أشارتْ بسبّابتِها إلى بطنِها المنتفخِ، ونظرتْ إلى الكاهنِ، وقد اغرورقتْ عيناها بالدموع: أنا أحملُ بأحشائي سفّاحًا يا أبتي.. جئتُ هنا كي أطلبَ منكَ مسحةَ الغفرانِ قبلَ أن أرحلَ عن هذهِ الدّنيا الآثِمةِ الّتي لم تورثْني إلاّ الدموعَ والآهاتِ والعذابَ.
اقتربَ أبُ الاعترافِ مِنَ الفتاةِ الماثلةِ أمامَهُ، وراحَ يُربّتُ على كتفِها مُشجِّعًا: لا تَخافي يا ابنتي فكلُّنا خطاةٌ، وكلُّنا بِحاجةٍ لمغفرةِ اللهِ.
- هل سيسامحُني اللهُ إن وضعتُ حدًّا لحياتي، فأنا ما عدتُ أقوى على البقاءِ فيها.
- طبعًا لا، فروحُكِ وحياتُكِ مُلكًا لله.
- لقد تناولتُ عددًا هائلاً مِنَ الأدويةِ منذُ ستِّ ساعاتٍ، وأظنُّهُ الموتَ يقتربُ منّي الآنَ.. أرجوكَ يا أبتي، اطلبْ من الرّبِّ أن يغفرَ لي.
- لا تَخافي، فأنتِ لن تَموتي، وستعيشين.. سأذهبُ معكِ إلى المشفى، لأنّ اللهَ بحاجةٍ إليكِ وأنتِ على قيدِ الحياةِ، فأنتِ من المُرنِّمينَ لهُ.
- لكن أنا...
وراحتْ تروي لهُ تفاصيلَ ما حدثَ معَها، فهدّأ مِن روعِها، وقبّلَ جبينَها قائلاً:
- أنا سأطلبُ سيّارةَ إسعافٍ للدّيرِ، وسأفسّرُ لهم ما حدثَ، فلا تَخْشَيْ، ولن يعرفَ أحدٌ بالقريةِ بِما حصلَ.
وقبلَ أن تصِلَ سيّارةُ الإسعافِ بدقائقَ، كانتِ الفتاةُ قد فارقتِ الحياةَ بينَ أحضانِ أبيها الرّوحيِّ.
اعتقلتِ الشّرطةُ الكاهنَ، لاسيّما بعدَ أن استمعوا لشهادةِ الشّهودِ الّتي أكّدتْ أنّها لا تكادُ تتركُ الدّير.
استجوبوا الكاهنَ، وفضّلَ الصّمتَ والاستسلامَ لمشيئةِ اللهِ، على أن يُشاركَ الشّرطةَ باعترافاتِها، ويُخالفَ قَسَمَهُ يومَ وَهَبَ حياتَهُ للرّبِّ، فيسيءُ إلى ثوبِ كهنوتِهِ.
بعدَ سنينَ فارقَ الكاهنُ الحياةَ، وقد وجدوا في مذكّراتِهِ:
إنّ مَن قتلَها وحرقَ روحَها هو الذّئبُ، حيثُ كانَ يغتصبُها تَحتَ تَهديدِ السّلاحِ، وأمُّها أجرمتْ بِحقِّها حينَ لم تُصدّقْ ابنتَها رغمَ مصارحتِها بِحقيقةِ زوجِها، إنّما راحتْ تتّهمُها بالكذبِ والفجورِ، وإنّها تُحاولُ سرقتَهُ مِن بينِ أحضانِها..
ز.. و.. جُ.. أُ مِّـ ـهـ ـا!