لبيبة وعماد شحادة حارسا البيادر
27/04/2019 - 04:46:57 pm

يتقدّمُ العيدُ حزينًا بطيئًا، في هذه الأيّامِ، في حيِّ البيادرِ، لئلّا يستثيرَ مشاعرَ أهلِهِ المحزونينَ، على فراقِ الأحبَّةِ، فلم تجفَّ بعدُ، دمعةُ الباكينَ على لبيبة شحادة، أم إيهاب. ومعَ قيامةِ المسيحِ المجيدة تقومُ ذكراها العطرةُ تملأُ النّفوسَ الطّيّبةَ، من مُحبّيها، وهم كثيرونَ.

كانَ هدوءُها ينتشرُ في محضرِها، فيطفحُ المكانُ احترامًا، رصانةً وهيبةً. كانَ تواضُعُها ظلًّا لها، أينما حلَّتْ، فلا يزيدُها إلّا رِفعةً، في مقدارِها وفي قيمتِها، في عيونِ النّاسِ وقلوبِهم. كانتْ ابتسامتُها الواثقةُ، الحييَّةُ، اللّطيفةُ تبني جسورَ التّواصلِ، والمودّةِ، والصّداقةِ معَ البعيدينَ، قبلَ القريبينَ. كانتْ تتحلّى بالأخلاقِ العاليةِ، فيشمُّ أهلُ الحيِّ طيبَها، قبلَ أنْ تتجاوزَ قدماها عتبةَ دارِها، لتدلَّ على صاحبةِ النَّفْسِ العزيزةِ الكريمةِ.

كانتْ لبيبة شحادة صديقةً حبيبةً على قلبِ والدتي، أميرة الحاج، أم نزار، وعلى قلبِ محاسن سعد، أم علاء، فكانتْ هذه الأضلاعُ الثلاثةُ مثلَّثًا متساويَ الصداقةِ، ووحدةِ الحالِ، والمحبّةِ. فكنتُ أسعدُ بوجودِها في بيتِنا، كما يسعَدُ أبناؤُها الكرامُ بوجودِ والدَتي في بيتِهم. وكأنَّ ثقافتَنا العربيّةَ الإنسانيّةَ خلّدَتْ مقولةَ الإمامِ عليٍّ : "مودّةُ الآباءِ قرابةُ الأبناءِ"، تخليدًا على قدرِ علاقتِنا العائليّةِ الطَّيِّبة. لقد نشأنا في ظلِّ هذه الصّداقةِ الوفيّةِ، فكنّا أبناءً بررةً بها.

كنتُ في شبابي المبكّر، أنشطُ مع رفاقي، في توزيعِ المنشوراتِ التي يصدرُها الحزبُ الشّيوعيُّ، في حيِّ البيادرِ، فنصلُ بيتَ المرحومينِ، طيّبيِّ الذّكرِ، عماد ولبيبة شحادة، مقابلَ بابِهما المفتوحِ دائمًا، يجلسُ عمادٌ، يقرأُ صحيفةَ "الإتّحاد"، ويدخّنُ سيجارتَه العربيّةَ، "يُكَرِّبُ العزومةَ"، نحيطُ بِهِ، يُحدّثُنا عنِ الأوضاعِ، العامّةِ والمحليّةِ، حديثَ المطّلعِ، المتابعِ، المتفاعلِ، وأم إيهاب تقدّمُ لنا قهوتَها التي تملأُ رائحةُ الهالِ فيها أنفاسيَ، حتّى اليوم. إنَ فنجانَ القهوةِ الذي شربناهُ في بيتِكما، أيُّها الطّيِّبانِ، هو عهدُ محبّةٍ، وخيرٍ، ووفاءٍ مع عائلتِكم الكريمةِ، مدى العمرِ.

كانت لبيةُ نشيطةً في العمل الوطنيّ، كزوجِها العمادِ، عماد، فلم تبخلْ بمشاركتِها في مظاهرةٍ، أو اعتصامٍ، أو وقفةٍ احتجاجيّةٍ، أو عملٍ تبرعيٍّ. وكانَ لنشاطِها نصيبٌ في الفعالياتِ المناصرةِ لحقوقِ المرأةِ، ورفعِ مكانتِها؛ فلمْ يزدْنا هذا النّشاطُ إلّا تقديرًا واعتزازًا بها، وبدورِها الوطنيِّ والنِّسويِّ التَّقدّميّ.

سكنَتْ لبيبةُ وعمادٌ بيادرَ القريةِ، حيثُ تتجمّعُ الخيراتُ، في موسمِ الحصادِ، فكانا حرّاسًا أوفياءً لخيرِ النّاسِ. وهما يغادرانِ عالمَنا بجسديهِما، لكنَّ طيفَهما يظلُّ يحرسُ الخيرَ في بيادرِ القلوبِ، بكلِّ ما فيها من قِيَمٍ ساميةٍ، وأخلاقٍ كريمةٍ، تمثّلُ، باجتماعها على البيادرِ، روحَ كفرياسيف الطّيِّبة، التي أورثَنا إيّاها أجدادُنا، وكانَتْ لبيبةُ وعمادٌ حارسَيْها الـمُخلصَيْن.

لروحِ لبيبة وعماد شحادة السّلام، سنحرسُ ذكراكما الطّيّبةَ، لتبقى حاضرةً في أذهانِنا، كما حرستما خيرَ البلدِ، دونَ أنْ يغمضَ لكما جفنٌ.     

إياد الحاج

27/4/2019

كفرياسيف- حيّ البيادر

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق