قصة من واقع بني معروف "الدروز لا ينحنون إلا لله سبحانه تعالى"
2010-12-28 16:42:36

منير فرّو

قيل : أن الموحد الدرزي بتوحيد ربه شجاع وليس جبان، لا يهاب سطوة ظالم ولا إنسان، ولا عتو جزار أو سلطان، مهما كان، فمنذ أن خرجت طائفة الموحدون الدروز إلى النور، وهي ما زالت تحت امتحان خالقها، الممتحِن لعباده، على صبرها وإيمانها، ورضاءها بقضاء خالقها فيما يسرها ويسوءها، لقوله تعالى : " ليبلوكم أيكم أحسن عملا "، فما أن تخرج من شدة حتى تدخل في شدة أعظم منها، حتى أصبحت كالسيف الصقيل، والبرّاق الثقيل، الذي لا يستل من غمده إلا في وجه من أراد بها سوءا، وأراد أن يستسيغها كما يستسيغ اللعاب الأكل، ولكن غصة الموت في المرصاد، وشرقة الريق في اللهوات، والله يؤيد بنصره من يشاء.

فالطائفة  الدرزية عُرفت على أنها طائفة معروف، وطائفة إيمانها بخالقها عميق جدا، فهي لا تخشى بشرا مهما علا شأنه، وزاد بطشه وعنفوانه،واستحوذ عليه شيطانه، فهي طائفة عدل تأبى الظلم، ولا ترضخ له، ولا لمن يفتعله، وقد أثبتت على مر التاريخ كيف أنها دحرت كل من حاول أن يتحكم بها، أو يتآمر عليها، فمهما حاول ناوي الشر لها أن يصل إلى مراده منها حتى تنقلب عليه بالسوء حسب ما يضمره، فينقلب على عقبيه ناكصا خاسئا خاسرا،

 فالطائفة  الدرزية لا تمتلك دولة، ولا أساطيل حربية، ولا معدات عسكرية، ولا جيوش مدربة، بل تملك قلبا مؤمنا، صافيا وداده، عذابا شرابه،مهذبا أخلاقه، كريما إمداده، وإنما وقت النازلة تصبح إرادة قوية، وعزيمة دفاعية، وقوة عسكرية وكتلة حرارية، وشهبا نارية، تحرق بلهيبها من أتاها بسوء نية، وكأن الإمدادات الإلهية تمدها بالإعانة،  لان الله لا يظلم عباده، بل ينصر المظلوم، وينتقم من الظالم،

 هذا ما جرى للطائفة الدرزية، زمن حكم الأمير يوسف الشهابي، الزعيم الدرزي الذي ارتد فتنصر، وعتا فتجبر، وظلم فتحسر،وفرض على الرعية ما لا طاقة لها بحمله، فانقلب على رجال الدين الموحدين الدروز، وصار ينتقم منهم.  إلى أن قرر أعيان الطائفة الدرزية على عقد اجتماعا في نبع الصفا في لبنان، للتداول في شأن الطائفة، وكيفية التخلص من حكم الأمير العاتي، وكان أول من دعا إلى عقد هذا الاجتماع، سيدنا التقي، النقي، الورع، العابد، الزاهد، الصائم القائم، الأمين المؤتمن، العالم العامل، صاحب الدعاء المستجاب، الشجاع العفيف، العارف بالله المرحوم الشيخ حسين ماضي رضي الله عنه، من بلدة العبادية، والذي أسندت إليه مشيخة العقل بعد وفاة المرحوم الشيخ يوسف أبي شقرة مسموما بأمر الأمير يوسف الشهابي .

 وكان  الشيخ حسين قد تأخر عن الموعد  المقرر لأسباب خارجة عن إرادته، فقرر الحاضرون تقديم عريضة،  ممهورة بتواقيع الزعامات الدينية والزمنية إلى الجزار والي عكا، تتضمن الطلب منه عزل الأمير يوسف شهاب عن الإمارة،

 وبينما هم يوقعون العريضة، وصل سيدنا الشيخ حسين واعتذر عن تأخره، فقالوا له: يا سيدنا هذا ما أنجزناه، ويبقى لحضرتكم الرأي الأول، فلما قرأ سيدنا الشيخ العريضة وقع عليها، وعندما سئل من الشخص الذي سيوصلها إلى الجزار، قال : سأحمل هذه العريضة بنفسي، وأقدمها إليه، وهنا أنذهل الحاضرون، وخافوا على سيدنا الشيخ، مغبة المصير، لقسوة الجزار وبطشه، فقال لهم المرحوم: يا بعدي نويت الذهاب، والله ولي التوفيق .

 وصل سيدنا الشيخ حسين إلى عكا لمقابلة الجزار، فلما أذن له بالدخول دخل عليه ولم ينحن له كعادة الزعماء، فغضب الجزار وأراد أن ينتقم منه، فسأله سؤالا كان يسأله دائما لمن يريد التخلص منه وهو: أعادل أنا أم ظالم ؟ فمن أجابه أنت عادل أمر بقتله، ومن أجابه أنت ظالم أمر أيضا بقتله، غير أن سيدنا الشيخ نظر إلى الجزار وقلبه الطاهر منير بخوف الله تعالى، لان خوف الله نور في القلب، وخوف ما سواه ظلمة في القلب، ،فقال بكل جرأة : أنت لا عادل ولا ظالم، ولكن الرعية عصت الله تعالى فسلطك عليها، وما أنت أمام الله تعالى إلا عبد، فأعجب الجزار بهذا الجواب، وعلم أن من يخاطبه ولي من أولياء الله تعالى، عندها طلب منه الجلوس، فتقدم سيدنا الشيخ منه وقدّم له العريضة فقرأها ووعده بتنفيذ ما ورد فيها، ثم طلب الجزار من حاجبه أن يأتيه بكيس من المال، فلما أتاه به، قال لسيدنا الشيخ خذ هذا الكيس، قال سيدنا الشيخ معتذرا عن أخذه أنا لا أقبل العطاء ولا الصدقة، قال له : وزّعه على المحتاجين، قال سيدنا الشيخ الدولة أحوج من الناس، عند ذلك قال لحاجبه آتني بخلعة، فلما أتاه بها أراد أن يخلعها عليه، قال سيدنا الشيخ معتذرا، أنا لا ألبس إلا من نسج يدي، فقال الجزار أريدك أن تقبل هذه الهدية، ثم أخرج كتاب الله العزيز، وقال هذا المصحف هدية  مني إليك، فقال سيدنا الشيخ حبا وكرامة، فتناوله منه وقبّله، ثم استودعه وانصرف،

 وكان  هذا اللقاء الذي حصل سنة  ألف ومائتين واثنين للهجرة المشرفة، من أهم الأسباب التي أدت إلى عزل الأمير يوسف الشهابي عن الحكم، فعزل سنة ألف ومائتين وثلاث للهجرة، ثم تم تعيين الأمير بشير ابن قاسم الشهابي ثم وقد تميز بالذكاء والنباهة ثم  ولكنه كان صغيرا أمام عظمة سيدنا الشيخ حسين ثم مما جعله يقوم من مكانه لاستقباله خارج قصره كلما قدم إليه ثم وصادف أن الأمير بشيرا كان قد خرج من قصره مرة لاستقبال سيدنا الشيخ ثم فرأته زوجته شمس وهو يقبّل يده، فاستهجنت فعلته هذه، ولامته على ذلك،  فقال لها إن نداء من هذا الشيخ يجمع حوله الدروز، كل سلاحه على كتفه اليمنى، وجراب زاده في كتفه اليسرى، ولا يسألونه إلى أين، وعندئذ لا يعصمنا دونهم باب .

ولأجل ديانة وسياسة سيدنا الشيخ حسين ماضي وحكمته، ورزانة عقله، وسعيه إلى توثيق وحدة الصف، والمحافظة على الطائفة، تمت له سياسة البلاد الدينية، فأطاعته الهيئتان الروحية والزمنية، كما تمت في عصرنا هذا الأخير لفضيلة المرحوم سيدنا الشيخ أبي يوسف أمين طريف عليه رضوان الله، لأنه كما قيل: من أطاع الله تعالى، وأخلص له في العبادة، في سره وجهره، دانت له العباد، وجعلوه عليهم سيدا ومرجعا، وقاد وهاد، رحم الله الصالحين، ونفعنا ببركاتهم دنيا ودين، وصلى الله على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وسلم على صحبه الميامين، وسلم كثيرا إلى يوم الدين .    

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق