ربع قرن على رحيل شيخ العشيرة وسيد الجزيرة  فضيلة المرحوم سيّدنا الشيخ "أبي يوسف أمين طريف".
25/09/2018 - 08:15:54 pm

منير فرّو     

ها نحن اليوم وبعد مرور ربع قرن على رحيل الكوكب الدري، والقمر الضوي، والوجه البهي ، والرزين العاقل الالمعي، والدَّيِّن الصَّيِّن الرّضي،  فضيلة المرحوم سيدنا الشيخ امين طريف رضي الله عنه، نعود لنستذكر ذلك الشيخ القديس، والكنز النفيس، والمعلم الرئيس، الثابت الجنان والتاسيس، الذي ما زالت نفوسنا تتحسر على فقدانه، وتتضور على حرمانه، وتشتاق الى عذب نطقه ولسانه، ورياضة قلبه وجنانه، كيف لا؟ وهو الذي قاد امتنا التوحيدية بكل صدق ووفاء، وتضحية وفناء، في شدة ورخاء، وفي السراء والضراء، حتى اشاد بنيانها، ورفع شانها، وحفظها وصانها.

لقد اجتمع في شخصه الكريم الزعامة الدينية والدنيوية التي لا تجتمع الا في من خصهم الله بالنبوة، فكان زعيما وابا روحيا، قال تعالى : "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” صدق الله العظيم، فكان فضيلته من اولئك الذين عاهدوا الله وصدقوا في عهدهم وما بدلوا تبديلا، فباستقامته استقامت رعيته، وسلك بها طريق السلامة في الدنيا والدين.

إن وجود سيدنا الشيخ  في هذه البلاد لم يكن صدفة، وانما منحة الهية وإرادة ربانية، لحكمة ازلية، لصيانة الرعية، وتستمر هداية البشرية، بشخصيات ملهمة، تهدي الى الخير وتدعي اليه، وتقوِّم الامر وتشدِّد عليه، كما جاء في كتاب "سيرة سيدنا الشيخ أمين طريف* وسيدنا المرحوم الشيخ علي فارس"، للكاتب المغفور له الشيخ عبد الله طريف حيث يقول:" من المعروف أن الله  تعالى، يخص أولياءه الكرام بكرامات ومميزات وبينات، كي يظهر فضلهم للبشر، ويقوى نفوذهم، ويرفع من منزلتهم، ويجعل المؤمنين سامعين، منصتين لارشاداتهم ووعظهم وتوجيهاتهم، حتى يستقيم المجتمع، وتقوى كلمة الدين والحق، فينتشر عمل الخير ويدحض الباطل ، لقد شاءت القدرة الإلهية أن لا تخلو البلاد من أولياء الله الصالحين حتى لا تفسد الأرض ولا يزحف الجهل .. هؤلاء الرجال الأولياء هم مراكز المجتمعات وقد خصهم الله بحسن الرعاية وأمانة القيادة وصدق النوايا  .. ومن يقرأ التاريخ يجد أن المجتمعات التي تتمرد ولا تحترم أو تعمل بحسب إرشادات الأولياء وأهل الخير يسلّط الله عليها المحن والنكبات ما لا ينفع عندها لومة اللائم أو حسرة النادم أو توبة القاصد ... لهذا نجد أن العدل والرحمة والحكمة الإلهية لا تقسو على أحد، بل الإنسان هو الذي يقسو ويغش ويخدع نفسه هو الذي يعطي الحرية للقوة الشريرة الكامنة في نفسه أن تتحرك وتنمو حتى تصبح من القوة والبطش ما يمكنها من محاصرة جميع عناصر الخير في نفسه وإخمادها، وهذا يكون منتهى الفساد وقمة الباطل، مما يستدعي تحرك المنتقم المحاسب المراقب الناظر".

فسيدنا الشيخ امين طريف اجتمعت فيه الكثير من صفات الانبياء، فبدراسته لكتاب الله وتسبيحاته له تعالى كأن فيه من النبي ادريس عليه السلام، وبمقاومته للباطل واهله وإثبات الحق كأن فيه من النبي صالح سلام الله عليه صاحب الناقة، وبجمال صورته، كأن فيه من جمال النبي يوسف سلام الله عليه، وبخطابه الروحاني كأن فيه من شذرات نبي الله شعيب عليه السلام خطيب الانبياء، وبعفته كأن فيه من عفة النبي موسى عليه السلام، وبحكمته كأن فيه من حكمة النبي داوود سلام الله عليه، ورزانة فكره، ونورانية عقله وقضاءه ، كأن فيه من حكمة الملك سليمان سلام الله عليه،  وبنطقه العنبري كأنه يعكس فيه صورة النبي يوحنا المعمدان سلام الله عليه فم الذهب ونطق الجوهر، وبسماحته ولطافته وتعاليمه كأن فيه من جوهر المسيح وقدح عصير الكرم، فالناظر إلى فضيلته يقف امامه مشدوها لهيبته، متعجبا لسكناته وحركاته، منصتا لحديثه، توّاقا لسماع حكمته وموعظته وادعيته، طالبا منه الدعاء بالتوفيق بأعماله، لقد قيل: " من أطاع الله أطاعته العباد، ومن أخلص لله سريرته أصلح الله علانيته وسيرته"، فكانت أصحاب المراتب العالية تأتيه ساجدة بين يديه، وهو لم يكن ليملك أساطيل حربية، ولا جنود عسكرية، ولا حكومات برلمانية، بل كان يملك أسرارا إلهية، تفوق عقول البشرية، جعلته ينال هذه المنزلة العلية.

لقد كانت أعماله مقرونة بصدق النوايا والاتكال على الله في كل عمل ، فيرمي جميع مقاليده إلى الله، يتكل عليه في السراء والضراء، والشدة والرخاء، يستعين به، ويتوسل اليه، فدائما يذكر الله ويستشعر وجوده، ويقول: ا"ذكروا الله، فان الله ذاكر من ذكره"، فلا يلتف يمينا وشمالا إلا بداعية، ولا ينطق الا بحكمة وموعظة، فصمته فكر، وكلامه ذكر، وسكوته اعتبار.

لقد كان قدر وجود فضيلته في احلك الفترات خاصة فترة انشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين العربية، بعد شتات دام الفي عام، وصراع دامي لم ينته الى يومنا هذا، فاستطاع بحكمته النادرة ان يقود طائفته في ظل انشاء هذه الدولة العبرية الى شاطيء الامان مع ابقاء كرامتها عالية بين الطرفين المتنازعين.

لقد قال أحد زعماء العرب السياسيين في البلاد : " لقد أنعم الله تعالى على الطائفة الدرزية برئيس روحي لا مثيل له في هذا القرن من الزمن، فهو يمدح الشخصيات اليهودية، ولا تستطيع أية صحافة عربية أو خارجية بانتقاده ، فلو فعل غيره من الزعماء، لتعرض لوابل من الاتهامات والتهديدات، ولكن فضيلته يختلف عن الجميع، فهو صادق في أقواله، جاد في أعماله، مخلص لربه وانبياءه، ولهذا وضع الله بينه وبين أولئك حاجزا منيعا، فالألسن تقول عن غيره ما تشاء، ولكنها عندما تصل إلى فضيلته يخرسها الله، والأقلام تكتب عن غيره ما تشاء، ولكنها عندما تصل إلى فضيلته تجف بقدرة الله، فهنيئا لهذه الطائفة التي يرأسها هذا الرجل الصالح الفاضل، وهنيئا لهذا الرجل الصالح الفاضل، الذي يرأس هذه الطائفة المباركة الشجاعة الكريمة "،

ان وجود فضيلته كان عبارة عن حجاب وحرز واق لطائفتنا، يقيها من المحن والصعوبات، فكل قضية كانت تصل بين يديه تذوب وتنصهر وكأنها لم تكن، فيحل المشاكل جميعها بترو مستمدا بالالهام الرباني، فيحكم بالعدل، ويعود كل شخص من عنده راضيا بحكمه.

إن زعامته لم تنحصر في إسرائيل، بل تجاوزت الحدود لتصل إلى سوريا ولبنان والأردن وكل مكان تسكنه العشيرة المعروفية، فيعملون بحكمته، ويتشوقون لسماع كلماته عبر الأثير، فكانت فضيلته المرجعية الأولى والأخيرة لدى الطائفة، يستشار في كل قضية ويزوره رجال السياسة للاستبراك بدعاءه، للمرحوم مواقف كثيرة وهامة خاصة عند اعتداء الطاغية الشيشكلي على أبناء جلدته في سوريا، محاولا قتل الزعيم سلطان باشا الأطرش  عام 1953 ، وأيضا عام 1984 أيام حرب الجبل مع الكتائب، وأيضا عام 1990 ووقوفه الى جانب السلطات المحلية في القدس لاعطائهم الميزانيات، عدا عن المطالبة بوقف مصادرة اراضي القرى الدرزية واعطائهم حقوقهم،

كانت وفاته في بتاريخ 2/10/1993 وقت بدأ شرقنا يتجه نحو السلام، فرثاه رئيس الحكومة آنذاك المغدور إسحاق رابين بقوله : " نودع الرجل العظيم الذي عمل للسلام طيلة حياته، وساعد في تقريب وإحلال السلام للاجيال القادمة "، فلإخلاصه ووفائه لأبناء قومه جعل دولة إسرائيل تلبي له ما يريد، ومنحته جائزة إسرائيل لواسع حكمته، ومناشدته السلام داخل وخارج إسرائيل.

وكما قال عنه المرحوم السيد شمعون بيرس رئيس دولة اسرائيل التاسع  : " أن شخصية الشيخ أمين فريدة من نوعها، ولم يكن مثيلا لها في عالمنا هذا ، قضى ما يقارب السبعة عقود في قيادة الطائفة الدرزية، ولم يسبقه في ذلك أحد، وبفضل قوته الخارقة، وتأثيره المنقطع النظير، وحّد الطائفة متخطيا الحدود المقفلة، فنجد أن جميع أبناء الطائفة الدرزية تعمل بتوجيهاته وإرشاداته دون المس بأي دولة من دول الشرق رغم انقطاع الصلة المباشرة، لقد حمل لقبا كبيرا "الزعيم الروحي" أي كان زعيما وكان روحيا، لقد جمعت شخصيته الزعامة والروحانية ولم اذكر أن اجتمعت هاتان الصفتان في غيره ".

واخيرا كما في كل عام تقطر الى جولس مشايخ الطائفة من الكرمل والجليل والجولان لتحيي ذكرى فضيلته الخالدة وقد دعا فضيلة الشيخ موفق طريف مشايخ الطائفة لهذه المناسبة بتاريخ 29/9/2018 الساعة العاشرة صباحا .

رحم الله سيدنا  الشيخ أمين طريف وابقاكم وانا لله وانا اليه راجعون 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق