شاعر المليون أو المجد للتلفزيون
2008-03-05 18:57:22

سئل شاعر عراقي صعلوك عام 2003 عن نظرته للشعر في العراق، وأي المصائر تنتظره فأجاب جادًا على غير عادته، أن المستقبل سيكون للشعر الشعبي.. ولم تمض سوى أشهر قليلة إلا وطبقت شهرة الشعر الشعبي كل إتجاه وصار الشعراء الشعبيون ضيوفًا مكرمين اينما حلوا ورحلوا مأخوذين بهالة النجومية التي حصدوها عبر الفضائيات العراقية المتناسلة... بل تحوّل بعض من شعراء الفصحى الى إلعامية قاطعين الطريق على الموضة التي سرت في التسعينات من القرن الماضي لدى عدد من الشعراء الشعبيين بتحولهم للنظم بالفصحى... وبات الشاعر الشعبي ضيف كل مناسبة، وما أكثرها، ونجم معظم البرامج التلفزيونية...

ولم يكن الامر في العراق فقط بل كانت بقية الدول العربية تسير بخطى هادئة بالاتجاه ذاته في الاحتفاء بالشعر المحكي المحبب لنفوس الغالبية... ولم يعد نظم الشعر غير الفصيح مقتصرًا على القصائد الغنائية بل حلت موضة المديح والتغني بالاوطان وحتى البكاء على الاطلال وتوسلات النصر بلغة منبرية صادحة وصارخة وصادمة في بعض الاحيان. وليكرس هذا التوجه عزلة الشاعر العربي المنحاز للفصحى ولقصيدة النثر تحديدًا، وبات بين قومه كصالح في ثمود وفق احمد بن الحسين بن الحسن الملقب بالمتنبي.

 وقد خسر هذا الصالح في ثمود معركته غير المعلنة لجر مواطنيه لفهم معانيه ومقاصده... وراحوا باتجاه المتعة هاربين من ألم البحث والتدقيق والتأمل مليًا مطبيقين مبدأ الألم واللذة المشهور..
فقد سحر القوم بعفريت من الجن يعطيهم المتعة على، وفوق، ما يشتهون..  سحرهم جني يبث بوجوههم حزمًا كبيرة من اضواء ملونة بأكثر من ألوان قوس قزح. وابتعد صالح عن ثمود بالمسافة ذاتها التي قطعها قفزًا عفريت الجن الضوئي الذي ما إن يمسد باصابعه الملونة ضوءًا على وجه مريد حتى يغدو نجمًا معشوقًا..

هذا السحر الملون تنبهت له هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث حين اوكلت مهمة تنفيذ سلسلة برامج امير الشعراء وشاعر المليون لشركة بارميديا التي نجحت في جذب المشاهد لبرامجها وفوق ما يتمنى هذا المشاهد من تحقيق رغبته في التمتع مرتاحًا بما يرى ويسمع من شباب وشابات تحولوا لنجوم بين ليلة وضحاها منذ اول لحظة لصعودهم خشبة مسرح شاطئ الراحة في ابو ظبي. وبعد هذه الشهرة التي تحققت بات البرنامج يتوسع تقنيًا بما اوتي من ميزانية قدرها الصحافي محمد منير مدير المركز الاعلامي وأحد كوادر بيراميديا في دردشة مع ايلاف بـ 75 مليون درهم لكل دورة مؤكدًا مواصلة دورات البرنامج دون ان يحددها بسقف زمني. وقد فاز في الدورة الاولى شاعر من قطر اسمه محمد بن فطيس المري حمل معه مليون درهم وشهرة واسعة مع بيرق الشعر الاحمر. واستقبل في بلاده استقبال الابطال.

 في الحلقة الاخيرة كانت الشاعرة العمانية هلالة الحمداني الصوت النسائي الوحيد والجريء بين اقرانها تمضي غير مرتبكة متكئة على حضور والدها مع الضيوف، يتأملها بعينين حانيتين حاولت الكاميرات استنزال دمعتين منهما لتحقق مشهدًا مثيرًا، لكن دون جدوى فالرجل الذي خطّ مر الشيب واستقر على شعر لحيته، راح متأملاً حانيًا على إلقاء ابنته محاطًا بمواطنيه الذين صفقوا عاليًا لها ما إن قالت "وسلامتكم" منهية وصلتها الشعرية. ليغضبوا من رد اكثر عن عضو من لجنة التحكيم حين اوجدوا في نصها كسرات نظمية.. حد ان اتصل الصحافي خميس السلطي بمن قال انه خبير الشعر النبطي من هاتفه المحمول ليتأكد من القرار المحكم إن كان كيديًا او صحيحًا... وكما كان متوقعًا حققت الشاعرة هلالة اقل نسبة من درجات لجنة التحكيم التي تحول رجالها لنجوم فوق العادة في البرنامج.

 

يقول المنتقدون ان ظاهرة شاعر المليون تحاول تسطيح الوعي الشعبي وتجعله يصفق ويلهو محاصرًا بما يقدم له من خلال وسائل بث هذه الظاهرة التي لها قناة فضائية وموقع ومنتدى كبير على الانترنت ووكالة انباء خاصة. وحتى الشعر النبطي الذي يتبارى فيه شعراء الملايين، والكلام للمنتقدين، يقدم سحطيًا مباشرًا أغلبه صراخ وحسب او مديح لمن حضر من لجنة تحكيم الى شيوخ الى زعماء سياسيين.

 نشوى الروينى

لكن مدير عام هئية أبو ظبي للثقافة والتراث محمد المزروعي رد، وما زال، خلال حديث سابق مع ايلاف أن البرنامج يقوم بعملية تطهير للساحة الشعبية..

ويعضد رده محبون للبرنامج منحازون للشعر الشعبي قائلين بان الجمهور يريد هذا الفن وقد جربنا فنونا اخرى لم تحض بجماهيرية كجماهيرية هذا البرنامج، وان نمتع الشباب والشابات بشعر نبطي تقولون انه سحطي افضل من تركهم عرضة للتاثير التكفيري وبرامج التشدد الديني. وهذا البرنامج ليس متطرفًا في اللهو والترفيه الذي يقدمه، اذ يخلو من شعر المجون والتغزل بالخمر بل ويخصص مكانًا للنساء واخر للرجال ويتابعه متشددون ومنفلتون دينيًا.

الجدل لا ينتهي، وان هدأ، فشعراء المليون نجوم اليوم سكارى بنشوة الشهرة التي حققوها بعد ان باتت وصلات بعضهم نغمات هواتف محمولة.. تلك الهواتف التي تصوت برسائل قصيرة لأفضل الشعراء ليصعد سلم المليون درهم.. وبات الحضور لمسرح شاطئ الراحة يحقق نجومية تليق بالحاضرين.. ناهيك عن احساس المشاهد داخل المسرح بأن لحضوره قيمة وهو يصوت من جهاز امامه لأفضل شاعر..

وغير بعيد عن عشرات الكاميرات تجلس الاعلامية نشوى الرويني صاحبة شركة بيراميديا موجهة كادر المليون لاضفاء سحر اكثر على برنامج صناعة النجوم الاشهر في الخليج وفي عدد من الدول العربية. دون ان تبخس نفسها حقها من النجومية التي بداتها في تلفزيون ام بي سي قبل ان تتحول لتلفزيون دبي في برنامج "مع نشوى" متنبهة قبل غيرها لما يمنحه عفريت الجن الضوئي صندوق الغواية صاحب المجد في صناعة النجوم؛ التلفزيون.

  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق