ديدان أنيقة بقلم كميل فياض
2013-01-12 12:24:20

لا احدّث احد الآن .. ببساطة استسلم لهواجس يقظة حالمة في صدورها العفوي عن رؤية روح ادرك سجونه .. عرف انه في غير مكانه في غير موطنه .. روح استيقظ  بعض الشيء من حلم الوجود الارضي .. وهو يتقلب ويتململ في اكفان اللحم والدم .. ينظر ولا يصدق شيء .. فيرى ما يرى .. ومن ذلك يتبادر : ما الفرق بين الناس والديدان في الماهية ..؟!
 الناس تعيش على اللذات وفي البحث عن اللذات ، مادية ومعنوية ، وربما الاخيرة تمثل الفرق والاختلاف عن الديدان .. غير ان الدودة  تتمتع بصورة مركزة في المادة بصورة افضل من البشر بكثير .. تعيش الدودة في قلب تفاحة تتمتع دون تأنيب من ضمير ، دون شعور ببهيمية وبضعة  وخِسة، دون انزعاج من ضيقي عيون وآفاق ..دون حسّاد ولوّام ، دون معاقبة ومحاسبة من احد ، وان قرضها فجأة احمق من بني البشر  وهو يلتهم تفاحة ،لا احد يشمت بها ، وان تتسبب هي في اشمئزاز ذلك الغافل ، سيأتي يوم ويكون هو بين فكي تنين مجهول ويثير حزن الجميع .. الدودة تتمتع بمادتها بصورة متكاملة .. لا سكري لا ضغط  دم لا دهنيات زائدة لا زهايمر لا ازدواج لا نفاق لا انتخابات لا عجرفات لا الخ .. الدودة صادقة عملية مباشرة ،بينما الانسان يبحث عن لمعان " التفاحة " يتوه في اللمعان قبل ان يشمها ، يتأنق  بثيابه  ويمشى في اختيال على " رفات العباد " وهو حالم ، وهو في اضغاث احلامه كأنما ملك الدنيا ، وهو لا يلبث يبدل افكار يخزن معلومات يتفاخر بها وهي زَبَد متطاير في الهواء لا يُرى .. يسير كل يوم في ثوب وفي وجه وفي قلب وفي ظهر .. يجمع يكدس يخزن ، افكار اعمال اشياء ، يتمتع متع وهمية في قصور وجنان من احلام ،لا يشعر ولا يعي جوهر وجوده . بينما الدودة تولد وتموت عارية ببساطه من الداخل والخارج ، دون تلون ودون تبرج ودون خداع وأقنعة .. الانسان يصنع الاعاجيب يخترع يكتشف يتعملق يرتفع .. لكنه يغرب فجأة ويندثر ليصبح  طعاما للديدان .. لم يكتشف سر ذاته الصادقة  الحقيقية بعد ..
الذات الموجودة ايضا في الديدان  .. الا فالنتعلم التواضع والاستقامة والحكمة من الديدان .. لنصبح اقل "بشرية " واقل حماقة قدر المستطاع  ..
لنعش مخلصين للروح الطاهر . مدركين ان الجسم عدم من تراب يتخذ نبض حياته وشكل وجوده من الروح ، فادعاؤه الانا والحياة والوجود هو باطل ،ليس له من الحياة سوى ما منحته الروح اياه من انفاس ، وليس له من الوجود سوى ما ارخت عليه الروح من صفات ، وهو ظاهر بها ، بخفائها  ملموس ، وبشفافيتها هو مرئي ..
عمليا في فضائها كل ما يدركه الجسد قائم ،وحين يخبُ سراجها فيه، فان العالم كله يُظلم ..
بنور الروح نحن نرى نور الشمس الذي يجعلنا نرى المرئيات .. وهو الذي – عمليا – قائم وحده ،يأكل ويشرب وينتقل بالجسد ، ومن جسد الى جسد . حتى ينتبه لذاته ويميزها بصفائه اثر قلق وشك في وجوده متواصل ومتزايد ومتفاقم . ولا تكون " انا افكر اذن انا موجود " لإثبات الوجود بالفكر كاستنتاج نهائي او عادي لوظيفة الفكر ،بل بداية لتخطي الفكر الى الذي يفكر ويمكن للفكر من التكوّن والظهور والحركة ، وهو لا مرئي ولا فكري .
ويبدأ الكاشف التمييز بالتباين والصفاء عن عكر الطين ، وبالوجود الحي ،عن موت الجسم  ، وبالنطق العقلي ، عن ضجيج الاعضاء الحسية ، وبلطافة الجوهر وبساطته ، عن كثافة وتركيب العَرَض المادي .. فلا يعد يرغب بالبقاء في هذا العالم ، عالم الطبيعة ، عالم الكثرة ، عالم التضاد والازدواج  والصراع . ويتوق الى عالمه عالم البقاء والسلام والانعتاق . وهناك .. هناك فقط نكون ربما افضل من الديدان . 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق