بقلم منير فرّو (الجزء الأول )
قال تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر، بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل" ، وقال أيضا وعزّ من قائل : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون"، صدق رب العزة،وقد جاء في التوراة في سفر التكوين وذلك بعد أن رأى الرب أن شر الإنسان في الأرض قد كثر وأصبح هذا الإنسان شريرا في قلبه، لان قلب الإنسان شرير منذ حداثته، لذا يقرر أن يعاقب الإنسان وبهائم ودبابات وطيور السماء، وكان الحكم القضاء على الجنس البشري وعلى جميع الكائنات الحية، ولكن الله أبقى سيدنا نوح وهو من ذرية ادم لكونه مستحقا لنعمة البقاء، لأنه كان طيّبا هو وأفراد عائلته لذلك قال الله لنوح : " نهاية كل البشر قد أتت أمامي لأن الأرض امتلأت ظلما منهم، فها أنا مهلكهم مع الأرض ، اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر تجعل الفلك مساكن تطليه من داخل ومن خارج بالقار "، وكان أن بعث الله الطوفان وغمر الارض جميعها وابقى نوحا ومن معه من ذريته وما طلب منه الرب ان يبقيه من الحيوانات زوجا . هكذا الإنسان يعاقبه الرب بما كسبت يداه ، لان أعمال الإنسان مردودة إليه من خيرها وشرها، ويحاسبه الله عليها في عاجل الدنيا وآجل الآخرة. وقد جاء في إنجيل متى : "وكما كانت في أيام نوح كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان".
في الآونة الأخيرة تتزايد مخاوف العالم من ظاهرة ما تسمى بالاحتباس الحراري والتغييرات المناخية، وازداد فيه عقد مؤتمرات دولية في بحث هذه الظاهرة والعمل من اجل الحد منها، خوفا من يدمر كوكبنا الأرضي بكل ما فيه ، فالاحتباس الحراري بات ظاهرة تثير مخاوف المسكونة بأكملها، أكثر من حرب نووية أو هيدروجينية، لأنها ظاهرة يمكن أن تؤثر سلبا على كل شبر من بقاع الأرض، بغض النظرعن قوتها وجاهزيتا في التصدي لأي كارثة طبيعية، وكانت الأمم المتحدة قد عقدت في العام الماضي مؤتمرا عالميا في كوبنهاغن في الدنمارك شارك فيه دول كثيرة واستمر هذا المؤتمر أسبوعين من 7 إلى 18 ديسمبر/ كانون الأول ، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الانبعاثات الضارة بالبيئة، معوقات كثيرة منها التمويل المالي للقرارات التي سيتخذها، و كيفية توجيه الأموال إلى البلدان والمجتمعات المتضررة، مع تحديد الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ، والتركيز على الأمن الغذائي والزراعة، وغيرها من الأمور، وقد توصلوا في بداية هذا المؤتمر بان تقوم الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين بتقليص غاز ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2020 ، وقد قالت الصين بأنها قادرة على تخفيض حتى 45% من غاز ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2020 .
إن ما يشهده كوكبنا الأرضي من الازدياد المتواصل في ارتفاع درجات الحرارة، يعود إلى ما يسمى بـ "الاحتباس الحراري"، والذي يفسّر على أنه "ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة في بيئة ما، نتيجة تغيير في سيلان الطاقة الحرارية من البيئة وإليها، وعادة ما يطلق هذا الاسم على ظاهرة ارتفاع درجات حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي، ويعود الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلى القريبة من سطح الأرض من الغلاف الجوي المحيط بالأرض. الى زيادة انبعاث .green house gases الغازات الدفيئة أو غازات الصوبة الخضراء " ، وأهم هذه الغازات ، الميثان الذي يتكون من تفاعلات ميكروبية في حقول الأرز وتربية الحيوانات المجترة ومن حرق الكتلة الحيوية (الأشجار والنباتات ومخلفات الحيوانات)، كما ينتج من مياه المستنقعات الآسنة. وبالإضافة إلى الميثان هناك غاز أكسيد النيروز (يتكون أيضا من تفاعلات ميكروبية تحدث في المياه والتربة ) ومجموعة غازات الكلوروفلوروكربون (التي تتسبب في تآكل طبقة الأوزون ) وأخيرا غاز الأوزون الذي يتكون في طبقات الجو السفلي. وقد ازداد المعدل العالمي لدرجة حرارة الهواء عند سطح الأرض ب0.74 ± 0.18 °C خلال المائة عام المنتهية سنة 2005، وحسب اللجنة الدولية لتغير المناخ (IPCC ): " فان أغلب الزيادة الملحوظة في معدل درجة الحرارة العالمية منذ منتصف القرن العشرين تبدو بشكل كبير نتيجة لزيادة غازات الاحتباس الحراري (غازات البيت الزجاجي) التي يبعثها الإنسان"، وعن سبب ظاهرة ارتفاع حرارة كوكب الأرض ينقسم العلماء إلا من يقول أن هذه الظاهرة طبيعية و أن مناخ الأرض يشهد طبيعيا فترات ساخنة و فترت باردة مستشهدين بذلك عن طريق فترة جليدية أو باردة نوعا ما بين القرن 17 و 18 في أوروبا، وفريق آخر يعزون تلك الظاهرة إلى تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.و أسباب انبعاث الملوثات إلى الجو هي:
أولا: أٍسباب طبيعية وهي:
أ- البراكين
ب- حرائق الغابات
ج- الملوثات العضوية.
ثانيا: أسباب صناعية:
أي ناتجة عن نشاطات الإنسان وخاصة احتراق الوقود الاحفوري "نفط, فحم, غاز طبيعي".
أسباب التغيرات المناخية
أولا: طبيعية:
أ- التغيرات التي تحدث لمدار الأرض حول الشمس وما ينتج عنها من تغير في كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض. وهذا عامل مهم جدا في التغيرات المناخية ويحدث عبر التاريخ. وهذا يقود إلى أن أي تغيير في الإشعاع سيؤثر على المناخ.
ب- الانفجارات البركانية.
ج- التغير في مكونات الغلاف الجوي.
ثانيا: غير طبيعية:
وهي ناتجة من النشاطات الإنسانية المختلفة مثل:
أ- قطع الأعشاب وإزالة الغابات.
ب- استعمال الإنسان للطاقة.
ج- استعمال الإنسان للوقود الاحفوري "نفط, فحم, غاز" وهذا يؤدي إلى زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو ، مما ينجم عنه زيادة درجة حرارة الجو.
في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين ظهر اختلال في مكونات الغلاف الجوي نتيجة النشاطات الإنسانية ومنها تقدم الصناعة ووسائل المواصلات, ومنذ الثورة الصناعية وحتى الآن ونتيجة لاعتمادها على الوقود الاحفوري " فحم، بترول، غاز طبيعي " كمصدر أساسي ورئيس للطاقة واستخدام غازات الكلوروفلوروكاربون في الصناعات بشكل كبير، أدى ذلك حسب رأي العلماء على زيادة الدفء على سطح الكرة الأرضية وحدوث ما يسمى بـ" ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warning " وهذا ناتج عن زيادة الغازات الدفيئة واهم مركباتها الكيميائية هي : بخار الماء، ثاني أكسيد الكربونCO2، أكسيد النيتروز (N2O) ، الميثان CH4 ، الأوزون O3، الكلورفلوركربون FCs. وامادور الغازات الدفيئة: الطاقة الحرارية التي تصل الأرض من الشمس تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وكذلك تعمل على تبخير المياه وحركة الهواء أفقيا وعموديا؛ وفي الوقت نفسه تفقد الأرض طاقتها الحرارية نتيجة الإشعاع الأرضي الذي ينبعث على شكل إشعاعات طويلة " تحت الحمراء ", بحيث يكون معدل ما تكتسب الأرض من طاقة شمسية مساويا لما تفقده بالإشعاع الأرضي إلى الفضاء. وهذا الاتزان الحراري يؤدي إلى ثبوت معدل درجة حرارة سطح الأرض عند مقدار معين وهو 15°س .والغازات الدفيئة " تلعب دورا حيويا ومهما في اعتدال درجة حرارة سطح الأرض " حيث: تمتص الأرض الطاقة المنبعثة من الإشعاعات الشمسية وتعكس جزء من هذه الإشعاعات إلى الفضاء الخارجي, وجزء من هذه الطاقة أو الإشعاعات يمتص من خلال بعض الغازات الموجودة في الغلاف الجوي. وهذه الغازات هي الغازات الدفيئة التي تلعب دورا حيويا ورئيسا في تدفئة سطح الأرض للمستوى الذي تجعل الحياة ممكنة على سطح الأرض. حيث تقوم هذه الغازات الطبيعية على امتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح الأرض وتحتفظ بها في الغلاف الجوي لتحافظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وبمعدلها الطبيعي " أي بحدود 15°س ". ولولا هذه الغازات لوصلت درجة حرارة سطح الأرض إلى 18°س تحت الصفر.مما تقدم ونتيجة النشاطات الإنسانية المتزايدة وخاصة الصناعية منها أصبحنا نلاحظ الآن: إن زيادة الغازات الدفيئة لدرجة أصبح مقدارها يفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وعند مقدار معين. فوجود كميات إضافية من الغازات الدفيئة وتراكم وجودها في الغلاف الجوي يؤدي إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي وبالتالي تبدأ درجة حرارة سطح الأرض بالارتفاع.
إن أول من أبتكر مصطلح "الاحتباس الحراري" العالم الكيماوي السويدي،سفانتى أرينيوس، عام1896م، وقد أطلق أرينيوس نظرية أن الوقود الحفري المحترق سيزيد من كميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وأنه سيؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض.ولقد استنتج أنه في حالة تضاعف تركزات ثاني أكسيد الكربون فـي الغلاف الجوي فأننا سنشـهد ارتفاعا بمعدل 4 إلى 5 درجة سلسيوس في درجة حرارة الكرة الأرضية،ويقترب ذلك على نـحو مـلفت للنظر من توقعـات اليوم. إن الجو يحتوي حاليا على 380 جزءا بالمليون من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر الغاز الأساسي المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بنسبة الـ 275 جزءً بالمليون التي كانت موجودة في الجو قبل الثورة الصناعية ، ومن المعروف أن آثر الاحتباس الحراري ولملايين السنين قد دعم الحياة على هذا الكوكب. وفي مثل ما يحدث في درجة البيت الزجاجي فإن أشعة الشمس تتغلغل وتسخن الداخل إلا أن الزجاج يمنعها من الرجوع إلى الهواء المعتدل البرودة في الخارج. والنتيجة أن درجة الحرارة في البيت الزجاجي هي أكبر من درجات الحرارة الخارجية.كذلك الأمر بالنسبة لأثر الاحتباس الحراري فهو يجعل درجة حرارة كوكبنا أكبر من درجة حرارة الفضاء الخارجي. ومن المعروف كذلك أن كميات صغيرة من غازات الاحترار المتواجدة في الجو تلتقط حرارة الشمس لتسخن الأراضي والهواء والمياه مما يبعث الحياة على الأرض يتبع ... يتبع ... يتبع ..