لجولدستون منزلته بقلم: فؤاد سليمان
2009-11-12 15:55:29

لقد عادت زوجتي من جنوب إفريقيا وتأقلمت مع الأجواء العنصرية في بلادنا، وصارت تتذمّر مثل أي إسرائيلي على كلّ ما يحدث. فمثلاً، صحيفتها اليومية بدأت تصلها بنسختها العبرية بدل الانجليزية، وهذا أغضبها حتى أنها اتصلت بهم عدة مرات. أمّا المرض الذي أصاب عائلتي فقد حلّ عنّا وشُفينا جميعنا منه، وكسبنا الوزن الذي جاء مع عودة الشهيّة. لقد وجدت نفسي أمس مستلقيًا على سريري بعد وجبة شاورما تبعث على الرضا. وأنا في هذا الحال لفت انتباهي خطاب كان يبث في المذياع للسيد جولدستون، والذي تطرّق فيه، باللهجة البريطانية، إلى جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حرب "عوفيريت يتسوكاه". بعد أن أنصتّ له قلت لنفسي: "أما إشي لطيف، بكل رواقة قاعد يحكي عن الموضوع"، وفعلاً، كان جولدستون رائقًا، هادئ البال، متحضّرًا ومُحترِمًا لنفسه. لكنه، بينه وبين نفسه، ربما كان يعلم بأن كلامه سيبقى مجرّد كلام لا فائدة منه في مواجهة واقع تتعنت فيه إسرائيل بموقفها العدواني وتدعمه بدبابات وبطائرات.

أما الإعلام الإسرائيلي، فقد جُنّد ضد ملف جولدستون، وهو الذي وصفه هذا الإعلام بأنه كاذب وغير واقعي. في موقع "والا" للأخبار، صادفت مقالة بعنوان "تبنّي ملف جولدستون – من صوّت ماذا؟"، هي في أساسها مقالة مثيرة للغضب، لأن كل هم كاتبها تركز في أمر واحد وهو "من صوّت ماذا؟"، أيّ مَن معنا ومن ضدنا، وذلك دون أن  تهمّه البتّة حقيقة أن العالم قد أصبح يتأفف من أفعال دولته المصونة. في زاوية التعليقات على المقالة كتب أحد القرّاء: "ماذا تتوقّع هذه الدول؟ إن يتحوّل أطفال سدوروت الى جثث قسّام". مثل هذا الموقف يلخّص رأي اليمين الإسرائيلي، الذي يتجاهل تمامًا عنف دولة إسرائيل الشنيع ويتعامل مع العنف الإسرائيلي والفلسطيني وكأنهما متساويان. أما أحد الردود في موقع "تابوز" فلم يكن أقلّ إزعاجًا من الذي ذكرت، حيث كتب من كتب أن "على نتنياهو أن يُعلن أنه إذا قرر الفلسطينيون أخذ ملف جولدستون إلى الأمم المتحدة، فإن عليهم أن يفهموا أن المفاوضات معهم لن تتجدد". هذا الشخص يريد أن يُعاقب الفلسطينيين على احتجاجهم المبرر على ما أرتُكب ضدهم من جرائم.

أنا أعتقد أن عدم معاقبة إسرائيل حتى الآن يحتّم على جولدستون أن يقوم بتجنيد مجموعة من النشيطين في منظمات حقوق الإنسان وأن يعطي كل واحد وواحدة منهم حبّة بندورة ويقول لهم "اذهبوا إلى إسرائيل وألقوا بالبندورة في وجه كل مستوطن ترونه أمامكم". طبعًا هذه فانتازيا لا تمت للواقع بصلة، ففي الواقع لا أحد يرى أي دليل لعقاب فعّال وناجع ضد المتوطنين أو ضد حكّام إسرائيل. ومن الناحية الأخرى فإن ساسة إسرائيل وفلاسفتها وصحفيوها يحاولون بكل ما لديهم من قدرات أن يدافعوا عن أخلاقية ما تقوم به دولتهم من أفعال تنافي الأخلاق. هم دائمًا المظلومون والضحايا. هم ضحايا الكارثة ودولتهم دولة صغيرة ومحاطة بالأعداء!!.

بعد سماع خطاب جولدستون عبر المذياع، أحسست أن هنالك إنسان عقلاني يحاول بكل هدوء أن يقول الحقيقة المركبة. خطابه كان لي بمثابة شعر هز مشاعري، ولا قوة أعظم من ذلك. شربت القهوة ودخّنت سيجارة وأنا أقرأ في الانترنت ما يفكرّ به ويقوله هذا الشعب، وأحسست أنه لا جدوى في الأمر، مع أن لجولدستون منزلته.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق