منير فرّو
سبق وان قلت أن الرئاسة الروحية تــُعنـَى بمصالح الطائفة الدينية فقط، وليس من صلاحياتها الأمور الدنيوية، مثل أن تقيم مشاريع اقتصادية أو مجمعات تجارية وشق شوارع وإقامة مدارس ومراكز جماهيرية ومستشفيات واستثمارات وغيرها بل هذه المشاريع من صلاحية رجال السياسة، كأعضاء الكنيست ورؤساء السلطات المحلية ورؤساء الأموال والمستثمرين، وكل تقصير يقع على أولئك فقط.
فالرئاسة الروحية هي بحد ذاتها تقليدية، رمزية، متوارثة عن أصول الدين، وانتخاب النخبة من رجال الدين، وتتم وفق رؤية خاصة برجال الدين، ولا يمكن أن تنتخب وفق صناديق الاقتراع، وان يرشح رجل دين نفسه ليتم التصويت له لهذا المنصب الرفيع الذي لا يوجد أعلى منه في الطائفة .
لذلك انتخاب الرئيس الروحي يتم بموافقة طبقة رجال الدين الأعيان، والذي يكون اختيارهم صحيحا وسليما لأنه مبني على رؤية دينية صحيحة وثاقبة وثقة كبيرة للشخص الذي يتسلم المنصب.
إن انتخاب الشيخ أبو حسن موفق طريف خلفا لجده المرحوم سيدنا الشيخ أبي يوسف أمين طريف رحمه الله، جاء إتباعا للسلف في مثل هذه التعيينات، وبإقرار طبقة المشايخ الأعيان:
أولا- إكراما لفضيلة الراحل ولعائلته التي تسلمت زمام الطائفة أكثر من 250 عاما، أخلصت في خدمة الطائفة، وتحملت الصعاب من اجل الحفاظ على كرامة الطائفة ومقدساتها.
ثانيا- كون الشيخ أبي حسن موفق مرافقا لسيدنا الشيخ وسكرتيره الخاص الذي أطلعه على كل كبيرة وصغيرة، وتعلم منه إدارة شؤون الطائفة ومقابلة الشخصيات الحكومية.
ثالثا- لمنع فتنة في الطائفة، كل يريد الرئاسة الروحية لمحسوبياته وغيرها الكثير من الأسباب.
وبما أننا بتنا نعيش في عصر يختلف اختلافا كليا عن العصر الذي عاش فيه السلف، من حيث المفاهيم، طرق الحياة، الرفاهية، كثرة المتعلمين، دخول الحضارة العولماتية والعلمانية اللادينية والحرية اللامحدودة التي تتنافى ومباديء الاحترام، بحيث لم يعد هناك نظرة تبجيل للكبير والمسؤول، بل انفقدت المعايير واختلفت الموازين، ولم يعد هناك احترام بمفهوم الاحترام، بل صار هناك تعيير وطعن وقذف وتشهير دون قيد أو شرط، أو نظر إلى تفاوت المسؤوليات والصلاحيات، ودون نظر إلى مدى خطورة الانفلات الكلامي، الذي بات له التأثير الكبير في جو تحكمه وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، والأصعب الالكترونية التي تعمل بسرعة الضوء، الممثلة بالشبكة العنكبوتية "الانترنيت"، وعلى رأسها ما يسمى "الفيسبوك"، لغة الاتصال والتحاور في شتى أنحاء المعمورة، دون تحديد سن الشخص الذي يستعمله، ومدى نضوجه العقلي، الفكري، الثقافي والاجتماعي، لأنه بات في متناول الصغير والكبير، الشاب والفتاة، المراهق والغير مراهق، والعاقل والجاهل، والجاهل أكثر من العاقل، لذلك كثرت الإساءة ونشر الإشاعات، والبذاءة والتعييرات، والإهانات والشتائم، فكل إنسان بمجرد أن يعرف الدخول لهذه الشبكة العنكبوتية والفيسبوك ويريد أن ينتقم أو يهين أو يستخف أو يسخر او يستهزيء أو يحرض أو يشهر أو يفضح أو يمس بكرامة شخص أو أي شيء يفكر فيه يمكنه ذلك دون رقابه، وللأسف في النهاية الرأي السلبي هو الذي يعتلي هذه الوسائل الإعلامية، ويجر الناس ويجذبها إليه ويجعلها تهتم به أكثر، وتبدأ في تناقله القراء والمتجولون حتى يصبح حقيقة وحديث الساعة، مما يزلزل الأرض ويجعلها ترج .
لذلك ما نراه اليوم من توجيه الإهانة لقيادتنا الروحية، الممثلة بشخص الشيخ موفق طريف، ومطالبته بالاستقالة من منصب الرئاسة الروحية واتهامه بشتى الاتهامات الغير لائقة به، والبعيدة كل البعد عنه، والقيام بتجريحه لمجرد التجريح، والإهانة للمنصب الذي يتقلده، وتوجيه إليه أصابع الاتهام بتدهور الطائفة، دون النظر إلى انعدام التربية التوحيدية في البيوت، وان كل فرد منا هو مسؤول وراع لرعيته، أو أن فضيلته غير مرغوب فيه لادعاء بعضهم، بسبب منصب أو جاه لم يحصل عليه، والأخطر من هذا إن فضيلته يتآمر على الطائفة لصالح الدولة، فهذا أمر لا يمكن السكوت عنه، خاصة انه يأتي من شخصيات بارزة في الطائفة .
إن الشيخ موفق طريف ابن اصل، إنسان شريف ومحترم، فيه ثقة كبيرة، مؤيد من الأغلبية من رجال الدين الثقاة، وهو اشرف واجل من أن يدعى فيه، أو يتهم بهذه الاتهامات والأقاويل والأضاليل، والتعرض لإهانته هي إهانة للطائفة عامة ورجال الدين خاصة،
وليعلم أولئك الذي يثيرون الشائعات ضد فضيلته، أنهم لا يخدمون الطائفة، بل يزيدونها تدهورا وتقهقرا، وهم بذلك يتآمرون على الطائفة، ويعيثون فيه فسادا وشقاقا، ويخدمون مصالح أعداء الطائفة، الذين لا يريدون لها البقاء والقوة، وان الذي يدعي ويطبل على استقبال فضيلته لايال جباي، فايال جباي جاء إلى بيت فضيلته يحمل وجهين مختلفين، وجها فيه إحسان للطائفة، وهي حل قضية الحزوري –ع- التي منعت سفك الكثير من الدماء ودفع الغرامات، وأيضا تحويل 681 مليون شكل لمجالسنا المحلية، التي تقف على شفا جرف الهلاك، ووجه آخر مشاكل الجلمة والمنصورة التي ما زالت تحت وقع المفاوضات والمداولات والقضاء، ولا بد من حلول، فبمجرد قضية معينة نقوم بإتلاف باقي القضايا؟
فالشيخ موفق طريف يقع تحت حكم إساءة الظن وحكم التقصير في خدمة الطائفة ظلما، دون النظر بأن مشاكلنا تأتي بسبب سياسة التمييز التي تنتهجها الدولة تجاه الأقليات، ولتسلط أصحاب رؤوس الأموال عليها، وهذه المسؤولية تقع على أعضاء الكنيست ورؤساء السلطات المحلية، الذين انتخبناهم أو حصلوا على مناصبهم باسم الطائفة ومن اجل الطائفة.
فعلى جميع أبناء الطائفة من روحانيها وجسمانيها خاص منهم وعام، أصحاب مناصب وبسطاء، أن يعلموا بان احترام الشيخ موفق هو قوة له وللطائفة، والمساس بكرامته وشخصيته ضعف له وللطائفة، وان من يسيء لفضيلته فهو يسيء لنفسه أولا ثم لطائفته، فلا تستهينوا برئيسنا الروحي، وابتعدوا عن الكلام الجارح له، فانه خير خلف لخير سلف، والله من وراء القصد .