مظهر وجوهر، زي ومسلك بقلم الشيخ فايز عزام
2012-10-10 22:14:18

يقال ان المرحوم يوسف روحانا مختار المسيحيين في عسفيا، ذهب مرة لزيارة زميله مختار الجارة دالية الكرمل، فوجد في ضيافته بيك من عين حوض، وهو في أحسن حلة. ولما قام المضيف بإحضار واجبات الضيافة لاحظ البيك إحدى النساء، فقال لمختار عسفيا: ما رأيك بنسوان الدروز؟ فتمعن به المختار وقال له: انك يا بيك تلبس افخر الثياب. فإما ان يكون كلامك زي ملابسك، أو تكون ملابسك مثل كلامك."
كما سُمع عن المرحوم الشيخ محمد ابو شقرا انه نوى ان يسن خاطرا يلزم كل شيخ يريد ان يتكمل ويطلق كريمته، الحصول على رخصة من مشيخة العقل، لان الشيخ الدرزي صاحب الكريمة، يجب ان يمثل أكرم صورة للدروز وأكثرها هيبة.
أقول هذا على ضوء ما نُشر في صحيفة كل الناس على لسان محررها السيد منعم حلبي قبل أسابيع، وفي مجلة العمامة بقلم محررها الشيخ سميح ناطور، وما يردده  كثيرون من المواطنين الذين يشكون من كثرة التجاوزات والمخالفات في أنظمة السير، وخاصة من قبل رجال الدين.
يجوز ان يكون في الامر مبالغة، لان رجل الدين مراقب أكثر من غيره، وغلطته محسوبة أكبر من غيرها، كغلطة المرأة. ومهما كان عد المخالفين من الإخوان، فان هذه الظاهرة مزعجة وتستحق الخوض فيها. وان كان جل حديثي موجه لإخوان الدين، فلا يعني إطلاقا ان غيرهم مصرح له بالمخالفة ومعفو من المحاسبة والنقد والشجب.
ان رجال الدين يعتبرون النخبة الأخلاقية في المجتمع الدرزي، لأنهم يدعون الى التمسك بالأخلاق والقيم، ويجب ان يكون فعلهم كقولهم، لا ان يدعوا الى أمر ويأتوا بعكسه. فهم قدوة ومثال. فقد قال السيد المسيح – ع- : ان فسد الملح فبماذا يُملَّح.
وقال الشاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ...  عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فحدثينا هنا عن رجال الدين ليس تهجما عليهم، بل احتراما لمكانتهم وتقديرا لدورهم القيادي والريادي في المجتمع.
ويجدر ان نوضح ان هؤلاء المخالفين قلة بين رجال الدين، لكنهم يتركون أثرا سلبيا لدى الرأي العام، على أهل الدين. أما معظم رجال الدين فملتزمون بالقوانين والأنظمة وينبذون كل مخالفة أو تجاوز.
ومع ذلك تظل  هذه المخالفات اقل خطرا وأسهل علاجا من مظاهر العنف التي تتعرض لها عسفيا في الآونة الأخيرة، من تعد على الممتلكات وتهديد للناس. ويظل هؤلاء المخالفون اقرب الى التوبة والصلاح من أولئك المنفلتين. 
ان الزي الديني يفرض على صاحبه ان يدقق في مسلكه دينيا وادبيا اكثر ممن لا يتزيى به. وما يجوز لجاهل، لا يجوز لعاقل. فان كان خطاأ الجاهل مخالفة، فأنها تُعَدّ على العاقل خطيئة. فلا يمكن لبس هذا الزي، ثم الاستهتار به، لأنه إهانة بما يمثله.
فكما ان الشرطي في بدلته الرسمية يكون ملزما بقوانين الشرطة، وإلا كان حاميها حراميها. والدبلوماسي ملزم برفع شان دولته، والمرء عندما يكون خارج قريته يجهد في رفع رأسها. والدرزي يهمه ان يعلي شان الدروز عند غيرهم. كذلك رجل الدين عليه ان يعمل ليرفع من شان الدين وراس أهل الدين.
المخالفات: من سرعة زائدة، وسير بعكس اتجاه السير، ووقوف بما يعطل حركة السير، وعدم إعطاء حق المرور للمشاة، وحق الأسبقية لسيارات الآخرين، وعدم التوقف عند إشارة الوقوف، وحمل الطفل في حضن السائق، وعدم وضع حزام الأمان، وكلما يمس بمشاعر الناس أو يضر بممتلكاتهم أو يؤذي أجسامهم أو يعرض السائق نفسه أو الركاب أو السائقين الآخرين أو المارة للخطر، فهو على رجل الدين حرام.
العاقل مسئول عن عمله، محاسب عليه. ولا يقل بعد وقوع الواقعة والتسبب بضرر، وخاصة بأذى جسماني وتشوه أو وفاة، ان هذا قضاء وقدر، وهذه مشيئة الله، وهيك مكتوب، وما شابه من الأقوال التي ينكرها الامير السيد - ق-  صراحة. بل يجب عدم التسامح مع هؤلاء المستهترين بإلقاء اللوم على القضاء والقدر.
العاقل من فكر بعواقب الأمور. وعليه ان يعرف ان هذه المخالفات والتجاوزات قد تسبب الضرر والأذية للناس. ورجل الدين ممنوع من هذا كله. وقد يتسبب، لا سمح الله، بقتل نفس بريئة بغير حق. والقتل من الكبائر. ومن تثبت ادانته انه تسبب بوفاة في حادث طرق يجب ان يحاسب على هذه القاعدة.
يسرع المرء أو يسير بعكس السير كسبا للوقت، أو توفيرا لبعض ليرات ثمنا للوقود. فهل هذه من أولويات المؤمن الموحد، وهذا ما يشغل باله. اين القناعة، وأين التدبير، وأين التواضع، وأين مخافة الله، وأين ما نقوله عن نبذ الدنيا وحب الآخرة؟ 
هذه المخالفات ثمرة المعاندة والتكبر والاستعلاء وحب النفس، والمخاطرة، وهي من صفات النفوس الضدية لا الولية. أعاذنا الله وإياكم منها.
ان كان المتصل بالدين حديث العهد به، لا يعرف ان هذه التصرفات حرام، فعلى شيخه ان ينصحه ويرشده، وان كان له قدمة في الدين، فعلى إخوان الدين نصحه وإرشاده وتوعيته. أما ان كان يعرف ويحرف. فبدها نظر.
والمؤمن من كان لنفسه واعظا، وخشي من الخالق الحاضر الناظر اكثر مما يخشى من كلام الناس ولومهم.
ولنذكر: ان المؤمن الديان ظاهرة كباطنه، والإناء ينضح بما فيه. ودين بلا أدب سقيم، الإيمان قول وعمل. وان الزي الديني يتطلب من صاحبه قول مليح وعمل صحيح وعقل رجيح وسير مريح.
أتنمى ونحن على باب عيد الأضحى المبارك ان نكون جميعا: عقلاء الدين والدنيا، قدوة للمجتمع. فان صحّ ألراس صحّ الجسم.
ونسال المولى الكريم ان يجعلنا وإياكم في أيام العشر الفضيلة وأيام عيد الأضحى ممن لا يضحون بكبش، بل بأنانيتهم وشر نفوسهم، في سبيل إدخال السرور والمحبة الى قلوب الناس، ونشر الإخوة والتواضع، وإشاعة الخير وآداب الدين وحسن الخلق، وإصلاح أخطائنا وإتباع الأصلح. راجين منه تعالى الرضى والعفو والمغفرة.  وكل عام وانتم بخير

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق