ما أصعب أن تمسك قلمك لتخط بعض الكلمات عن الأسرى وظروفهم والانتهاكات الجسيمة لحقوقهم الأساسية ، وما أقسى أن تكتب عن المرضى ومعاناتهم .
والأصعب والأقسى هو أن تكتب عن أسرى مرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يجمعون رغماً عنهم ما بين هذا وذاك ، ما بين مطرقة الظروف و قساوتها و الإنتهاكات وتعددها وسندان الأمراض ومعاناتها .. ومنهم من تقترب ساعة وفاتهم ، أو يتمنونها من شدة ما يحسون به من ألم .
وما أصعب أن تكون مقيداً وجسدك مؤهل لاستقبال الأمراض في أي وقت طالما أنت في سجن إسرائيلي ، أو أن يتحول جسدك فجأة ودون مقدمات لفريسة سهلة لمداهمة الأمراض الخبيثة ، وما أقسى أن تكون محتجزاً في مكان يفتقر لمقومات الحياة الآدمية ، وفجأة تقتحم المكان أمراض مجهولة وغريبة ، سريعة الانتشار يصعب تشخيصها ويُماطل في علاجها ، بل ويُتعمد إبقائها وانتشارها أو استفحالها .
وكم هو الأمر مؤلم أكثر أن نفقد عشرات من الأسرى خلف القضبان ، ومئات آخرين بعد تحررهم جراء أمراض ورثوها عن السجون وتبعات الإهمال الطبي دون أن نسجل ولو انتصاراً واحداً للحد من ذلك .
وانه لأمر صعب بتقديري أن نكون على علم بوجود مئات من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال مرضى بأمراض مختلفة ، منهم العشرات بأمراض خطيرة ومزمنة ، وبينهم ستة عشر أسيراً مصابون بأمراض السرطان ، دون أن نتمكن مجتمعين حتى اللحظة من إطلاق سراحهم وإنقاذ حياتهم ، أو على الأقل توفير العلاج لهم .. وفقط نتعامل معهم كأرقام .
وكم هو مؤلم أيضاً أن نكون على يقين ومنذ اللحظات الأولى بأن كافة الأعراض المرضية التي ظهرت قبل أيام على عشرات المعتقلين الفلسطينيين في معتقل " عوفر " هي مؤشر قوي لإصابتهم بوباء " أنفلونزا الخنازير " ، ونخشى الإفصاح صراحة عن ذلك تقديراً لمشاعر ذويهم ، أو أن نقلل من حجم الخطورة لطمئنة الأهالي والرأي العام المحلي ، وفي الوقت ذاته نخجل من الإفصاح عن عجزنا في إرسال طواقم طبية محلية أو دولية محايدة لهم ولغيرهم ، فيما لم تعلن المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عن أية خطوات عملية جدية ستتخذها خلال الأيام القادمة .
نعم ... إنه لأمر مؤلم أن تصدح في آذاننا صرخات معتقلينا في " عوفر " من شدة الألم ، ومن قسوة المعاملة وسوء الرعاية الطبية ، دون أن نحرك ساكناً ، وكأن الأمر أضحى شيئاً عادياً روتينياً .