كيف لي أن أبدد مخاوف ولدي أو أن ألملم مخاوف نفسي ؟؟؟ أي إجابة ممكن أن أقدمها لصغيري الذي باح لي بمخاوفه بكل ما تحمله الطفولة من براءة ومن حب للحياة قال إنه يخشى الذهاب للمدرسة ...يخشى أن يقتل برصاصة طائشة أو أخرى مقصودة فالرصاص يتطاير وكأن سحابات حبلى بالمطر تتمايل فوق البلدة متنقلة من حارة لأخرى دون سابق إنذار تخطف قلوبا يانعة لم يحن قطافها من بستان الحياة إنه يخشى الذهاب لمدرسته الابتدائية التي تقع وسط الحارات المباركة بالزخات الرمادية ....والقنابل الحقيقية كتلك التي يستعملها الجندي في الحرب ...
كيف بوسعي ان اشرح لصغيري اننا من ناحية سياسية لسنا في حرب مع أي من الدول المجاورة ولكننا لسنا بسلام لا مع أنفسنا ولا مع غيرنا !!!

أخبرته بحنو ان الموت حق فقال بعفوية وجرأة :لكن الحياة حق يا أمي...!!! صدقا... توغلت داخل صمت مريب أربكني ذاك الخوف الهادر من دهاليز روحه الصغيرة والمتدلي من نظرات تتشبث بالحياة  أي إجابة أقدمها لطفلي كي أهدئ من روعه ..؟؟؟أي تشجيع أو تحفيز يمكن أن يحببه بالذهاب لمدرسته ...؟؟؟أي كلمات تبدل  خوفه وتبدد همه ؟؟ كيف لي أن أزيل مخاوفه أو أجيب عن تساؤلاته.. وأنا أصلا فاقدة للأمن والأمان وروحي تنادي الطمأنينة الغائبة خلف جدران العنف والوحشية المتفشية في الأجواء...

"خطف حمودي وقتل وهو يسكن بجانب المدرسة..قتل الطفل أنس وهو طالب في المدرسة..."حرق بيت مدير المدرسة ..وضعت قنبلة قرب المدرسة ....قتل غصوب جار المدرسة .... هذه بعض الأحداث المتراكمة صدفة في منطقة مدرسة صغيري ولكن الجرائم تحوم في كل الأرجاء... لن ننسى صالح ولا علاء ولا زالت قضية  المرحوم رياض ملفا مفتوحا أمام القضاة...ويا رب أسترنا يا ستار لأن الحبل ما زال على الجرار... حتى أن تصدرت بلدتنا العناوين العريضة للأخبار

لم نكن بهذه الشهرة...كانت الجديدة ... بلدة جليلية ترتدي حلة البساطة والأخوة ضمت بين أحضانها أهلها الأصليين جنبا إلى جنب مع من احتضنتهم من اللاجئين من القرى المهجرة وباتت مسكنا وديعا لأهلها الطيبين الذين يرتدون عباءة البساطة والتواضع والألفة شعارهم محبة الغير وعمل الخير

طوبى لنا الدخول ميادين الشهرة...بتنا نتصدر العناوين الرئيسية..في الصحافة المسموعة والمرئية..على المواقع العربية وغير العربية... لسنا على يقين إن كانت في بلدتنا حرب عصابات أو تسديد حسابات أو ثأر بين العائلات..الأكيد ان السلاح موجود بالكميات وأنه موجود بأيدي أولادنا حتى لو لم يكونوا من أصحاب الأسبقيات ولا ضلع لهم بالجرائم والجنائيات... هؤلاء المساكين ملوا التواجد في نوادي البلدة ومراكزها الثقافية وسئموا الجلوس في الحدائق الخلابة والأماكن التربوية و الترفيهية فصاروا يتسابقون بالانتماء للقهاوي العصرية ومحلات الأراجيل المسلية فهي تخفف عنهم وطأة الفلاس والزهق والملل من المشاغل اليومية وتقدم لهم استشارة في شتى الامور الدنيوية وحتى أنهم  دون عناء يحصلون على مساعدات سحرية لأي ضائقة مالية ... ولا ضرر من تعلم بعض الفنون الانتقامية من كل من لا يتماشى مع أهدافهم الفائقة الأهمية....

أمسنا موجع... وحاضرنا مفزع ...والآتي لا ينبأ بالاستقرار والطمأنينة صدقا أنا لست مبالغة بل إنني مقصرة بوصف الحال , خجلا وأسفا لما آلت إليه بلدتنا الوديعة سابقا... إنني أكتب بوجع الأمومة... وأرجو بكل ما يحمله الرجاء من صرخات قلبية أن تباشر سلطاتنا المحلية ورجال الطوائف الدينية وأصحاب الضمائر الانسانية بفك أسر شبابنا من أنياب التجمعات السلبية التي تغسل أدمغة شبابنا وتحولهم لآلات فتاكة تحصد الأرواح بقلوب متحجرة صخرية فرق العنف والحقد والضغينة أبناء بلدتنا فأصبحوا يقفون  لبعضهم بعضا بالمرصاد تخريب وتدمير تنكيل وتهديد وقتل تحت عين الشمس...  ونحن نتفرج وننتظر الجنازة التالية.... فرقت النزاعات العائلية والشجارات الشبابية أبناء قريتنا ولكن.. شئنا أم أبينا جمعناهم بأيدينا بين أحضان مقبرة القرية لا يفرق بينهم سوى حوض من الحبق وإكليل من الورد حيث الهدوء والسكينة والأمن والأمان!!!

لكن السؤال الذي يطرح نفسه إن بقيت الامور على هذه الحال  ... أليس من الجدير على السلطة الحالية تحضير مخططات مدروسة لمقابر إضافية تزين مداخل البلدة  حتى يتم تنفيذها على يد السلطة القادمة والتي بدورها عليها أن تأخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه المقابر مبنية على الطراز الشبابي الحديث لتلائم فلذات أكبادنا المقبلين إليها !!!!  بنت جديدةعبور درويش