يُثارُ، مؤخرا، سؤالٌ هامٌ، حول ماهية التحديات التي تواجه "التعليم العربي" في البلاد، وخصوصا على خلفية الأوضاع الاجتماعية والسياسية الراهنة، الآخذة بالتفاقم والتصعيد.
إن مسح التحديات هو شرط أساسي ومركزي يجب أن يسبق كل عملية تخطيط تهدف إلى إحداث تغيير جوهري مستقبلي، بالإضافة إلى ذلك فإن كل سيرورة لتخطيط استراتيجي تتطلب رصد نقاط القوة والضعف من جهة والفرص والتحديات من جهة أخرى، من أجل فهم أعمق وأشمل، ومن أجل صياغة رؤية سليمة وواقعية قابلة للتطبيق.
قبل أن نساهم، كما سنفصّل لاحقا، في عرض التحديات المركزية التي تواجه "التعليم العربي"، يجب فكفكة مفهوم "التعليم العربي"، هل هنالك "تعليم عربي"؟ أم تعليم للعرب؟ ولماذا لا نتحدث عن مفهوم التربية ونقرنه بمفهوم التعليم؟ لأنه لا يمكن الحديث عن تعليم دون التأكيد على أهمية التربية وطرح السؤال: على ماذا نريد أن نربي، ومن يقف في مركز العملية التربوية؟
من الممكن توزيع وتصنيف التحديات إلى مجموعات مختلفة، بنيوية مقابل عينية، داخلية مقابل خارجية، وثابتة مقابل متحوّلة وتصنيفات أخرى لا مجال لذكرها في هذا السياق.
إن التحديات المركزية التي تواجه المجتمع العربي فيما يخص التربية والتعليم هي كما يلي:
1. تعريف الدولة لنفسها بـ "يهودية"، وإسقاطات هذا التعريف على سياسات التعليم ومبنى التعليم وقيمه.
2. نوعية نظام الحكم في إسرائيل، هل إسرائيل دولة ديمقراطية، وإن كانت دولة ديمقراطية، فأي نوع من الديمقراطية هي؟ ديمقراطية إثنية؟ ديمقراطية "مع بقع"، أم ديمقراطية ليبرالية، وإذا لم يكن نظام الحكم ديمقراطيا، فما هو نظام الحكم القائم، هل هو" إثنوقراطي"؟ بمعنى أنه يمنح أبناء المجموعة اليهودية امتيازات وحقوقا أكثر من المجتمع العربي نتيجة لانتمائهم لمجموعة إثنية معيّنة بينما يقصي "الآخرين"؟
3. طبيعة العلاقة القائمة بين المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وكونه أقلية وطن، مضطهدة من قبل الأغلبية القامعة والقاهرة، وهذه العلاقة هي محطّ توتّر دائم طالما لم يتغير الوضع.
4. بنية المجتمع العربي التي تشمل انتماءات وهويات مختلفة طائفية ودينية وجهوية وغيرها، ولكن الهوية المركزية والجامعة هي القومية العربية، وكوننا جزءا من الشعب الفلسطيني. لقد أرادت المؤسسة، وبشكل منهجي تحطيم ثقافتنا وحضارتنا ولغتنا وقوميتنا، بعد أن صادرت أرضنا، كما يجب عدم إغفال قضايا العنف الداخلي، واللا انضباط.
5. العولمة وتأثيراتها وإسقاطاتها التكنولوجية والثقافية.
6. العلاقة بين الفرد والجماعة والموازنة والتوفيق، ما بين الحق الخاص من جهة، والحيز والصالح العام من جهة أخرى.
7. طبيعة القيم التي نريد أن نربي عليها وموقفنا تجاه قضايا الديمقراطية، حقوق الإنسان، المواطنة، الهوية والتربية الوطنية.
8. تحدي الاعتراف والشرعية، سواء الاعتراف بنا كمجموعة قومية لها حقوقها التاريخية والثقافية والدينية والقومية، وشرعية حقنا بالوجود والحراك وتقرير مصيرنا، بالصورة التي نرتأيها كجماعة، وحقنا بإدارة شؤوننا بما فيها التربية والتعليم.
9. انفتاحنا على تجارب شعوب أخرى في العالم مرت بحالات استعمارية واضطهاد والتعلم والاستفادة منها، وتأمل تجربة شعبنا الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال ودراسة مناهجه مع الاهتمام بخصوصية وضعنا، وإشكالية المواطنة والهوية.
10. النقص في الأبحاث والدراسات المعمقة من قبل باحثين عرب سواء في الجوانب النظرية أو التطبيقية، وخصوصا حول سياسات المعرفة، الذاكرة والعلوم الاجتماعية.
11. مسألة الحداثة وموقفنا منها، وكيفية التعامل معها وكيفية التعاطي مع ما يسمّى بـ "صراع الحضارات". "صراع الشرق والغرب".
12. ما هو موقفنا تجاه تطوير أدوات جديدة للنضال ومواجهة سياسات الجبر والإكراه، وكيف يمكن التحدي وتطوير أدوات مقاومة غير عنيفة.
13. يجب الإجابة على السؤال ماذا يعني أننا فلسطينيون؟ ما هي الترجمات العملية لذلك في الحياة اليومية.
14. ما هو دور الجمهور في قيادة العملية التربوية والتعليمية وتعزيز مشاركته فيها.
15. يجب الانتباه أيضا إلى المدارس الأهلية والرسمية، وعدم إغفال الفجوات القائمة في الملكات والغرف، وساعات التدريس، والتحصيل بين المدارس العربية واليهودية، (سياسات التمييز المنهجي والمستمر التي يكثر الحديث عنها) وعدم الاهتمام القائم بتواصل الطلاب من مرحلة تعليمية إلى أخرى.
16. ما هو دورنا وما هو موقفنا حول قضية الخصخصة؟ وكيف نضمن فرص عمل وتقدما ونجاحا للخريجين؟ وكيف نربي أنفسنا وأولادنا على أهمية واحترام العمل والإنتاج ومقاومة مشاعر الإحباط والكسل والتلكؤ والتراجع.
17. يجب الأخذ بعين الاعتبار دور المعلم وما هي التحديات الشخصية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يواجهها، والتفكير في بناء إطار تنظيمي لكل المعلمين العرب، يضمن حقوقهم ويعزز مكانتهم.
18. يجب إعادة التفكير في دور السلطات المحلية العربية في عملية التربية والتعليم، لكونها لاعبا أساسيا وهاما، وخصوصا فيما يتعلق بالتعيينات والميزانيات والمسؤولية العامة.
لقد حاولنا من خلال هذه المقالة، عرض التحديات الأساسية التي تواجه التعليم والتربية لدى المجتمع العربي في الداخل، وهذه التحديات كثيرة ومتنوعة، تلزمنا بالتعاطي معها بسرعة ومسؤولية لكونها القضية الأساسية التي تضمن وجودنا بالإضافة إلى الأرض والهوية الوطنية. فالمطلوب منا جميعا ومن كلّ في موقعه هو أن يساهم في إحداث تغيير جوهري. نأمل أن تستطيع مؤسسات المجتمع الأهلي والسلطات المحلية والقيادات السياسية والاجتماعية والتربوية والجمهور، العمل معا بإخلاص وإيمان ومثابرة وثقة بالنفس من أجل تحويل هذه التحديات إلى مقومات وفرص للنهوض والحداثة. كما نأمل بأن نتمكن سويا من صياغة بيان تربوي عربي، يشكل مرجعية ذات ثقة، يوضح الأهداف والغايات التي نريد تحقيقها، والقيم التي توجهنا، والآليات والأدوات التي نستطيع استخدامها، بما يعبر عن طموحات وآمال المجموعة ويضمن بقاءها وتطورها.