م الذي اريده من الكتابة كعرفاني تجاوزي ..؟ بقلم كميل فياض
2013-02-10 11:32:28

أُدرك مدى خطورة وصعوبة المواجهة العرفانية التجاوزية  للسائد من معتقدات وافكار ومفاهيم ،خصوصا في منطقتنا وفي مجتمعنا الشرق اوسطي عموما ،حيث الصفة المشتركة السائدة هي واحدة وهي ذاتها لدى اتباع المعتقدات " التنزيلية والتأويلية على حد سواء " وهي ثنائية الوجود – الخالق بصفتة الشخصية الماورائية  القائمة بذاتها من جهة - والخليقة بصفتها المختلفة عن الاله الى حد الانفصال والتناقض من جهة اخرى .. واستناد كل ذلك على منطق الايمان المستند بدوره في افضل احواله على المنطق السببي الشكلي الصوري ،الذي اعتمده الاعرابي في صيغة : البعرة تدل على البعير ، كما اعتمده الفيلسوف في صيغة : تداعي الاسباب الى مسبب قائم مكتف بذاته خارج المنظور الحسي .
ما يبرر اقتحام المواجهة عدة امور . اولا : مسألة الكشف عن حقيقة الوجود والتحقق بها ، ثانيا : كون هذا الكشف يتحدث عن حقيقة الانسان باطلاق ، وليس عن حقيقة خاصة لشخص أو لمذهب أو لغيب معين ،بالتالي لا مكان للسرية التقليدية هنا ،كوننا نعيش في عصر الحرية والديمقراطية ،التي لا نقرها دون قيد او شرط كما هو سائد ،المهم انها تكفل الحرية الفكرية . ثالثا : آن الاوان لمواجهة ما نعتقده ونؤمن به دون جدوى مدى آلاف السنين .. والقصد هنا العمل على تحويل الطاقة الايمانية الوجدانية من العلاقة بالغيب الماورائي – كجزء آخر من الوعي ذاته في النهاية ،الى علاقة بحقيقة الوجود الواضحة داخل الانسان .. وهذا امر يحتاج الى قدر كبير من المرونة والانفتاح العقلي والليونة النفسية والتوجه الروحي ..ويحتاج الى تواضع ورغبة في الكشف عن الحقيقة .. الحقيقة التي هي ليس من خلق الانسان ،حيث لا يمكن التفكير بها واستعمال الارادة الشخصية ،او الدوافع الغريزية في طلبها ، كما هو الامر في طلب الدين والعلم  وسائر مطالب الانسان " دنيا وآخرة " .. الحقيقة الابسط  والاعمق،  والتي فيها تكمن الحرية والسعادة والطمانينة والجمال والخير والحق وكل ما هو ايجابي في الجوهر الوجودي .. الحقيقة التي تظهر للوعي كجوهره ،بعد توقف كل نشاط ارادي في سكون وصفاء التأمل والتحقق .اذ ذاك يختف الانا ويبق اللاانا بغير صفات ،واحد مع الكون، مع كل ظاهر وباطن . هذا هو التحقق .
من الطبيعي ان يلقى هذا الطرح معارضة وانكار من قبل الكثيرين لدوافع عدة، منها ضيق الافق الشخصي ،المنطلق من اعتبارات سيكلوجية  "ايغوئستيت "  ومنها دوافع محض عقائدية ، فلسفية ، ثقافية ، سياسية الخ .. والانسان عدو ما يجهل كما قيل .. والحق ليس سهلا على من عاش الف ، أو الفي ، أو ثلاثة الاف عام واكثر على عقيدة مقدسة ،تنطوي على علاقة حميمة ( بالحلول) الشافية لكل اشكالات ومعضلات الغيب والواقع  ،انتهى  المؤمن  وفرغ من مواجهتها قبل ان يولد ،اذ هي واصلة اليه كاملة خالصة لا يأتيها الباطل من كل جهاتها .. وفجأة يأت (متطفل) يدعي المعرفة والتحقق لينسف له كل ما يتمسك به من خالد ومقدس .. كيف يمكن ذلك ..  ولا مكان للحجة ولا للمنطق بالمفهوم الحسي الخالص ، وحيث لا نموذج نتقدم به ولا قدوة لطالب القدوة ..؟! اذ ان فكرة النموذج والمثال، عائق يحول دون التحقق هنا ،من حيث حضور النموذج في وعي طالب النموذج من تجربة الماضي ومن ثقافة الماضي ،بينما الحقيقة الوجودية الجوهرية هي فوق الزمن وفوق الحدود وفوق التقييدات الذهنية الفكرية والشعورية .. انها مشكلة التفكير العادي التقليدي المسترسل والمسيطر نفسيا وذهنيا، والضارب جذوره في اللاوعي منذ الخرافة المتمثلة في قصة آدم والجنة والحية الخ ..
هذا التفكير نفسه القائم وراء سلسلة الخرافات هو ذاته خرافي لا وجود له في ذاته ،اذ هو مجرد انعكاس "فتوغرافي" ظلالي عفوي كحركة الموج والهواء بالنسبة للطاقة المُحركة .. الفكر الذي هو كالموج في البحر يدرك الزبد فوقه ولا يعي البحر مصدره وخلفيته واساسه .. وما طلب النموذج والقدوة  من قبل المؤمن الا تأكيدا على عبوديته للماضي ولأشكال الفهم التقليدي غير المجدي والعبثي ،ولاتكاله على "منقذ ، مخلص"  من خارجه ..عندما يشترط علىّ المؤمن تفهمي وفهمي له  دخولي  قالبه ،هو ليس فقط نفي والغاء لحقيقتي ،بل  هو نفي والغاء وانكار لحقيقة وجوده هو ،من حيث ان حقيقة الوجود هي ذاتها بالنسبة لي وله ولنا جميعا ولكل شيء  .. انه غير مستعد لفهمي الا اذا أدخلت فضائي غير المحدود في شرط فهمه الاصطلاحي الديني الخاص المتعلق بمذهبه وتفسيره ،اي لا يقيم معي تسوية الا اذا احالني لجزء من قناعاته الموروثة ، التي تعود الى ملايين السنين – كأفكار- والتي تعوَّد خلال حياته اليومية (التفشيق) عن تناقضاتها وسطحيتها ،كانها غير قائمة أو خالية من كل عيب ..
 ولا يجوز لي السماح بذلك اخلاصا للحقيقة اولا واخيرا .. لا يجوز
(الصمت )..  كشاهد يرى الظلام يتحكم في عقول الناس ،يربطهم بأوهام يخلقها لهم ويزخرفها بؤمنيات وآمال كاذبة .. لن اكن شاهد زور ،وسأواصل الكتابة والحديث في الموضوع ما دمت شاهدا وقادرا على الادراك والتعبير ..
 وان في الكتب المقدسة لمختلف المذاهب والاديان ما يدعم هذا التوجه ويشير الي ما في الدعوة من حقائق .. ان حقيقة الوجود التي هي حقيقة الله ، هي حقيقة واحدة تشمل الانسان في ذاته وطبيعته الجوهرية المطلقة ، وعلينا قراءة ذلك ببصائرنا ، كما قرأها العارف الهندوسي والبوذي والتاوي والزيني والصوفي والعرفاني والافلوطيني الخ .. ولتجاوز ثنائيات الوجود في سبيل الكشف عن وحدة الوجود تتحدث الكبالاة العبرية في كثير من فصولها ، كما تتحدث الجيتا الهندية ،كما يتحدث الانجيل على لسان عيسى " انا فيكم وانتم فيّ .. والملكوت داخلكم .." الخ  والقرآن ينفي ايضا ثنائية الوجود برمزه " لشجرة الزيتون غير الشرقية ولا غربية "
ومن ذلك جاء على لسان هرمس التوحيدي : وجعل لكل سبيلا اليه في نفسه ومن نفسه ،ولذلك اختلفت عقيدة كل نفس كما اختلفت الاهواء والارباب ، وعين حقيقتها هي الصور للمعبود الواحد في مرآته . 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق