الناقدة على حد سواء، بدوره أهدى الفنان محمد بكري باقة الورود إلى الجماهير والمئات من الحضور والذين تواجدوا في القاعة وخارجها.
ومن ثم دعت عريفة الأمسية الثقافية الجماهير للوقوف إجلالاً للنشيد الخالد موطني، إذ شاهدتها الجماهير على الشاشة وأمسكتها ورقاً بين الأيادي لتصدح الحناجر والأصوات في فضاء قاعة الحوارنة وتتلاحم الأرواح لتشحذ الهمم والثبات الوطني لنا كشعب، وقد رافق الحضور النشيد الفلسطيني موطني لإبراهيم طوقان والحان محمد فليفل بالصفيق الحار تعبيرا عن حبهم للازمة الثقافية وفاتحة كل المهرجانات الوطنية.
أما محمد بكري إمبراطور المسرح الوطني الفلسطيني فقد جسد بدقة ورقي وروعة أداء الحالة التراجيدية الفلسطينية منذ عام النكبة عام 1948، ولمدة ساعتين من الزمن عاشتها الجماهير وكأنها بضع دقائق عانقتها بالشوق والشغف والحب للمزيد من المشاهد، وحكي بأسلوب فني رائع بؤس الحكاية الفلسطينية منذ تشريد الشعب الفلسطيني وإقتلاعه من أرضه، وإقامة الدولة العبرية اليهودية على أنقاض الوطن الفلسطيني. وقد جسّد الفنان القدير محمد بكري وهو أحد الفلسطينيين المُتجذرين في وطنهم وأرضهم حالة النازحين الفلسطينيين وقصة طردهم من منازلهم وقُراهم وأحلامهم، واستطاع أن يجسد بأسلوب فني متميز دور عدة شخصيات في آنٍ واحد، ونقل مشاهد تدمير منازلهم واحتلال بيوتهم وقتل أطفالهم كصورة تتجسد أمام الجمهور من خلال أداوره المتعددة التي جسدها بقوة دراماتية، فبكى وبكى معه الجمهور، وغنّى وغنّى معه الجمهور.... لقد اسر الفنان محمد بكري الحضور الذين أصغوا بقمة الهدوء للعمل الفني الراقي والانتقال المتميز من شخصية لأخرى ومن نكبة لأخرى ومن قرية مهجرة إلى أختها. إن الشغف والهدوء، الحزن والفرح اللذان زينا القاعة والحضور لمدة ساعتين أكدا على تعطش الناس وحبهم لوطنهم. محمد بكري الم بكل آلامنا وآمالنا من خلال هذا العمل الدراماتي. وله كل الحب والدعم والوفاء.
برز بين الحضور لفيف من رواد الفكر الثقافي ورائدات الفكر الثقافي الناقد، رجالات وسيدات الأدب، الفن والقلم، مدراء البنوك، المحاضرون وأساتذة الجامعات، طلاب الجامعات، الأطباء، سيدات أعمال ورجال أعمال، المحامون والقضاة الافاضل، مدققو الحسابات، رجالات القضاء، أبناء الشبيبة، مربيات ومعلمات، تمثيل لمعظم الجمعيات في البلد، أسرة المدرسات والمدرسين، رجال وسيدات أعمال ومحبون ومحبات للوطن، مديرون ومديرات مدارس، مفتشون ومفتشات في مختلف الوزارات، وكوكبة من الحضور زينت ارض الحوارنة ببهاء تنوعها من كل قرانا ومدننا العربية، والكل تحت سقف الثقافة وحب الوطن وبوتقة عشق فلسطين.
تجدر الإشارة إلى أن النجاح العظيم والمنقطع النظير لعرض المتشائل بالأمس على ارض الحوارنة قد حطم أرقاماً قياسية في عالم الثقافة من حيث جودة الحضور وكمهم وحبهم العظيم للثقافة الوطنية والمضمون المسرحي الهادف الذي افلح بكري في زرعه في النفوس الساكنة في القاعة خلال العرض.