مفهوم العائلة وحيثياته في رواية
"المهر الأحمر"
للكاتب الأميركي جون شتاينبك
بقلم: الدكتور منير توما
كفرياسيف
جون شتاينبك (John Steinbeck) هو كاتب اميركي مبدع (1902-1968)، وهو من أشهر الأدباء في القرن العشرين، وأشهر رواياته "عنب الغضب" أو "عناقيد الغضب" (Grapes Of Wrath)، وقد اتّسمَ شتاينبك بكتاباتهِ التي حاول فيها تبيان مشاكل الفقراء في الريف. ومن أعماله الشهيرة الأخرى "الفئران والرجال"
(Mice and Men)، "الؤلؤة" (The Pearl) وغيرها الكثير من الأعمال الأدبية. ويجدر بالذكر هنا أنّه في عام 1962 فاز شتاينبك بجائزة نوبل للآداب عن رواياتهِ وأعماله العديدة.
وفي هذا السياق سنتناول بالدراسة كتابه "المهر الأحمر" (The Red Pony) حول موضوع العائلة في هذا الكتاب ومفهومها حيث أنّه كتب أفضل أعمالهِ عن العائلات في صراعها مع الحياة، وكان النموذج الكلاسيكي البارز هو Joads (جودس) من رواية "عناقيد الغضب". يتمّ تقديم نوع مختلف تمامًا من العائلة، واحد منها، وترتبط رباطًا وثيقًا بالأرض، ويمثّل الحلم الأميركي بشكل غريب. هذه العائلة الصغيرة خاصةً بالنسبة لعائلة المزرعة في اوائل القرن العشرين.
إنَّ "التفلن-كارل"، زوجته، وجودي ابنهما - امتلكوا مزرعة في وادي ساليناس في كاليفورنيا. في المنزل المكوّن من طابقين، يوجد "بيلي باك"، العامل المأجور وعمه الزائف لجودي. إنهم يربون الخنازير، العلف، وعدد قليل من الخيول. إنهم ليسوا أثرياء ولكنهم يعملون بجد ويحافظون على ثرواتهم في الأوقات الصعبة المضطربة. يركّز هذا الكتاب على تربية جودي ليكون من النوع الذي يريده والداه أن يكون.
في بداية الكتاب، كان جودي صغيرًا جدًا في بداية المدرسة. إنّه يختلق قصصًا في رأسهِ عن الفرسان والمغامرين العظماء. يملأ صناديق الغذاء الخاصة بهِ بالضفادع القرنية والثعابين الصغيرة ثم يتركها لتجدها والدته. إنّه مسؤول عن ابقاء صندوق الخشب ممتلئًا لجمع البيض والأعمال المنزلية الصغيرة الأخرى في المطبخ. في القسم الافتتاحي المسمّى "الهدية" يجلب كارل مُهرًا صغيرًا إلى المنزل ويعطيه لجودي. يتم اختبار جودي لمعرفة ما اذا كان بإمكانهِ تحمّل المزيد من الأعمال المنزلية والاعتناء بالمُهر الذي يسميه "غابيلان". إنّه يسترشد باليد الواثقة لِ (بيلي باك) الذي يعرف كل ما يمكن معرفته عن الخيول. يُظهر كارل المودة والثقة في إبنه الصغير من خلال تقديم المُهر ولكن لا توجد عاطفة معروضة في الصفقة. ويقوم "بيلي" بوعد جودي أنه اذا هطل المطر أثناء وجود الصبي في المدرسة فإنه سيضع المُهر في الحظيرة ولكنه لم يفعل ذلك، مما أدى إلى ترك المُهر "غابيلان" تحت المطر لبعض الوقت. أصبح المُهر مريضًا جدًا وكان (بيلي) مشغولًا بمحاولة ابقائهِ على قيد الحياة. وقد كانت مساهمات والديّ جودي في الموقف عبارة عن كلام مبتذل حول مهارات (بيلي) في التعامل مع الخيول والتأكيدات بأن المهر سيكون على ما يرام. عندما يموت المُهر "غابيلان" بعد أن فشلت كل اجراءات "بيلي" البطولية لعلاج "غابيلان"، فإنَّ جودي يصبح محطّم القلب، وهي عاطفة لا يستطيع "كارل" فهمها.
أثناء مرض المُهر "غابيلان"، لم يعترف بالخوف الذي يشعر به جودي على مُهره إلّا "بيلي باك" على الرغم من أنّه يدرك أنّ والدته يمكنها رؤية قلقه. يهتم "بيلي" بالمُهر الذي يُظْهِر مخاوفه الخاصة بالإضافة إلى الحاجة إلى استعادة احترام جودي لمهاراتهِ. ومع ذلك، يبذل "كارل" قصارى جهده للترفيه عن "جودي" وابعاد ذهنه عن المُهر المريض عن طريق سرد القصص أمام النار في الأمسيات. إنّه لا يقيس خوف "جودي" جيدًا وتتأَذّى مشاعره عندما يكون "جودي" مهذّبًا فقط بشأن القصص غير المنغمس فيها تمامًا.
يتجوّل المُهر "غابيلان" ليموت ويجده "جودي" باتّباع الصقور الدائرة. عندما يهاجم أحدهم جثة المُهر يخنقه "جودي" ويضرب رأسه بصخرة. يستمر "جودي" في هذا حتى يسحبه "بيلي" من الطائر الميت. يتدخّل "كارل" لتنظيف وجه "جودي" الملطّخ بالدماء ويخبره أنّ الصقر لم يقتل المُهر. إنّه ببساطة لا يستطيع فهم حزن "جودي". يقفز "بيلي" لمنع "كارل" من جرح واصابة ابنه ِ بشكل أكبر. يتمتع "بيلي" بفهمٍ أفضل للصبي مِن "كارل"، ويظهر هذا السيناريو مرة أخرى عندما تموت الفَرَس "نيللي". يأتي والد السيدة "تيفلن" لزيارة ابنته زوجة كارل، وذلك في القسم الأخير من الكتاب، الذي يحمل عنوان (زعيم الشعب) أي: “The Leader of the People”.
أنّه كبير في السن ويروي بشكل متكرّر نفس القصص عن قيادة عربة قطار غربًا في القرن التاسع عشر. إنّ الجد يأتي للزيارة لأنّه يحب ابنته وحفيده ولكنّ "كارل" يوضح له أنّه غير مرحّب بهِ. يشاهد "جودي" والده وهو يستخف ويشتكي من قصص جده وهو يتصرف بطريقة طفولية لأنه يشعر بالتشرّد وبالنزوح إلى حدٍ ما. السيدة "تيفلن" (زوجة كارل) تطلب من زوجها التفهم والصبر ولكن في النهاية لا يستطيع كارل احتواء نفسه ويزمجر بصوتٍ عالٍ قائلًا إنَّ الرجل العجوز "غبي" ويروي قصصًا متكرّرة عن الماضي الذي مات وذهب. يسمعه الرجل العجوز فيتألم. لقد ذهب أي أمل كان لدى الرجلين في الإنسجام. إنّه لأمرٌ محزن للغاية بالنسبة "لجودي" الذي يرى أنّه، بغض النظر عن تكرار قصص الجد، فهي جزء من تاريخه، لا يستطيع أن يتصرف كما فعل والده، ولكن يمكنه أن يكون صديقًا لجدِهِ وهذا هو الطريق الذي يسلكه.
يُظهِر كتاب "المهر الأحمر" عائلة اميركية حديثة (في زمن صدور الكتاب عام 1937) إلى حدٍ ما. يهتم الأب بالعناية بالأشياء والحصول على أفضل سعر لبضاعتهِ. لا يستطيع أو لا يشعر بالتعاطف مع ابنه أو الآخرين. لدى الأم (والدة "جودي") فرص محدودة لتكون أكثر من مجرد مساعدة لزوجها. وقد قبلت وجهة نظر زوجها كارل (والد جودي) بشأن تربية الولد ابنهما. يفقد "بيلي" احترامه لذاتهِ و "جودي" أيضًا لأنه فشل ليس مرة واحدة بل مرتين في إنقاذ حصان كما وعد. إنّه يهتم بالصبي "جودي" ولكنه يستاء منه. يريد الجد (والد زوجة كارل) أن يفهم الناس ما مرَّ بهِ من أجل بلده كمهاجر.
هذه العائلة مفكّكة في أماكن، مختلّة وظيفيًا في بعض الأحيان، لكنها لا تزال عائلة. هناك وظيفة مشتركة تتمثّل في تربية أفضل ما يمكنهم "لجودي" بالإضافة إلى المسؤولية المشتركة عن أجزاء المزرعة التي تمّ تكليفهم بها حتى تتمكن الأسرة من تحمّلها.

الرئيسية
اضفنا للمفضلة
اتصل بنا


