يوم العانس بقلم دينا سليم – استراليا
2011-03-26 12:05:36

إن كان هو الحب مصيبتنا فلماذا لا نرتدع، إن كانت الخليقة وهما، فهذه مصيبة أخرى، وإن خلقنا بدون قلب، فهذه المصيبة أعظم، لكن أن نخلق مع قلب وبدون قلب هذا ما يحتاج منا كل التفاسير.

سألتني إحدى النساء العوانس، تعدت عمرها الثمانين، (هل تعيشين تحت وصاية أحد)، لم أفهم سؤالها لكني أخذته معي الى بيتي لكي أفكر فيه، حيث لا أحد أعيش تحت وصايته.

قرأت طالعي اليوم، (انتظر خبرا جميلا سوف يصلك من بعيد، من وراء المحيطات)، وبقيت أنتظر هذا الخبر طوال النهار وحتى منتصف الليل، نمت ولم يصلني الخبر! لقد مللت التقليب في أوراق الحظ، واللعب بالحجر، والرمل، حتي أني علقت حول رقبتي حمالة ضد الحسد تحمل حجرا كريما أزرق اللون، وتعلمت أن أحسب الأرقام بالحروف، ناهيك عن قراءة فنجان القهوة كل يوم، وأفكر بأن أشم ذراعي بوشم يبعد عيون الحاسدين عني، ربما ( تنحل العقدة).

كثر الدجالين وكثرت معها حالات العنوسة أيضا، أسأل نفسي أحيانا، هل توجد ثمة علاقة لهذه الظاهرة، شيء غريب يحدث، كتب الأبراج والروحانيات ومدونات الحظوظ تباع بكثرة هذه الأيام، إن كانت عن طريق المكتبات أو المواقع الالكترونية الكثيرة، وفي جميع اللغات، ليس فقط في لغتنا العربية التي نسجت كلمة كرهها الجميع، كلمة مختلفة، أنا شخصيا اعتبرها نشازا، لم أحبها، دمها ثقيل على مسمعي، (عانس) ووضعوا لها أيضا التفاسير، واهتموا بتشكيلها، وشددوا على أن تكتب بالضم، ووضعوا لها لفظ الجمع، عوانس، شرحوها، عنست البنت البكر عنسا وعنوسا، أي بقيت فترة طويلة دون زواج بعد بلوغها (وذلك حسب المعجم الوجيز – مجمع اللغة العربية – القاهرة 2002 )
هل سمعتم مرة عن لفظة (أسن الرجل)، معناها أن الرجل أيضا (عنس) لماذا لا نتداولها؟ أعتقد لو أننا أطلقنا على كل رجل أعزب كلمة عانس أو (أسن) سوف تشعر الأنثى بالارتياح وسوف يدرك المجتمع معنى ظلمه للبنت، فما هي سوى التفرقة بينها وبين الذكر بالتسميات والنعوت أيضا.

سأل البعض من الصحابة أبو بكر الصديق:( أنت أكبر عمرا أم الرسول)؟

رد عليهم: ( رسول الله أكبر مني وأنا أسن منه) لاحظوا من أين جاءت هذه الكلمة، وإن كان القول يدل على البلاغة وتجنب القول بأنه أكبر من النبي.

التقيت مجددا بتلك المسنة، قررت أن أسألها عن مسألة (الوصاية)، وعلمت منها أنها عاشت ابنة وحيدة في بيت ذويها حتى توفيا وتركاها دون وصاية أحد من بعدهما، خافا عليها من الزواج لئلا تنشغل عنهما وتتركهما، وعندما أدركت أنها فعلا بقيت وحيدة كان قد فاتها القطار، حينها بدأت تبحث عن عائلة تتبناها، وذلك عندما بلغت الستين من عمرها، أنا لا أسرد لكم نكتة ما بل هذا ما روته لي وكانت جادة جدا وحتى أنها تحدثت عن مسائل مادية، إنها على استعداد بأن تمنح مقابلا لمن يجد في نفسه استعدادا كليا لأن يكون وصيا عليها حتى مماتها، والأهم هو أن يقوم بمسائل الدفن كما يجب.

هذا هو سبب واحد من أسباب العنوسة، في هذه الحالة، تعلق ذويها بها مما أدى الى عدم صقل شخصيتها فعدم تمكنها من تدبير شؤونها دون مساعدة الآخر، توجد أسباب أخرى كثيرة لا داعي لتكرارها فجميعنا ندركها، منها أذكر أنه يوجد من يحتفظ بالبنت العاملة تكسبا من راتبها، لذلك إن نظرنا حولنا نجد أن الفتيات البالغات (لن أقول العوانس) هن أكثر الفئات اللائي يعملن في جميع المجالات من أجل كسب العيش لاعتمادهن على أنفسهن.

سؤالي هو الآن: هل (العانس) تستطيع أن تحب وتعشق؟

إن كان جوابكم نعم، لماذا إذن لا نسمح لها بأن تعبر عما يقتضي به قلبها في يوم خاص بها، يوم حب يسمى ( بيوم العانس) كما يوجد (يوم للأسرة) و(يوم للأم) و( يوم للأب) في بعض الدول، لماذا لا نحتفل بهذا الكيان الجميل الذي يعيش بيننا؟

يقال أن نسبة العنوسة في المنطقة العربية 30% حسب إحصائية سنة 2009 ، لماذا نحتفل بأعياد كثيرة ولم نفكر بيوم عيد لهذه المخلوقة الناعمة الطموحة التي غلبها القدر ولم تكن من المحظوظات في تكوين عائلة أسرية وأن تكون في يوم ما أما مثل باقي الأمهات؟

لا تتعجلي يا أيتها الأخت في الرد، ولا تتعصبي، ولا تغضبي عليّ ولا تحزني، يجب أن تتدربي على هذه الكلمة وكأنها عادية جدا، فلغتنا تحوي على كلمات أكثر فظاظة منها ونستصعب نطقها، نأخذ على سبيل المثال ( عابس، عازم، عاطل، عابق، عاذل، عاقر، عاثر، عاجز الخ الخ الخ)، وإن كنت من ذوات الشخصية القوية أجيبي على هذا المقال بجدية، واقترحي متى تريدين أن يكون يومك المختار لكي يحتفل معك الجميع فيه، وأي لون فستان سوى ترتدين، لا مانع أن ترتدي الأبيض بل أعتقد أنه من المحبب أن ترتديه لكي لا يبقى مستحوذا على فكرك وخيالك طوال العمر، ربما يصبح هذا اليوم احتفالا عالميا ضخما تعترف به الدوائر الرسمية، وأنا أكيدة أنه سوف ينضم الى الاحتفالية الكبرى رجل (الأسن) أيضا. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق