أرَاكَ مُقْبِلاً فَتَصُدَّ عَنّي...بقلم د.نجيب صعب
2009-12-01 19:10:50
كما نرى في هذه الدنيا الوديان، الجبال، الهضاب، المنخفضات والمنحدرات التي وجدت بقدرة قادر، تكسوها على الغالب الالوان الخضراء والاعشاب والاشجار الزاهية على إختلاف أنواعها وأصنافها، وربما في بعض ألاحيان تكون هذه التضاريس الطبيعية جرداء مصفرّة اللون وشاحبة أيضاً.
            والذي يمعن النظر ويكثّف نظراته الموضوعية في المجتمع يرى في ثنايا هذا المجتمع وشرائحه الكثير الكثير من الشبه بين التضاريس الطبيعية والتضاريس الديموغرافية من أنواع وأصناف وأعضاء المجتمع بشكل عام.
            وعطفاً على ما ذكر اورد فيما يلي مما رواه لي أحد ألأصدقاء والذين أثق بهم بدون تحفظ علماً بأنهم قلّة في هذا الزمان.
            قال لي صديقي: صحبت يوماً من ألأيام أحد ألأصدقاء المحافظين والمتدينين الذين لهم نظرة ثاقبة في هذه الدنيا، وكثيراً ما تستشيرهم الناس في مواضيع عدة، كلمتة صحيحة ونابعة من ايمان صادق لا غبار عليها.. وأضاف هذا الصديق : جلسنا معاً نتحدّث ونتبادل ألأفكار والاقوال، اذا بشخص ثري ومتعلم ايضاً في ذلك الزمان يرافقه انسان آخر، مرّا بنا ولم يطرحا السلام بالمرة ولم يكترثا بنا نحن ألأثنين... ويتابع صديقي قوله: واذا بزميلي الذي يجلس معي ينبري وينادي بصوت خافت لذلك الشخص المتعلم الثري ويقول له بكل تواضع:
أراك مقبلاً فتصدّ عني                              تظن الله لم يخلق سواك
فيغنيني الذي أغناك عني                 ولا فقري يدوم ولا غناك.
 
فقلت: وماذا يقصد بذلك؟ أجاب: الواقع يا صديقي ان الدنيا بألف خير وان الله سبحانه وتعالى خلق الناس درجات وأصناف، منها المتشابه ومنها المتناقض، ومنها المتواضع ومنها المتعجرف والمتكبّر، فالانسان القنوع يا اخي والمتواضع ايضاًَ، لا يمكن للأرزاق أن تؤثر على جوهره، ولا يمكن ايضاً للثروة ان تبعده عن جوهره وإتسم بهذة الصفة حقاً، ومن لا يمكنه الصمود امام بطش العنجهية وحب الذات يتصرف بشكل آخر.
قلت: وضّح يا أخي ما هو المقصود! فقال: لو أن هذا ألأنسان الثري صاحب ألأرزاق التي قد لا تحصى، تصرّف بتواضع ومرّ بنا انا وصديقي وحيّانا كما يجب ولم يتكبّر ولم يشعرنا بأنه من طينة أخرى على رأيه ، لما قام زميلي وقال له ما قال.
وأردف صديقي متابعاً: لقد أبلغ زميلي بما قال قاصداً اشعاره بأن ألرزق والمال والثروة لوحدها لا تكفي المرء، فكل هذا بحاجة للأخلاق، بحاجة للتواضع وللانسانية، يَكبرُ ألأنسان بتصرفه لا بماله، ويتواضع بأخلاقه لا بثرواته ويتسامح بطيب سماته لا بتكبّره.
قلت يا أخي هذا صحيح، هذا الثّري ظن من خلال تصرفه ان الفقير بالمال وألأرزاق هو انسان آخر.. والحقيقة يا أخي ان هذه سخافة وقصر نظر ، فالفقير هو فقير العقل وليس فقير المال والرزق، وفقير الحال ليس فقيراً لأنه غنيّ بأخلاقه، غنيّ بقناعته وبأعماله الخيّرة وليس بما جمع من أموال وأرزاق.

وخلاصة القول عزيزي القارئ عزيزتي القارئة هو انه يترتب على ايّ كان من بني البشر مهما جمّع من ثروات وحصّل من أموال الاّ ينسى من هو ومن اين أتى ، والاّ يحتقر ذوي الامكانيات المحدودة، لان المثل قال دوام الحال مُحال، فلا يدوم سوى ألعمل الطيّب والصفات الخلاقة التي تعتبر في نظري الكرامة بحد ذاتها، لأن الكرامة المصطنعة بالمال فقط وبالارزاق فلا تدوم، ويترتب على المرء في مثل هذه الظروف ان يعي ويحاسب نفسه بصدق، عندها بدون شك انه سيصل الى هذا الاستنتاج اذا كان متواضعاً صادقاً مع نفسه ويمكنه تقييم ذاته من جديد وربما هذا التقييم يثنيه عن كبريائه ويضع نفسه في إطارها الصحيح ويمكنه التغيير في النهج والسلوك!! .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق