في مواجهة العنف بقلم كميل فياض
2013-04-04 10:42:44

كثيرا ما نسمع عن العنف واحداث العنف ،التي تزداد وتستشري في حياتنا اليومية .. وكثيرا ما نقرأ ونشاهد عبر وسائل الاعلام المختلفة :  اطلاق نار ، طعن ،احراق سيارات ، تعديات ، سرقات  الخ .. وكثيرا ما كُتب ويكتب عن آفة العنف ،وقد وضُعِت دراسات عديدة حول الموضوع  مع جداول واحصاءات ومقارنات حول العنف ومصادره وتأثيراته .. وهناك ما يسمى علم الجريمة والجنايات . وتعددت المنطلقات في مواجهة العنف ،فمن علوم وضعية ،اجتماعية ، سيكلوجية ،حتى قيم واعتبارات عرفية شعبية عشائرية ،ومن التراث والدين .. نتحدث عن العنف ولا يخلو ان يكون كل منا قد فعله وتعرض له – حيث في كل الاحوال المرء ضحية سواء معتد او معتدى عليه ،وفعل العنف يُصِب فاعله قبل الخصم ،بغض الطرف عن مستوى ونوع هذا العنف ..
هناك شبه اجماع في ارجاع اسباب العنف بصوره المختلفة الى "التطور" في حياتنا وفي علاقاتنا الاجتماعية .. وكأن الشر فينا يكبر ويزداد ويتطور في مساوقة التطور التقني .. وهنا يقفز الى الذهن السؤال القديم الجديد ،الذي شغل دائما الكثيرين ، خصوصًا أرباب وطلاب الفلسفة والحقيقة .. هل الانسان مُخيَّر ام مُسيَّر ؟ هل نحن محكومون بصفات وطباع ونزعات مغروزة في جيناتنا الموروثة عن الحيوانات التي نشأنا فيها قديما ، وتطورنا عنها ولا نزال نحملها فينا ..؟  فكل منا - وبدون سخرية - أقول يشبه نوع حيوان وكأنه من فصيلته .. فكم تشاهد زرافات بجلود وقامات بشر ،وكم تعاشر أثناء دوام عملك تلك الحيوانات، وتحتك في مكاتب الدولة ومختلف المؤسسات، وفي الشارع ، بقردة وخنازير وأفاعٍ وعقارب وعناكب وخِراف وضباع وغزلان وصقور وحيتان ودببة وأفراس نهر وكولات ووحدان قرن وحمير وكلاب الخ الخ .. أمس فقط رأيت شخص يشبه ضفدع في تكوينه ، وآخر يشبه سلحفاة .. فمن أين اتى ذلك ..؟! سبحان الخالق أنا لا أناقش هنا مسألة الخلق ونشوء الحياة ..! لكنه الواقع .. وبتفكير مختلف يمكن أن نقول ان الصفات والطباع فينا متوارثة عن جدنا آدم وعن ولديه قابيل وهابيل ..  وقضية التخيير والتسيير تظل هي هي ،سواء جئنا وصدرنا عن حيوانات عجماء، أو عن خليط خير وشر من بشر مثلنا.. فهل الشر متأصل فينا بالطبيعة فعلا ،ولا مجال لاجتثاثه  واقتلاعه من جذوره ..؟ طبعا لا مجال ولا ضرورة هنا لفتح باب النقاش والمذاكرة والترفه في تناول الموضوع ،بالرجوع لمصادر ودراسات "أكاديمية" في سبيل (الحسم ) فكل منا بغاية البساطة والشفافية يعلم ويشعر ان العنف شر ، والشر اذىً – للفاعل وللمستهدف معا – وبتلك البساطة ربما الجميع متفقون على ان العنف الذي يستخدمه المرء مضطرا في حالة دفاعية صادقة ، لا يجوز تسميته شرا بالمطلق .. وهنا ربما يستدعي الخلاف نفسه مع اختلاف القيم والاعتبارات والتوجهات .. "فالمتطرفون" من اتباع المعتقدات المختلفة يجيزون لانفسهم استخدام العنف  دفاعا عن معتقداتهم ، كما لو كانوا يدافعون عن حياتهم .. وهل القاتل الذي يقتل باسم معتقده الديني ، او مبدأه السياسي ، او "شرفه" الاجتماعي ، يفعل ذلك خالصا لوجه ما يؤمن به ،دون تدخل وتأثير من مركب نفسي ينطوي على الرغبة في العنف ، وعلى الانانية والاثرة وعلى الطمع وحب السيطرة والتسلط ؟! (دون تبرير للقتل والعنف على خلفيات "مبدئية " باستثناء الدفاع الخالص عن النفس )  أعتقد ان كل تصرف وكل تفكير ينسجم مع صفات في المرء ، صفات تستبطن هذا المعتقد او ذاك ،هذه القيمة الاجتماعية او تلك ،هذا المبدأ السياسي الايديلوجي او ذاك . والمرء يحب الخير ويفعله بدافع من صفة الخير فيه اصلا ،ولو لم توجد فيه لما ساعده الدين في ذلك ،كذلك ينزع الى الشر ويفعله عن صفات الشر فيه ، مهما منح تصرفه ومعتقده من معان السمو والقداسة والحق . فلا يمكن للمرء تغيير طبائع الاشياء بمجرد تغيير افكاره ومفاهيمه .. لا يمكن ان يكون العنف الذي يبلغ القتل والتدمير والابادة والطغيان ، في سبيل (دفاع) عن عقيدة او مبدأ ،هو من قبيل الخير والحق ،او في مستوى الدفاع عن الحياة والوجود . والذهاب لتبرير العنف كنشر للفضيلة والخير والعدل ، هو اعتداء على الناس باسم هذه القيم ،والاعتداء هو دائما شر ، اذ انك لا تستطيع الاعتداء بالخير على الناس ،فلم ارى احدا هدد آخرا بالقتل والتشهير ان لم يقبل منه مبلغ من المال ..! او ان رفض دعوته الى المطعم ..! بالمقابل كم من هؤلاء "الاخيار" زهق ارواحا رفضت دعوته الى معتقده ، او لم تقبل الخضوع والولاء لما يؤمن به ويراه ..!  ولا اقصد هنا ابدا ان احجِّم الخير ومعاني الخير وماهيته في هذا المستوى من التناول ..وانما التأكيد على ان الخير والشر سابقين في كل من الخيِّر والشرير ،والاصح في كل من الفعلين لدى الشخص نفسه ،ذلك انه لا يوجد خير محض او شر محض في مستوى الوجود الانساني ،فكل منهما ماحق للانسان ومفني له ،كما تفعل الشمس للابصار الجاحظة بها . وبرغم كمون صفات الخير والشر في المرء "بكميات" شبه ثابته بحكم الولادة والطبيعة ،ذلك لا يعني ان المرء مسيّر لا يستطيع ان يغير من واقعه في شيء ،فللبيئة دور كبير في تفتيح وتوجيه كل من صفات الخير والشر في الانسان .. والاكيد – كما اكدت الاديان – ان الانسان  ضعيف بصفات الشر فيه ، القابلة بسرعة وسهولة للنمو والتعاظم امام التحديات والمغريات . والحاصل اليوم - وباسم الحريات – تدهور الناس في استخدام واستغلال المخترعات والطاقات ،التي باتت متوفرة في كل مكان ولدى الجميع حتى الاطفال .. وذلك في غياب التوازن بين القيم الروحية والقيم المادية ،الذي نتج عن استفحال سيطرة وهيمنة التوجه الرأسمالي الاستغلالي النفعي الفردوي والفئوي الاناني المادي ،الذي لا يعرف ولا يعترف بدين ولا رب ولا ضمير ،بل فقط بالشهوة للمزيد في شتى الانحرافات والشرور ،الخارجة والمبتعدة  عن الطبيعة وعن روح الانسان  ..فانسان اليوم  مع غياب ذلك التوازن يشبه طير بجناح واحد لا يستطيع الطيران ، حتى لو وصل القمر وبعض الكواكب بآلاته ، فهو راسف في قيود وأغلال ذلك الهمجي القديم ، سواء ظهر بثياب أنيقة أم بمسوح متشرد .. ويظل الحديث عموما لا تخصيصًا ولا إطلاقا
 طبعًا .
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق