نظرة في الاحسان !!!
2010-07-01 11:35:38

بقلم منير فرّو

قال تعالى : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، فالله جل وعلا عادل في حكمه لا يظلم مثقال ذرة، فهو يجازي الإحسان بالإحسان، والعمل الصالح بالثواب، وأيضا بالعكس يجازي الإساءة بمثلها، ولكن لكرمه تعالى، ولوسيع رحمته، جزاءه للاحسان جعله مضاعفا، وللإساءة  بمثلها، كما قال : " من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر"، 

 وقد مدح تعالى الإحسان والمحسنين، وحض عليه بقوله : " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "، فالإحسان يجب أن يكون جزاءه إحسانا،  والمعروف معروفا، فالإحسان  مثل الملح في الأرض، كما نعت يسوع المسيح رعيته الصالحة : " أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟ "، وقد فسر جرجي زيدان  الإحسان بقوله : " ليس الإحسان غذاء ولا شرابا ولا كساء، بل هو مشاركة الناس في آلامهم" ، 

 فالطائفة الدرزية بالرغم من قلة عددها، وصفت بالإحسان، وتقديم المعروف، ولم تكن قط  متوانية في تقديمه لأي شخص يحتاجه أو يطلبه، حتى لو كان زعيما أو أميرا أو حتى ملكا، وبدون أي مقابل، فإحسانها ومعروفها لوجه الله، حتى بات يُضرب بها المثل  ويشاع عنها بأنها طائفة المعروف، وما من طائفة أو مجتمع  احتك بالدروز إلا وعاد حامدا شاكرا معروفهم، ومنتظرا اليوم الذي فيه يسدي لهم معروفه ويوفهم ولو الجزء القليل مما قدموه له، 

 ولكن مما أثبته الواقع أن هناك أمما  تنبذ الإحسان، وتفسره على انه  ضعف شخصية أو اعتباط  أو تخلف اجتماعي أو محاولة أقليات على الحفاظ على بقائها  بين الاكثريات،  فتبرز نفسها بالمعروف والإحسان، ولذلك  الإحسان عندها شيء مادي وليس روحي، ومعاملته تتم بالطريقة المادية، وبذلك ترتكب ظلما في حق المتعاملين بالإحسان، وتحاول تشكيكهم فيما يفعلونه، ولكن كم قيمة الإحسان تكون عندما يضيع احدنا في الصحراء دون ماء أو غذاء ويتلاشى حتى الرمق الأخير، فيأتيه شخص ليعطيه الماء والغذاء ليسترد حياته، فهل هذا الإحسان يمكن أن نعتبره ماديا ؟ 

كلا هذا دين إلى مدى الحياة، لا يمكن نسيانه وتجاهله أبدا، ومن يفعل ذلك فهو كافر إلى أقصى حد، خارج من إنسانيته، خسيس في ديانته، خال من المروة، يصح فيه قوله تعالى : " ولا تطع كل حلاف مهين، همّاز، مشاء بنميم، مناع للخير، معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم "، 

فالحلاف الكثير الحلف، ولا يكثر الحلف إلا كل إنسان غير صادق، يدرك أن الناس يكذبونه ولا يثقون به فيحلف ليداري كذبه، ويستجلب ثقة الناس، الهماز هو المغتاب، مشاء بنميم الذي يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم، ويقطع صلاتهم، والزنيم الشرير الذي يحب الإيذاء ولا يسلم من شر لسانه أحد. 

 فالطائفة الدرزية، وبفضله تعالى، عاشت مدة تقارب الألف عاما محترمة، مغتبطة بإيمانها، قانعة بما يصيبها، راضية بقضاء باريها، مسلمة مقاليد أمورها إليه، لا تعترض على ما يسوءها، لا تعتدي، ولا تقبل أحدا يعتدي عليها، مستقلة، تدافع عن نفسها بنفسها، لا تحتاج إلى احد، تأكل من كد يمينها وعرق جبينه،  تعتاش على الأرض وفلاحتها، وعلى تربية الدواجن، والصناعات اليدوية الخفيفة، وتشرب من ماء العيون، حامدة الله تعالى، شاكرة له على نعمائه، مكتفية اكتفاء ذاتيا،  مما جعلها تصمد أمام الغزاة والأعداء، لتوفر المؤن والمياه، فما من عدو أراد النيل منها ودخول قراها فاتحا إلا وعاد مهزوما، ومن جاءها زائرا مسالما عاد منتصرا مكرما معزوزا، 

ولكن اخطر ما تواجهه الطائفة الدرزية،  هو العدو الذي يأتيها  بزي الصديق والسائح  والمثقف والمتحضر، وهو في داخله السارق الحاذق، والجاسوس المتجسس، كاللص في أحلك الظلمات، الذي يأتي خلسة والناس نيام، أو كالثعلب الماكر، الكامل الدهاء، المحترف، الذي يجيد فن المراوغة والحيل، يتظاهر بالمسكنة، حتى يتمكن من الإغواء، فهو يدخل البيوت من أبوابها بوسائله الخبيثة، متظاهرا بالصحبة والجيرة الحسنة، ولكنه في الحقيقة ينوي الاحتلال بطريقة  الخداع  والدجل، فيلبس الأقنعة المختلفة، والقبعات الخفية، مستغلا إحساننا  لنواياه الخبيثة، 

ولان نوايانا حسنة وتفكيرنا طيب، نظن بغيرنا ونواياه كمثل نوايانا، فنصدقه حتى نجلسه في صدارة دواويننا، ونطعمه من افخر زادنا،  نحرم أبنائنا  وفلذات أكبادنا  العيش الرغيد لنستقبله،  ونعطيه الاحترام الزائد، ولكن هيهات هيهات فلما استطاع بمكره هذا، ودهاءه أن يدخل قلوبنا، ويجري في عروقنا مجاري الدم،  ويسيطر على عقولنا، ويزين لنا حسن عشرته وصحبته وحريته وديمقراطيته وعدله وإنصافه، جعلنا ضحية لأهدافه وخططه المبطنة، حتى نجح أن يتغلغل في أوساطنا، ويدخل إلى صميم دواخلنا، ويقسّم وحدتنا، ويمزق الأسرة والعائلة والحمولة والعشيرة والمجتمع والطائفة، ويجعلها تختلف فيما بينها ، وتتلاحم وتتصارع  وحتى أن ترفع السلاح  ضد بعضها ،  وهو ينظر دون أن يحرك ساكنا، بل يكفي انه  ينكر علينا فعلنا ، ويستهزيء بنا إلى ما وصلنا إليه من الانشقاق بعد أن كنا نتغالى بحفظ الإخوان والتعاضد،  وهو يعرف أن سبب انقسامنا  تدخله في حياتنا بأياديه الخفية  وعن قصد  إضعافنا، ليتمكن منا كما تتمكن الطيور الجارحة والحيوانات الكاسرة من فريستها  التي لا تملك الحول والقوة، 

 وأيضا يصح فيه قوله تعالى : " كمثل الشيطان إذ قال  للإنسان اكفر،  فلما كفر قال إني بريء منك،  إني أخاف الله رب العالمين "، فهو بوسائله الخفية، وأقنعته المتعددة، واذرعنه الأخطبوطية، وعباطة قادتنا، وسهولة إغرائهم وإسكاتهم بالمناصب والكراسي والأموال، والجاه مع تعطيش وتجويع مجتمعهم دون أن يحققوا ذلك، لطمس عقولهم وقلوبهم، استطاع أن يتمكن كل التمكن، وان يتحكم كل التحكم، بجميع مقدراتنا، حتى بتنا  فقراء من الداخل والخارج، يلعب بنا كما تلعب الرياح بالقش المتطاير ما يلبث أن يسقط على الأرض حتى تدفع به إلى أعلى ليعود ليتطاير، فيبقى معلقا بين الثرى والثريا  لا قرار ولا استقرار، ولا هدوء ولا اطمئنان، ولا يعرف ما يرتقبه من مصير مجهول، فلا ثبات ولا إثبات، ولا سعادة ولا اغتباط،  ولا مقاومة ولا بقاء، 

فالطائفة الدرزية في البلاد تنظر إلى مؤسسات الدولة على أنها مؤسسة واحدة، وعلى هذه المؤسسة أن تعترف بالدروز، وان تعاملهم معاملة خاصة، تقديرا لما قدمته وتقدمه الطائفة  من اجل الدولة، فلا خلط بين مؤسسة أو وزارة، فكل الوزارات والمؤسسات في نظر الدروز تصب في نهر واحد،  وهدفها واحد،  فلا يجب تمويه قضايا الدروز بالوزارة فلان، والمؤسسة فلان،  فالجهاز واحد، والطائفة واحدة، ومعاملتها يجب أن تكون معاملة خاصة، بعيدة عن العنصرية والأنانية، 

 فالأحوال التي تمر بها الطائفة اليوم ، تدل مكافأة الدولة لنا المليح بالقبيح، فجزاءها لنا كـما كان جزاء النعمان للسنمار، والذي أصبح فيما بعد مثلا حيث يقال "جزاء السنمار"، وهو المثل الذي يقال " للحسن الذي يكافأ بالإساءة"، وقصة هذا المثل كما يلي :  

 كان النعمان الأول بن امرئ القيس من أشهر ملوك الحيرة. ولما أصبح لديه من الجنود والمال والسلاح ما لم يكن لغيره من الملوك احضر البنائين من بلاد الروم وفي مقدمتهم سنمار المهندس المشهور لكي يبني له قصر "الخورنق".بعد تفكير طويل، وجد سنمار رسمًا جميلاً للبناء فبنى القصر على مرتفع قريب من الحيرة حيث تحيط به البساتين والرياض الخضراء. وكانت المياه تجري من الناحية العليا من النهر على شكل دائرة حول ارض القصر وتعود إلى النهر من الناحية المنخفضة بعد أن أتم سنمار بناء القصر على أجمل صورة صعد النعمان وحاشيته ومعهم سنمار إلى سطح القصر فشاهد الملك مناظر العراق الخلابة وأعجبه البناء فقال: "ما رأيت مثل هذا البناء قط" أجاب سنمار: "لكني اعلم موضع أجرة لو زالت لسقط القصر كله".سأل الملك: " أيعرفها أحد غيرك؟ " أجاب سنمار: " لا، لو عرفت أنكم توفونني وتصنعون بي ما أنا أهله، لبنيت بناءً يدور مع الشمس حيثما دارت"، قال الملك:  " لا يجوز أن يبقى حيّا من يعرف موضع هذه الأجرة ومن يستطيع أن يبني أفضل من هذا القصر"، ثم أمر بقذف سنمار من أعلى الخورنق فانكسرت عنقه فمات وأصبح ما صنعه النعمان بسنمار مثلاً بين الناس حتى قيل "هذا جزاء سنمار"، وقد قال الشاعر :     

                 جزاني جزاه الله شرّ جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب  

فجزا الله من أراد بنا سوءا، ونكس رأسه، وبعث له من يظلمه، لأنه ناكر للمعروف، ظالم للحق،  وما كان الله ليظلمه بل كان لنفسه ظالما ، ولباطله موافقا،  ولاستكباره قاصدا،وفي الفساد راغبا ، وإذا أشكل عليكم أمر فإلى الله ردوه ، كما قال تعالى : "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير" .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق