حكومة اليمين في إسرائيل غير معنية بإبرام إتفاق سلام حقيقي مبني على حل الدولتين وإرجاع كافة الحقوق الفلسطينية المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية ، وقد ذهبت الى واشنطن لحضور مراسم إطلاق المفاوضات المباشرة في البيت الأبيض دون أن تكون مستعدة للتقدم في عملية السلام وكل الدلائل تشير الى أن ذهاب نتنياهو الى هذه المفاوضات الى محاولة تجميل صورتها جراء ما أصابها من انتكاسات في الآونة الأخيرة وتحديداً بعد هجومها على أسطول الحرية وقتل الشهداء الأتراك في عرض البحر دون واعز اخلاقي ، الى جانب محاولته أيضاً بناء علاقات جيده مع الرئيس الامريكي اوباما الذي هو ضمناً منحازاً الى إسرائيل حتى ولو لم يصرح بذلك كما كان يفعل أسلافه السابقين ، وقد أثبت ذلك من خلال ممارساته للضغط على القيادة الفلسطينية وحدها لقبول المفاوضات دون شروط ولم يكترث لكل الممارسات العدوانية التي تقوم بها دولة الاحتلال والتي تعترض نجاح أية مفاوضات طالما بقيت هذه الممارسات المحكومة لعقلية الاستيطان والتهويد والتي هي نهج للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة .
تحاول إسرائيل الإستفادة من عملية إنطلاق المفاوضات المباشرة مع القيادة الفلسطينية على أكثر من مستوى ففي الوقت التي تسعى فيه لفتح صفحة جديدة مع الادارة الأمريكية الجديدة تسعى أيضاً لكسب المزيد من الوقت لفرض حقائق جديدة على الأرض ولأستكمال مجموعة الخطط الاستيطانية والتهويدية التي تقوم بتنفيذها كل يوم حتى هذا اليوم الذي نشهد فيه مراسم إنطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن ، نجد العمل في المستوطنات مستمر ونشاهد تنامي هذه البؤر الاستيطانية التي تبلع مساحات من الأرض لصالح توسعتها أو بناء مستوطنات جديدة كما أن مسلسل العقوبات المفروض على الشعب الفلسطيني لا يزال على حالة والمتمثل بالحصار المفروض على قطاع غزة ومئات الحواجز العسكري التي تقطع اوصال الضفة الفلسطينية والعقوبات الجماعية التي تنفذ من خلال تلك الحواجز والعذابات اليومية والممارسات البشعة وعملية التنكيل بالمواطنين والقهر بهذا الجدار العنصري وهذه الإجراءات القمعية ، كل ذلك يجري على الأرض بينما نسمع عبر الفضائيات تلك الخطابات القادمة من البيت الأبيض ، خطابات مليئة بكلمات المحبة والتسامح وامنيات السلام من جانبنا بينما كان نتنياهو يحكي قصة ارض الأجداد المزيفة .
لا شك أن حالة اليأس والإحباط التي تسيطر على عقلية الفلسطينيين تجاه نظرتهم لإمكانية نجاح هذه المفاوضات وأن تحمل اليهم بارقة أمل تجاه تحقيق آمالهم وتطلعاتهم لم تأت من فراغ فهي نتاج تجربة كبيرة عمرها يقارب على العشرين عاماً ، وقد كانوا في السابق يعلقون الكثير من الأمنيات على إمكانية تحقيق السلام في ظل فرص كانت أفضل مما نحن عليه اليوم ، إلا أنها جميعها فشلت وبالتالي لم يعد الأمل ذاته موجود بل فقد الأمل في إمكانية تحقيق سلام عادل وشامل بين الجانبين يضمن عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإنهاء الإحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية بسبب ضعف العالم في الضغط على حكومة الأحتلال لتغيير سياساتها أو التوقف عن الإنحياز الكامل لسياسة حكومة الاحتلال وعدم وضع مرجعية حقيقية عادلة تضمن تنفيذ ما يتم الإتفاق عليه لهذا يرى الفلسطينيون أن هذه المفاوضات ستنضم الى جملة المفاوضات السابقة التي كانت مفاوضات على الفاضي لم تحقق أي شيء على الأرض بل كانت بالغالب تخدم مصالح وسياسات دولة الاحتلال.
إن خطاب نتنياهو في البيت الأبيض يؤكد أن هذه المفاوضات ستفشل لأنها ستصدم بألافكار الصهيونية للدولة العبرية والتي عبر عنها نتنياهو في خطابه الذي قال فيه كثيراً من الكذب عن أرض أجداده وكأن الفلسطينيون دخلاء على هذه الأرض ، فأستبدل حقيقة أن عمرهم في هذه الأرض هو من عمر قيامهم بأحتلال فلسطين وأن الفلسطينيين في هذه الأرض منذ فجر التاريخ فعن أي رائحة تحدث نتنياهو وهو كان يوئد عملية المفاوضات قبل أن تنطلق بمجموعة الأفكار التي تحدث وقالها صراحةً أمام الجميع .
إسرائيل من جانبها مستمرة في تصديق أكذوبتها بحقها التاريخي في هذه الأرض وغير جادة بألاعتراف بالحقوق التاريخية للفلسطينيين الذين طردوا وتشردوا منها بفعل الإحتلال الذي لا يزال بنفس العقلية المبنية على الاحتلال والاستيطان وقتل أو نفي الأخر والسيطرة على حقوقه ، لهذا لا يمكن أن تنجح فكرة السلام والتعايش وفكرة حل الدولتين في ظل هذه المعتقدات التي تحملها العقلية الاسرائيلية والقائمة على التزوير وسرقة التاريخ .
عادت المفاوضات المباشرة الى دائرة الضوء وعادت الوفود تلتقي وتتصافح في مشهد كبير وحفل كانت الاضواء كلها موجه نحو حديقة البيت الابيض التي جمعت الزعماء والشهود العرب الذين حضروا الأحتفال الكبير لتتحقق بذلك أمنية الرئيس أوباما في مثل هذا الحفل الذي سعى له منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة وقد ظهر مبتسماً أمام عدسات الكاميرات ، موقف سيكون أجمل لو أن هذا الرجل حافظ على دوره كمرجعيه حقيقية بدون الأنحياز الذي كشف عنه في الآونة الاخيرة لصالح إسرائيل كما فعل اسلافه السابقون في البيت الأبيض.