قراءة في كتاب "אור ההר״ (نور الجبل) للشيخ الأستاذ سعيد نبواني بقلم الدكتور منير توما
06/07/2025 - 10:38:54 am

قراءة في كتاب "אור ההר״ (نور الجبل)

للشيخ الأستاذ سعيد نبواني

 

بقلم الدكتور منير توما

كفرياسيف

 

صدر مؤخرًا للكاتب الشيخ الأستاذ سعيد نبواني ثلاثة كتب جديدة باللغة العبرية تحمل العناوين التالية:

אור ההר (סיפורים מהמורשת הדרוזית) أي نور الجبل (قصص من التراث الدرزي)،

אור הלבבות (סיפורים מהמסורת הערבית) أي نور القلوب (قصص من العُرف العربي)،

אור וחוכמה (אוסף סיפורי משלים מהמסורת הערבית והדרוזית) أي نور وحكمة (مجموعة قصص أمثال من العُرف العربي والدرزي) 

حيث قام الشيخ الفاضل الأستاذ سعيد نبواني بإهدائي مشكورًا نسخة من كل الكتب الثلاثة، وقد ارتأيت أن أتناول بالتعقيب على الكتاب الأول "אור ההר״ (نور الجبل) الذي يتضمن قصصًا من التراث الدرزي، وهي قصص ممتعة تشمل أفكارًا حكيمة وعِبرًا مفيدة لاستقاء الحكمة والمعاملة الطيبة حياتيًا واجتماعيًا وانسانيًا، مع كون الكتابين الآخرين يمتازان أيضًا بالثراء السردي المميّز وبالمعاني الغزيرة من الأفكار التي تنّم عن جهود وتفاني الكاتب في جمع الحكم والأمثال والقصص من التراث العربي والدرزي أيضًا.

يستهل الكاتب قصصه في كتاب "אור ההר״ (نور الجبل) الذي نحن بصددهِ بعجائب النبي الخضر مع الاسكندر المقدوني حيث أنّه بعد أن احتل الاسكندر أنطاكية وقتل حاكمها رستم، استقبله سكان المدينة بالترحاب، لكنّ سكان القلعة المحصّنة التي كان موجودًا فيها ابن رستم المدعو شروين، تحصّن داخل القلعة مع رجال حكومته، وخطّطوا للقضاء على الاسكندر الذي كان قد أرسل لشروين رسالة يطالبه فيها بالخضوع والاستسلام له مُحذِّرًا إياهُ من عقاب الربّ، ويدعوه أن يتوقف عن عبادة النار، وقد حمل هذه الرسالة إلى شروين النبي الخضر الذي استُقبِلَ هناك خير استقبال باعتباره رسولًا. وعندما كان شروين يجلس في قصره الفاخر محاطًا بمستشاريهِ ورجال حكومته، أمر بإدخال النبي الخضر. وقد دهش جميع مَن كانوا بجمال الخضر الذين سألوه عن هويته، والذي أجابهم: "أنا الخضر رسول ومستشار ووزير الاسكندر، بموافقة الرب الإله". ونظرًا لخوف شروين ومستشاريهِ مِن أن يقوم الخضر بتعريض حكمهم للخطر، تآمروا على قتلهِ بمكيدة وذلك بأن حفروا بئرًا عميقةً أمام كرسي عرش شروين، ثمّ غطوا البئر بسجادة بهدف أن يقع ويسقط فيها الخضر ويموت، ولكن حينما دخل الخضر أمام شروين، عَبَر وتجاوز السجادة وكأنه لم يكن هناك شيء تحت قدميه مما أثار استغراب ودهشة الجميع. وعندها توجه الخضر إلى شروين وقال: "لتقُل كل ما في قلبك، فإنّ الرب الإله يرى كل الأسرار الكامنة". وفي أعقاب تلك المعجزة، ترك شروين ومستشاروه عبادة النار واعتنقوا الإيمان بالرب الإله الواحد.

ولا يكتفي الكاتب بسرد هذه القصة، بل يضع في النهاية المغزى منها وهو أنّ الحقيقة، الاستقامة والنعمة الالهية أقوى من كل المكائد البشرية لأنّ مَن يثق بالرب الإله ورسالته لا يسقط في حبائل الآخرين الذين يكيدون له.

ويتابع الكاتب الشيخ سعيد نبواني أقاصيصه عن معجزات النبي الخضر مستعرضًا قصة بأنه قد كان هناك في مدينة قديمة أناس سعداء يشربون ويروون أراضيهم من نبع ماء، وفي أحد الأيام ظهر بجانب النبع تنين ضخم افترس كل من يقترب إليهِ، وبذلك ارتعب أبناء المدينة ولم يعد بإمكانهم استقاء الماء من النبع. وقد قام الملك بإرسال الجنود لقتل هذا التنين، ولكنهم خافوا وهربوا، حتى أنّ الملك نفسه حين اقترب من النبع، تكلّم التنين معه قائلًا: "إذا كنتم تريدون أن تحصلوا على الماء، يجب عليكم أن تقدّموا لي وتضحّوا كل سنة بفتاة جميلة". وبهذا، فإنّ سكان المدينة بعد يأسهم، وافقوا، وفي كل سنة كانوا يختارون فتاةً عن طريق القرعة وقاموا بتقديمها إلى التنين وقد فقدت. ومن المفارقة، فإنّه في إحدى السنوات، وقعت القرعة على بنت الملك - وهي فتاة جميلة، طيّبة القلب، وبالتالي أجهشت بالبكاء، وانكسر قلب الملك. وحَدَث في الوقت نفسه أن وصلَ إلى المدينة فارس بلباس أحمر ممتطيًا حصانًا أحمر (هو النبي الخضر وفقًا للتراث الدرزي والملقّب أبو ابراهيم). وحينما رأى هذا الوضع المأساوي في المدينة، سأل عن سبب ذلك. وعندما استمع إلى القصة، ركب حصانه واتجه نحو النبع، ووقف أمام التنين، وهاجمه بكل جرأة وشجاعة وعنفوان، وقام بطعن التنين في فمِهِ برمجِهِ وقَتَلَه. وهكذا أنقذ سكان المدينة من العطش والخوف. وفي نهاية القصة يأتي الكاتب بمغزى القصة وهو أنّ الملك والجنود لا يجلبون بأنفسهم الخلاص، بل إنّه أحيانًا كثيرة قد يأتي بالخلاص وإنقاذ الموقف الإنسان البسيط الذي يتحلّى ويتمتع بالشجاعة والإيمان - هو ذلك الذي يهزم الخوف ويجلب الخلاص للجميع.

وبتركيز الكاتب الشيخ سعيد نبواني على القصص الخاصة بالتراث الدرزي تحديدًا، يستأنف حديثه عن قصة النبي شعيب (عليه السلام) فيسرد رسالته مع قوم مدين، داعيًا إياهم إلى الإيمان، وكانوا عربًا يسكنون في أرض الحجاز، وكانوا يغشّون في الميزان ولا يمنحون للناس حقوقهم في البيع والتجارة، فحاول النبي شعيب أن يثنيهم عن ذلك بتفسيره لهم أنّ عملهم هذا سرقة وليس عدلًا. ولكن أهل مدين استهزأوا به وزعموا أنّه ليس هناك علاقة بين الإيمان والتجارة، طالبين إليه أن لا يتدخل بشؤونهم التجارية. فقام بتحذيرهم من عقاب الرب الإله، ولكنهم رفضوا الإصغاء له، وسخروا منه، وهدّدوه أخيرًا بالقتل أو الطرد من المدينة إذا لم يَعُد لعبادة الأوثان. لكنَّ شعيب وقف في وجههم وتمسّك بإيمانه رافضًا تهديدهم له. وعندما طلبوا منه أن يبرهن على صحة إيمانه بأن يأتي عليهم بعقاب من السماء، أمره الرب الإله بترك المدينة مع المؤمنين، وبعد خروجهم من المدينة، أرسل الرب على أهل مدين العقاب الإلهي، فقد حدث صوت هائل (كالرعد) من السماء فاعتقدوا أن ذلك سيصحبه المطر، ولكن بدلًا من ذلك، ضربهن بعقاب مخيف جعل اهتزاز الأرض نتيجة هذا الصوت أن يسقط كل واحد منهم ميتًا في مكانه، دون أن يقدروا على الهرب أو الاختباء. ويذكر الكاتب في ختام هذه القصة مغزى فضيلة العقل مبيّنًا أنّ العدل، الفضيلة والأخلاق والاستقامة الاقتصادية التجارية هي جزء لا يتجزّأ من الإيمان. ويضيف الكاتب أنّ كل شعب يسخر من الفضائل والإنذار، فإنّه يكون معرّضًا للعقاب، وكل من يصغي إلى صوت الأنبياء، يُكتب له الخلاص ويفوز برحمة السماء.

ويتطرّق الأستاذ الشيخ سعيد نبواني إلى عدة قصص تراثية من الموروث التوحيدي الدرزي، فيذكر قصصًا عن الظاهر عمر وبركات الفحييلي، وعن يوسف الصديق، وعن الشيخ صالح قدماني، وعن قصة مقتل هابيل بيد أخيه قايين؛ ويتحدث أيضًا عن صبر النبي أيوب، وعن وصية الإسكندر المقدوني.

ولا يغفل الكاتب أن يأتي بقصة عن جمال الدين التنوخي، وكذلك عن النبي بهاء الدين، والعديد من قصص تتضمن العِبَر والحِكَم والأخلاقيات والفضائل المتنوعة في التراث الدرزي المعروفي، ومنها قصة التقمّص عند الشيخ أبو ناصر أنيس حلبي الذي ولد عام 1929 في قرية مجدل شمس.

ولا بُدَّ لنا أن نتحدّث عمّا يورده الكاتب بشأن حادثة أو قصة سلطان باشا الأطرش مع السيّدة نشاشيبي في سنة 1945 في بيت ضيافة سلطان باشا في سوريا. فالسيدة نشاشيبي هي امرأة أردنية من عائلة النشاشيبي كما يذكر الكاتب، والذي يروي الكاتب أنّها قد وصلت إلى قرية سلطان باشا برفقة محاميها، وكان سبب قدومها كون ابنها الوحيد قد حُكم عليه بالإعدام مِن قِبَل المحاكم البريطانية في زمن الحكم البريطاني في الأردن، وذلك في أعقاب إطلاق ابنها هذا النار على ضابط بريطاني كما يورد الكاتب. وكانت السيدة نشاشيبي قد استثمرت كل ثروتها الضخمة في محاولات التوسط لدى كبار شخصيات المجتمع لإلغاء حكم الإعدام على ابنها، ولكن دون جدوى، فقد توجهت سابقًا، كما يقول الكاتب إلى الأمير عبد الله في حينه (قبل أن يصبح ملكًا) وإلى رؤساء القبائل وإلى الملك فاروق في مصر. وجميعهم لم ينجحوا في محاولاتهم مساعدتها، ولكن وفقًا لنصيحة المقربين منها، سافرت إلى جبل الدروز مع محاميها لطلب المساعدة من زعيم الثورة السورية الكبير سلطان باشا الأطرش. وحين وصلت السيدة نشاشيبي إلى بيت الضيافة، كان سلطان باشا في بيارته، وانتظرت طويلًا، وحينما عاد الباشا إلى البيت وكان في ملابس العمل مما أثار استغراب السيدة نشاشيبي من كون إنسان عظيم ومهم كسلطان باشا يعمل ويكدح بيديهِ في أرضهِ. وعندها قامت السيدة بعرض قصتها وقضية ابنها أمام الباشا. فوعدها الباشا خيرًا وأن تتّكل على الله. وفي الحال، اتصل الباشا تلفونيًا مع الحاكم الفرنسي في دمشق وعرض عليه الحادث والقضية، فقام الحاكم الفرنسي بالاتصال مع زميله البريطاني في الأردن قائلًا له: "إنّ القائد الأعلى للثورة السورية يطلب أن تتدخّل في قضية ابن السيدة نشاشيبي". وبعد ساعتين قرّرت وزارة العدل البريطانية منح ابن السيدة نشاشيبي استرحامًا وعفوًا عنه. وحين توجهت السيدة نشاشيبي مع محاميها وقريبها من عمّان إلى بيت سلطان باشا في سوريا لشكرهِ، استقبلهم الباشا بالترحاب معتذرًا عن قبول هدايا السيدة نشاشيبي التي ذرفت دموع التقدير والإعجاب الشديد تأثرًا بمروءة وشهامة الباشا. ويكتب الشيخ نبواني في ختام هذه القصة بأنّ ذلك يؤكّد أن العظمة الحقيقية لا تقاس بالقوة العسكرية أو الثروة المادية - بل بأصالة الروح والتواضع والنعمة المعطاة دون مقابل.

ومن المهم الإشارة إلى أنّ الكاتب يكرِّس بابًا خاصًا عن قصة سلمان الفارسي مع راعي الغنم وحكمة المبادئ التي على الإنسان أن يتمتع بها حيث يتبيّن من حوار سلمان الفارسي مع راعي الغنم مدى تأكيد فضائل وأخلاق الحقيقة، التواضع، حفظ الحدود، معرفة الذات، والاعتراف بالجميل، باعتبار كل هذه المعاني هي من أسس الأخلاق والفضائل الداخلية للإنسان؛ وبالتالي فإنّ راعي الغنم البسيط بمظهره الخارجي يبدو وكأنّه معلم روحي أُعجب سلمان الفارسي بحكمتِهِ ولم يستخف به لا سيما وأن سلمان الفارسي هو المعروف بحكمته وروحانيّتهِ واتّساع معرفته. ومن هنا، فإنّ الكاتب يشير من خلال هذه القصة إلى أنّ الحكمة لا تتعلق بمركز الإنسان ومكانته الاجتماعية، بل بنقاء القلب واستقامة العمل والتمسك بالفضائل والأخلاق الكريمة المذكورة.

وختامًا، فإنّه من الجدير أن نتوجه بالتحيّات الصادقة إلى الشيخ الفاضل الأستاذ سعيد نبواني على هذا الكتاب وكتابيه الآخرين اللذين يتمتعان أيضًا بالروح السامية فائقة النزعة الإنسانية، معبّرين عن اعجابنا بما ورد في هذه الكتب الثلاثة، ونخصّ بالذكر كتاب "אור ההר״ (نور الجبل) الذي تناولناه هنا بالاستعراض والتعليق الموجز، مما يجعل الكاتب الشيخ الفاضل سعيد نبواني مستحقًا كلّ ثناء واطراء على الإتيان بتلك القصص التي تتّسم بالروحانيات والأخلاقيات الكريمة والفضائل الإنسانية، فله منّا خالص المودّة والتقدير والاحترام، متمنين له موفور الصحة والعمر المديد ودوام التوفيق والعطاء.

 



المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
Copyright © almadar.co.il 2010-2025 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق