نظرة في دولة الأسطورة !!!
2011-05-02 00:05:03

منير فرّو  

الأسطورة تعرّف بأنها قصة خيالية أو مختلقة، وترتبط بالظواهر والكوارث الطبيعية وتفسيرها، وتعتبر الأساطير حكايات مقدسة لشعب أو قبيلة بدائية وتراثا متوارثا، ويطلق علي هذه الأساطير أحلام اليقظة، ولها صلة بالإيمان والعقائد الدينية، كما تعبّر عن واقع ثقافي لمعتقدات الشعوب البدائية عن الموت والحياة الأخروية، وهذه نظرة ميتافيزيقة .
ومازالت القبائل البدائية تمارس الطقوس وتتبع أساطيرها التي تعتبر نوعا من تاريخها الشفاهي الذي لم يدون، ومن خلال الملاحم تروي الشعوب روايات عن أجدادها وحروبهم وانتصاراتهم ورواية السير الشعبية الملحمية،


لهذا لا تعتبر الأساطير تاريخا يعتمد عليه لأنها مرويات خرافية خيالية، ولكن هذا لا يتلائم مع أسطورة دولة إسرائيل والتي أصبحت حقيقة واقعية بعد أن كان يعدها اليهود من الأساطير التي يستحيل تحقيقها، ولكن كما تقول التوراة: " لا مستحيل أمام الإرادة"، والصهيونية تقول : " الغاية تبرر الوسيلة"،
لقد صرّح دافيد بن غوريون رئيس حكومة إسرائيل الأول : " نحن مدينون بنجاحنا في إقامة دولة إسرائيل بـ 97.5% للسياسة المسيحية التوراتية ، وبـ 2.5 % للحرب والجيش " ، وقال بنيامين نتنياهو : " لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة الى أرض إسرائيل ، وهذا الحلم الذي يراودنا منذ 2000 سنة تحقق من خلال المسيحيين الصهيونيين "، 
فدولة إسرائيل ما كانت لتقوم لولا الدعم المسيحي الغربي الذي يعتقد بأن حتمية عودة المسيح الثانية في آخر الزمان ليعلن عن مملكة الرب،  مشروطة بعودة بني إسرائيل إلى أرض أجدادهم، وتملكهم  ما بين النهرين الفرات والنيل،  وهدم الأقصى وإعادة بناء الهيكل،
ومن هنا كانت المحاولات لتطبيق هذا الاعتقاد كثيرة وذلك عن طريق احتلال الشرق، فالمسيح عليه السلام أوضح في الإنجيل أنه سيغيب مدة ألف عام ثم يظهر ليكشف للناس مكنونات هذا العالم منذ تأسيسه ويفك رموز الأمثال التي ضربها في الإنجيل، ثم تبقى دعوته ألف سنة وهو ما يسمى بالميلينيوم، وعلى هذا الأساس قامت الحروب الصليبية أواخر القرن الحادي عشر إلى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 – 1291م)، والتي هُزمت أمام صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين قرب طبريا،
 ثم تواصلت هذه الحملات المسعورة بشتى الوسائل والطرق فتارة على يد المستعمر الفرنسي نابوليون بونابرت الذي فشل عند أسوار عكا، ثم عن طريق حملات إبراهيم باشا المصري الألباني الأصل،  والذي انهزم في جبل حوران في سوريا، ثم عن طريق تغلغل الغرب إلى السلطة العثمانية وتعيين سلاطين مواليين لهم  ليمحوا الحضارة العربية،  ولكنهم فشلوا في تحقيق هذا الهدف، حتى جاء مارتن لوثر الألماني في القرن السادس عشر ليضع الفكر البروتستانتي ويقوي الاعتقاد ألأوروبيي بضرورة إقامة وطنا لليهود في فلسطين، اعتقادا منه بأن إبطاء المسيح في عودته الثانية يعود إلى التأخير في إقامة دولتهم على أرض آبائهم، 

وعلى هذا السبب اكتشف الأوروبيون  أميركا وبنوا الدولة العظمى في العالم لدعم مشروع إسرائيل الذي يفسّر بالإسراع بـ "الخلاص المسيحي"،  فالفشل المستمر دفع بالغرب العمل بسرية تامة عن طريق حركات سرية كالماسونية والصهيونية ذات القبعات الخفية والمختلفة، حتى استطاعوا أخيرا الإعلان عن وعد بلفور عام 1917 فيه تتعهد بريطانيا إقامة وطنا لليهود على أرض فلسطين عن طرق فرض الاستعمار البريطاني والفرنسي على الشرق وعلى القارة الإفريقية وتقسيم الدول، وذلك في ظل  الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، ثم جاءت محرقة اليهود في ألمانيا عام 1945 تشجيعا لمجيء اليهود إلى إسرائيل التي بدأت مخاضها الأليم، 
فالصهيونية المسيحية عملت دورا جبّارا من أجل تجميع يهود العالم في أرض فلسطين وحتى باستعمال القوة والتهديد فالغاية تبرر الوسيلة، وعلى هذا المنطلق انطلقت فكرة إقامة وطن عبري على أرض عربية باعتبارها أرض الأجداد والآباء للشعب اليهودي قبل حوالي ألفي عام، حيث سكن أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم بن آزر عليه السلام، والذي عبر نهر الفرات قادما من مسقط رأسه في أور الكلدانية، ومن أجل ذلك سمّوا أتباعه بـ "العبرانيين"،  لأنهم عبروا نهر الفرات وتوجهوا إلى بلاد الشام حيث سكنوا أرض حران، ثم انتقلوا إلى أورشليم والخليل وبعدها إلى أرض مصر،
لقد تزوّج سيدنا إبراهيم من السيدة سارّة التي أنجبت إسحاق الذي أنجب يعقوب وهو إسرائيل وعلى اسمه سميت دولة إسرائيل دولة الأسباط الإثنعشر أبناء سيدنا يعقوب وهي أرض كنعان، 
ثم جاءت قصة سيدنا يوسف الذي شاء الله أن يجعله ملكا على مصر بعد أن باعه إخوته وحدث قحط في أرض كنعان أدى إلى نزوح سيدنا يعقوب وأبناءه إلى مصر،

ثم جاء دور النبي موسى ليخلّص بني إسرائيل من ظلم فرعون إلى حريتهم في أرض كنعان حيث تاهوا في صحراء سيناء مدة أربعين عاما،
 ثم أنزل الله على عبده موسى في جبل سيناء التوراة ليخرج بني إسرائيل من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد، ودخلوا أرض كنعان،
ثم جاء النبي داوود ليبني مملكته وعاصمتها القدس بعد أن انتصر على جالوت قائد الفلسطينيين بعد حرب دامية ليكون الملك الثاني على إسرائيل بعد الملك شاؤول، 

ثم خلفه ابنه الملك سليمان الحكيم فبنى الهيكل في بيت المقدس للتقرّب إلى الله، 
وبعدها انقسمت مملكة إسرائيل إلى قسمين شمالية واسمها إسرائيل وعاصمتها "شكيم"، وجنوبية واسمها يهوذا وعاصمتها "أورشليم " سنة 935 ق.م، وقد حكم كل من المملكتين 19 ملكا،

 وفي عام 721 ق.م وقعت مملكة إسرائيل تحت قبضة الآشوريين في عهد الملك سرجون الثاني ملك آشور وزالوا من التاريخ وسقطت مملكة يهوذا تحت قبضة البابليين سنة 586 ق.م، حيث دمر ملكهم نبوخذنصر أورشليم وهدم هيكل الملك سليمان وسبى اليهود إلى بابل وهذا هو التدمير الأول، حتى احتل كورش ملك الفرس بلاد بابل سنة 538 ق.م،  وسمح لهم بالعودة إلى أرض فلسطين،
وفي سنة 320 ق.م حكم فلسطين لإسكندر الأكبر، وبعده البطالسة وفي سنة 63 ق.م احتل الرومان أرض فلسطين واستولوا على أورشليم،
 وفي سنة 20 ق.م بنى هيرودتس هيكل سليمان من جديد ودام حتى سنة 70 م، حيث دمّر الإمبراطور تيطس أورشليم واحرق الهيكل، وهذا هو التدمير الثاني،
ثم جاءت المسيحية زمن دعوة يسّوع المسيح لتخرج بني إسرائيل من شريعتهم إلى المسيحية باعتبار أن اليهود خراف ضالة وأنه المسيح المشار إليه في نبوءات التوراة وأنه الذي يباع ويسلّم للقتل، 

وفي سنة 636 م احتل المسلمون فلسطين، واستولوا على أورشليم، وأقاموا مسجد الأقصى وقبة الصخرة، حيث عرّج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، بعد إسراءه من مكة المشرفة على أنقاض الهيكل، حيث بقي الحائط الغربي من الهيكل وهو ما يسمّى بحائط المبكى أو البراق،

وبقي اليهود بين احتلال واحتلال، وتشتتوا في جميع أقطار المعمورة، ملاقين شتى أنواع القهر والعذاب والإضطهاد، حتى جاء أقساها تحت حكم النازي أدلوف هتلر، الديكتاتور الذي حكم المانيا عام 1939 م، وأعلن على اليهود حرب إبادة مستعملا أبشع أنواع التعذيب، مما دفع اليهود بالنزوح الجماعي إلى فلسطين،
 لقد كان اليهود في أوروبا في القرون الوسطى قد عانوا من اضطهاد الكنيسة لهم، حتى حدثت الثورة الصناعية وظهرت فئات تدعو إلى الحرية والعلمانية والتحرر من الكنيسة وحكمها الجائر، خاصة بعد ظهور عيب رجال الدين واستغلالهم للناس،
وبقي حلم العودة إلى أرض الآباء يراود كل يهودي، ويظهر ذلك من خلال الأدب والشعر والرؤية المستقبلية، مع أن الكثير منهم قطع الأمل ودب به اليأس وصار عنده العودة إلى إسرائيل أشبه بأسطورة توراتية لا مجال لتحقيقها،

 ولكن في سنة 1897 م وتحت ظل انتشار الحريات القومية في أوروبا، ظهرت الحركة الصهيونية المدعومة من المسيحيين الجدد، تلك الحركة التي سعت إلى إنقاذ الشعب اليهودي من الاضطهاد والتشتت والى إقامة وطن قومي مستقل،

فبدأت تلوح في الأفق بوادر الأمل، وبدأت أسطورة إقامة وطن لليهود على ارض آبائهم وأجدادهم وذلك بعد ألفي عام من التشتت والاغتراب تتحول من حلم إلى حقيقة، وذلك بفضل جهود ثلاث شخصيات صهيونية، كل شخص من بلد مختلف واتجاه مغاير، ولكن يجمعهم شيء واحد ووحيد وطن قومي للشعب اليهودي المضطهد،
 فالأول هو النمساوي الأصل ثيودور هرتزل (1860-1904) والذي نجح في عقد أول مؤتمر صهيوني في بازل السويسرية سنة 1897 م، حيث وضع مخطط فكرة إقامة الوطن اليهودي دون تحديد الموقع الجغرافي، وذلك عن طريق جمع الأموال وإقامة المستوطنات والاستيلاء على الأراضي بشتى الطرق والإغراءات، وأيضا ربط علاقات مع صنّاع القرار العالمي وخلق الهوية القومية اليهودية وتنظيمهم في كل مكان،

والثاني حاييم وايزمن (1874-1952) وهو روسي الأصل وهو الذي دفع الفكرة والمخطط دوليا مستغلا ظروف الحرب والصراع العالمي، فقد كان دكتورا في الكيمياء، حيث أوجد طريقة لإنتاج مادة الأسيتون الضرورية لصناعة المتفجرات، مما ساعد بريطانيا في الحرب، وأعطى وايزمن مكانة عالية في السياسة البريطانية العليا، وكانت النتيجة وعد بلفور سنة 1917، وهو إقامة وطنا لليهود على أرض فلسطين المحكومة عربيا، وذلك باتفاق دولي، وقد عيّن وايزمن فيما بعد أول رئيس للدولة العبرية،
والثالث الروسي البولندي دافيد بن غوريون (1886-1973) وهو مؤسس القاعدة الاقتصادية والعسكرية والتنظيمية والبنى التحتية للدولة اليهودية على أرض فلسطين، وقد أعلن عن إقامة دولة إسرائيل في 14 أيار سنة 1948، وعيّن بن غوريون أول رئيس حكومة لدولة إسرائيل الفتية،
 هكذا استطاع اليهود بمعاونة الغرب المسمّى بـ "الصهيو مسيحي"، والذي له هدف من إقامة دولة إسرائيل، أن يهزموا العرب الذين مازال قسم كبير منهم لا يعترفون بوجود هذه الدولة ويصرون على محيّها،  وعليه ما زالت الحرب قائمة بين العرب واليهود والغرب يمد اليهود، 
وما زالت قضية فلسطين دون حلول والتي كانت يجب أن يعلن عنها منذ الإعلان عن إسرائيل بموجب الاتفاقيات إلا أن هناك مؤامرات غربية عربية يهودية وعالمية حالت دون ذلك، مما أبقى الصراع مستمرا ومريرا يعاني منه الطرفان وجميع دول المنطقة ،

واليوم  وبظهور إيران النجادية وبعد سقوط نظام صدام حسين وتدهور الوضع في العراق تحت ظل الوجود القوات الأمريكية ومتعددة الجنسيات يزيد الوضع تفاقما مما يهدد كيان الدولة العبرية محط أنظار الغرب ويزعزع الاستقرار العالمي، بسبب انتشار أسلحة الدمار الشامل، لأن إسرائيل في نظر الغرب العقائدي ستظل تلعب دورا هاما ومركزيا في مخطط السماء والأرض وبين الشرق والغرب ولا أحد يعلم ما تخفيه الأيام، وما علينا إلا نقول كفى لسفك الدماء وقتل الأبرياء، دعوا السلام يعم المنطقة ويحصل كل صاحب حق على حقه،  وأن تصبح أسطورة إسرائيل وفلسطين حقيقة دولتين متجاورتين تنعمان بالأمن والاستقرار والزيارات المتبادلة، عاشت دولة إسرائيل وعاشت فلسطين وعيد استقلال سعيد .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق