لم نفاجأ من إقدام جرافات الشرطة ووزارة الداخلية وبالتنسيق مع دائرة أراضي إسرائيل على هدم قرية العراقيب العربية في النقب، في شهر رمضان (للمرة الرابعة على التوالي)، لأنه لا يُتوقَّع ممن وصلت به الأمور إلى تجريف مقبرة مأمن الله في القدس أن يحترم المشاعر الدينية، والقيم الروحية وحرمة المقدسات والبيوت. بل على العكس تماما، أن ما يريده هو انتهاز الفرصة، وتحيّن اللحظة لكسر الإرادة، وقتل الأمل، ومحو الذاكرة. ويسعى أيضا إلى تدمير البيوت والممتلكات، وتشريد السكان وطردهم عن أرضهم والتنكيل بهم وسلبهم حريتهم الأساسية للعيش بكرامة، ويفعل ذلك كله مدفوعا برغبة فرض السيادة ومُسخِّرا من أجل ذلك كل وسائل القوة.
إن ما يجري في العراقيب هو معركة متواصلة تشنها دولة ضد مواطنيها العزّل الذين يدافعون عن حقوقهم ويقاومون الظلم ويتحدون القوة ويرفضون رغبة الدولة بالاستيلاء على ما تبقى من أراضيهم، وطردهم منها، ومن ثم تهويدها واستقدام مواطنين يهود وتوطينهم مكانهم سكانها الأصليين.
إن هذه السياسة الإسرائيلية الممنهجة والتي تهدف إلى سيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، وإبقاء أقل عدد ممكن من العرب أصبحت مكشوفة وواضحة لكل مواطن بسيط.
إن ما يحدث في العراقيب التي يسكنها ما يفوق 300 نسمة والتي لا يمكن الانسحاب فيها إلى الظل بل المواجهة المفتوحة الدائرة في قلب الصحراء، هو نموذج مصغّر لما يحدث في النقب بشكل عام والقرى غير المعترف بها من قبل الحكومة بشكل خاص. كما أنه يشكل خطوة إضافية في سلسلة من الخطوات التي اتخذتها الحكومة لهدم المنازل والبيوت العربية كما يحدث مؤخرا في منطقة المثلث والساحل.
لقد كنا قد أكدنا في مقال سابق عالج قضية هدم المنازل العربية، على أهمية موضوع استراتيجية لمواجهة هدم البيوت العربية تستند إلى ركيزتين أساسيتين وهما: منع الهدم وإعادة البناء. وأشرنا إلى أن هذا الأمر يتطلب عملا جماعيا وحدويا مدروسا ومنظما يحقق نتائج عملية وملموسة على أرض الواقع، مع العلم بأن أي عمل نضالي في مثل هذه الحالات يحتاج إلى الصبر والمثابرة والشجاعة والإبداع.
إن ما بادرت إليه لجنة المتابعة، ولجنة الرؤساء والأحزاب والحركات السياسية ومؤسسات العمل الأهلي والجماهيري بالتعاون مع أهالي القرية وأهالي النقب عموما من تظاهر، حضور، مشاركة في عملية إعادة البناء، وضع الموضوع على جدول الأعمال، ونشاطات وفعاليات أخرى هي هامة وضرورية، لأن قضية العراقيب لم تعد ذات دلالات فعلية وعينية فقط بل أصبحت ذات دلالات رمزية أيضا وتحمل الكثير من المعاني النابضة، وإنجاز البناء في كل مرة من جديد هو انعكاس للإرادة الحقيقية والحية للناس.
من أجل النجاح في قضية العراقيب وحماية أرض النقب عموما يتوجب علينا جميعا أن نخلق شروط ومقومات الدعم لصمود الأهل هنالك، دعما ماديا، وماليا ومعنويا، كما يجب إبقاء الموضوع محط اهتمام الرأي العام وتوثيق عمليات الدمار ونشرها على وسائل الإعلام المحلية والعالمية، كما يجب دعوة السفارات والمؤسسات الدولية لزيارة النقب عموما والقرية خصوصا، للاطّلاع عن قرب عما يجري، إضافة إلى ذلك، يجب التظاهر وإسماع صوتنا في مراكز المدن اليهودية، وإصدار منشورات باللغة العبرية والإنكليزية، وتوزيعها على مفترقات الطرق، لشرح تفاصيل القضية وعدالتها. كما يترتب أن يأخذ بقية المجتمع العربي في الجليل والمثلث ومدن الساحل دورا أكثر فعالية وحضورا وعلى السلطات المحلية العربية المبادرة والتناوب للحضور والمساندة والمساعدة في عملية البناء. ومن الجيد أن تأخذ كل سلطة محلية على مسؤوليتها إرسال باص من أهل البلد من أجل تعميق التواصل بشكل يومي. كما يجب الدفاع عن المعتقلين سواء كانوا سياسيين أو مواطنين أو من ناشطين. كما يجب تفعيل دور النساء والطلاب الجامعيين، وتنظيم مسيرات من قِبَل الأطفال للتعبير عن غضبهم من إبقاء إخوتهم في الجنوب دون مأوى ودون الحقوق الأساسية للعيش بأمان.
على الحكومة الإسرائيلية، وبدلا من الاستمرار في استخدام وسائل القوة والعنف، والهدم والتدمير، أن تغيّر توجّهها بشكل جوهري تجاه قضايا المجتمع العربي عموما وتجاه عرب النقب خصوصا، وأن تتحمّل مسؤوليتها وتعترف بالقرى غير المعترف بها، وأن تتحاور مع قيادة المجتمع العربي من أجل إيجاد الحلول المناسبة وضمان الحقوق الكاملة.