أفلامنا مثل الكنافة
2009-08-18 11:27:47

لا أدري ما الذي جرى لأبي في الآونة الأخيرة حتّى صار يهتم بمشاهدة الأفلام الجيّدة، مثل فيلم 81/2 للمخرج الإيطالي فيديريكو فيلليني وفيلم "الثور الهائج"  للمخرج الأمريكي مارتين سكورسيزي وغيرها من الأفلام التي صار ينسخها عن الإنترنت. حين جلست في غرفة عمله قبل يومين سألته: "لم لا تشاهد أفلامًا فلسطينية؟، فهي مُثقِّفة ولها علاقة بحياتنا وبأحوالنا أكثر من الأفلام التي تشاهدها". أما هو فأجابني باقتضاب أنه يفضّل الأفلام الجيدة. ومع أني لا أخالفه الرأي بالنسبة للأفلام الأوروبيّة والأمريكيّة الجيدة، لكني أرى نفسي مؤخرًا مهتم بأفلامنا أكثر من اهتمامي بأفلام أخرى، والحقيقة هي أن الأفلام الفلسطينية التي شاهدتها مؤخرًا لا تقلّ في مستواها عن الأفلام الأوروبية والأمريكية.

أنا أعتقد أن أفلامنا تشكّل وسيلة ناجعة للتعبير عن المواقف الإنسانيّة والفكرّية والسياسيّة، وذلك لقدرة الحيّز السينمائي على نقل المواقف الفكريّة والسياسيّة والإقناع بها، إضافًة إلى كونه وسيلة ناجعة للتأثير على المشاعر. قبل سنوات، عندما كنت أدرس كتابة السيناريو في جامعة تل أبيب، علّمونا أن السينما تخاطب الجمهور عبر أبعاد عدة – الصورة والصوت والبعد السّردي إضافة إلى أبعاد أخرى تتيحها  تقنيّات وطرق التصوير والإخراج. كل هذا يدعوني لطرح السؤال: "لماذا لا نرى لدينا حركة فنية حديثة تنطلق من الإدراك بالقوة العظيمة الكامنة في مجال السينما، وتحاول استغلالها لصالح قضايانا الوطنيّة، سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا. أنا أعتقد أن دمج عالم السينما بعوالم أخرى كالسياسة والاجتماع، أي بكلمات أخرى تسييس السينما و"جتمعتها"، هي أمور إيجابيّة، ومع ذلك فالملاحظ هو أن المبدعين الفلسطينيين عادة ما يتجنبون "جانر" السينما السياسة والاجتماعيّة-الاقتصادية. أنا لا أروج لأفلام على غرار أفلام الدعاية التي كانت ولا زالت تلجأ أليها الأنظمة الدكتاتوريّة. لا أتمنى هنا أن يُصنع فيلم فلسطيني بعنوان "كيف تكون مواطنًا جيدًا"، أو "حزب العمل"، أو "كيف نقرِّب السلام"، بل ما أتمنّاه هو أن لا يرتدع مبدعونا عن الخوض في قضايا ومضامين ذات طابع سياسي-اجتماعي-اقتصادي، بدلاً عن التوجهات السائدة التي تركز على البعد الفنّي للفيلم، والتي غالبًا ما  تُبقي الجمهور في حالة حيرة لأنه لم يفهم ما هو المقصود في الفيلم.

من المعروف أن الأفلام الفلسطينية بدأت في لبنان، فقد صوّرت هناك أفلام عديدة لمخرجين فلسطينيين. لكن لسوء الحظ دمّرت معظمها على يد الجيش الإسرائيلي عندما اقتحم بيروت للمرة الأولى. لقد كان هنالك قرار سياسي إسرائيلي بتدمير الأفلام الفلسطينية، وذلك بهدف محو التاريخ الفلسطيني. أليس ذلك أمرًا شنيعًا؟!. أتخيّل جنرالا إسرائيليا وهو يصدر الأوامر لجنوده: "هيًا، اقتحموا المبنى ودمّروا جميع الأفلام الفلسطينية"، وكأن الأفلام الفلسطينية تحوي قنابل ورشاشات.

بالرغم من الملاحظة النقديّة التي ذكرتها سابقًا، فإنه يصحّ الاعتراف بأن بعض الأفلام الفلسطينيّة الحديثة قد نجحت في أن تصف واقعًا سياسيًّا واجتماعيًّا لشعبنا، وذلك دون التنازل عن المستوى الفنّي. مثلاً، هنالك فيلم "الجنّة الآن" للمخرج هاني أبو أسعد، الذي يصف عملية فدائية بشكل إنساني، ويحاول وصف الأبعاد المختلفة لهذه الحالة المعقدة. وليس صدفة أن هذا الفيلم كان مرشحًا للقب الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. مثال آخر هو فيلم "سجلّ اختفاء" للمخرج إيليا سليمان، الذي يصف الواقع السياسي والاجتماعي الكئيب لمدينتي الناصرة والقدس في ظروف القمع النفسي (الناصرة) والاحتلال (القدس)، وذلك عبر نظارات حكيمة. مثال آخر هو فيلم "خمس مئة دونم على القمر" الذي يصف واقع قرية عين حوض، حيث نجحت مخرجة الفيلم "راشيل لي جونز" في شد الاهتمام لقضايا عين حوض السياسية والإنسانية.

بعد أن عدت إلى البيت من زيارتي لأبي، قلت لنفسي: "فؤاد، أبوك بِحبّ الأفلام العالمية وإنتِ علقان مع الأفلام الفلسطينية!"، ثم أخرجت القليل من الكنافة من الثلاجة وأكلتها بلذة وأنا أفكّر: "الأفلام الفلسطينية مثل الكنافة، لذيذة وسهلة الهضم". حين أنهيت الكنافة، أشعلت سيجارة ونظرت نحو السماء وشعرت أنني جزء من فيلم، فيلم تصوِّره النجوم ويُخرِجه القمر، ثم قلت لنفسي "تعال تنشوف شي فيلم فلسطيني الليلة بدلا من فيلم هوليوودي"، ثم أخذت رشفة من السيجارة وأنا أشعر بنوع من الهدوء والرّضا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق