صمت المثقفون  أخواتي وأخواني الأعزاء
تعالوا معي نتخيل عالماً صامتاً,لا قول به ولا كلام,لا نصيحة ولا إستفهام,هل يحيا؟
تعالوا نتخيل طفلاً  موجوعاً لا يبكي كيف لأمه أن تعلم بألمه؟
تعالوا نتخيل مأذنة مسجداً بلا تأذين فكيف للخاشعين المؤمنين أن يعلموا بوقت الصلاة؟
تعالوا نتخيل جرس الكنسية صامتاً لا يقرع ,فكيف للناسكين أن يعرفوا بقدوم العيد ؟
تعالوا نتصور صفاً بمدرسة والمعلم واقف أمام الطلاب ساكن لا يتفوه بكلمة ,فكيف لأطفالنا أن يتعلموا أو يتثقفوا أو يعرفوا؟
تصور أفعى خبيثة سامة تقترب من إبنك الغافل,فكيف لك أن تنبههُ قبل أن يُلدغ إن كنت صامتاً لا تصرخ ؟
وإن رأيت لصاً سارقاً يدخل دار جارك النائم ,فكيف لك أن توقظه وتحذره إن لزمت الصمت الأكيد ؟
وتخيلوا أطباء العالم أجمعين يعلمون بأضرار التدخين ولا ينبهوننا منها وأضرار المشروبات الكحولية ولا ينهوننا عنها .إنه عالم مخيف ,إكتئابي,حزين ,لا يستحق العيش به ولن يصمد لفترة زمنية طويلة ,فمصيره الهلاك . وكل هذا نتيجةً "للصمت" .
القدرة الكلامية عند الإنسان هي نعمةٌ من الله وعلينا إستغلالها وقت الحاجة وهي تميزنا عن باقي مخلوقاته الحيوانية والنباتية . إختارنا الله وحدنا في هذا الكون أن ننطق الكلام ,ونقوله ,ونغنيه ,ونشدوه ,ونكتبه,ونسمعه ,ونفهمه.
فالصلاة عند جميع خلقه تكون بالكلام ,والحب والأغنية والاتصال بجميع ما حولنا يكون على الأغلب بالكلام .
إن كنا نعرف شيئاً ما علينا بقوله وتعليمه وإفصاحه وتفسيره وفهمه ,وإن كنا لا نعرف الشيء فعلينا الصمت .
وفي يومنا هذا نرى المثقفون يلتزمون الصمت المفاجئ بكل ما يتعلق بالظواهر السلبية والاندحار الاجتماعي والانحلال الأخلاقي والاضمحلال التربوي الذي يخيم على قرانا ومددنا ومجتمعنا ككل .
فهل هذا لأنه لا شيء لديهم قوله ؟ أم لرضاهم واكتفائهم بالوضع الراهن الحالي ؟ أم خوفاً من شيء ما ؟أم خوفاً على شيء ما ؟
العجب لهم والتساؤل لماذا هذا الصمت ؟لماذا لا يقولون ما يعرفونه ؟ويفقهونه ؟
فالصمت علامة الرضى,هل أنتم  موافقون ؟
عندما أقول "المثقف" أعني به من يعرف شيئاً عن كل شيء يعرف ما هو الخطأ والصواب ,يعرف الكذب والصدق يعرف ويميز بين الخير والشر .ليس بالأحرى أن يكون المثقف ذا لقب جامعي ,فالمثقف هو الذي يعرف ومن يعرف عليه أن يساعد غيره ويشاطره بالمعرفة .فلمثقفونا السؤال :هل أنتم راضون عن الوضع الراهن ؟هل أنتم راضون عما يدور حولكم من تغيرات وتقلبات وعادات وتصرفات وانحلال؟؟ إن كان الجواب بنعم فنطالبكم بالتزام الصمت وإن تكلمتم فرجاءاً تكلموا بالهمس ولا تدعوا غيركم أن يسمعكم .إقبعوا في حصن الصمت المتين,لا تغادروه ,حافظوا على حقكم الشرعي بالصمت ,وإتخذوا منه ملاذكم الأخير فسوف يلازمكم صمتكم هذا في الحياة وفي الموت بعدها .
وإن كان جوابكم "لا" فطوبى لكم فها هي الضمائر تستفيق والعقول تستنير .أخرجوا من ملاجئكم ومن قلاعكم العالية واصرخوا بكل قواكم وبأعلى الأصوات أنكم غير راضون عن الوضع الراهن .طالبوا بالحق والصدق في شوارعنا ,طالبوا بالعش العائلي النزيه ,طالبوا بإحترام نسائنا ومعزة شبابنا وصبيانا . قولوا لكل من يريد السماع إننا سئمنا أن نرى شبابنا ضائعاً, ثملاً,مسمماً,ومخدراً,محششاً,اصرخوا بأعلى الصوت أننا نريد مستقبلاً أفضل لأولادنا ونريد أن نصلح كل ما هو تلف .
قولوا أننا نريد الصدق بدل الكذب,والإحسان بدل الرذيلة ,والإيمان بدل الكفر.
اصرخوا إننا خلقنا لنعيش ,فنريد الحياة بدل القتل المتفشي في ربوعنا ,نريد الزواج لشبابنا بدل الطلاق ,نريد كل ما هو صالح وأماّ الطالح يرمى في أكياس المهملات .
نريد مدارسنا للدراسة وليس ساحات للعنف والقتال ,نريد قريتنا جنة مليئة بالحدائق والأزهار وليس مجمعات نفايات وأوساخ  .
اصرخوا إننا سئمنا الطائفية ونريد الأخوة والمحبة بين الجميع فلا فرق بين إلياس ومصطفى وسلمان وموشي ,إلا بالتقوى فكلنا خلق الله , لنا نفس الدماء والأرواح والأجساد ,لا نريد التفرقة والتفريق ,لا نريد الكراهية,لا نريد أن نعيش في عالم ليس من صنعنا ,نريد أن نعيش في عالم نحن صانعيه حسب ما يمليه علينا ضميرنا الحي .نريد أن نبني جنتنا قبل القيامة ,نريد أن تفتخر الأجيال القادمة بما صنعناه نحن المغادرون,نريد أن نكون أحسن خلف لأفضل سلف.
نريد أن نحيا حياة بشرية ,نريد أن نكون أنس وبشر وإن كان هذا فأهلاً بكم إخوتي المثقفون .

أخوكم د.عمار مرزوق.