ابوسنان : اصحاب رامي يزورون قبره ويؤكدون مكانه بالصف سيبقى فارغاً لن يشغره أحد
2014-06-06 22:28:04

وداعا رامي بقلم : الأستاذ بليغ مجدوب- مربي الصف
ليس هناك أشد إيلاما على النفس من أن تتلقى نبأ وفاة إنسان عزيز عليك، كان ذلك يوم الأحد الماضي 1/6/2014، أثناء عودتي للقرية عصرا، وإذا بي أتلقى اتصالا من زميلة لي تستفسر عن هوية الطفل الذي غرق في بركة مياه عادمة، فأجبتها بالنفي، معتقدا أن الطفل ليس من قريتنا، فأجابتني بل أنه من قريتنا وطلبت مني أن أستفسر عن هوية الطفل، وبالفعل أجريت اتصالا بعد ذلك بأحد زملائي والذي أكد لي الخبر، أنه من قريتنا، فصُدِمتُ وقلت له أذن هو من مدرستنا!!!! أعان الله أهله ومعلمته فقد علمت بأنه في الصف الأول، فقال لي: بل أعانك الله أنت، أنه يدرُس عندك في الصف الرابع !!!!.
كانت هذه الكلمات صادمة، هزت كياني، وصُدمتُ صدمة ما زال أثرها في نفسي، ولم أدر كيف تمالكت نفسي أثناء قيادتي السيارة، وكيف سأكمل الطريق، وبدأت تراودني أفكار جمة، وأسئلة عديدة، حتى وصلت البيت. قمت بتجهيز نفسي وذهبت لبيت الفقيد مع شيخ البلد، دخلت ساحة العزاء، ووجدت أباه واقفا يقبَل التعازي، كان منظره واضحا لكل المتأملين، حزين الفؤاد منكسر الخاطر، لم يستوعب بعدُ هذه المصيبة التي حلت به، فتقدمت نحوه مسلِّما عليه ومستذكرا حديثي وإياه عن رامي في المدرسة.
جلست هناك مع المعزين، وأطرقت أفكر بهذه المصيبة التي حلت بنا، وقلت في نفسي: سبحان الله ! أيُعقل أن رامي الذي كنت أحدثه البارحة مات !!! كيف سأتصرف غدا في الصف أمام زملائه؟ ماذا سأخبرهم ؟ وكلهم شهود على حديث دار بيني وبينه قبل وفاته بيوم، حيث طلبت منه الوقوف بجانبي في الصف وحدثته وحدثني، هل سيستوعبون أنه مات ولن يعود؟!
حينها قلت في نفسي: لا بد لي أن أودعه، أقل القليل أن أرسم قبلة على جبينه قبل أن يوارى الثرى، مُسلِّما عليه بالأصالة عن نفسي وأيضا بالإنابة عن طلاب صفه، وهذه ما حدث بالفعل، فبعد صلاة الجنازة عليه، تقدم جده ليودعه ومن ثم تقدم أباه باكيا حزينا ومودعا طفله إلى الأبد، بعدها تقدمت أنا – وهي المرة الأولى التي سأقوم فيها بتوديع ميت- تقدمت نحوه راسما قبلة على جبينه وواضعا كفَّيَّ على خدَّيه قائلا له : رحمك الله يا حبيبي، هذه قبلة وداع مني، ثم رسمت قبلة أخرى : وهذه يا رامي قبلة وداع من طلاب صفك، أسلم عليك باسمهم جميعا، كلهم يحبونك وسيفتقدونك كثيرا، الوداع.
بعدها تراجعت للوراء، وودعه أقرباؤه ثم حُمِلَتِ الجنازة على الأكتاف كي تُوارى الثرى، وشاء الله سبحانه وتعالى أن أقف على حافة قبره، وحينما أرادوا دفنه وجدوا أن القبر بحاجة لإخراج بعض التراب منه، وبينما كانوا يُعالجون الأمر، جعلتُ أنظر أليه وأقول سبحان الله! لا يبدو عليك الموت يا رامي،فوجهك الوجه يجيء بالخير،  فمددت يدي ملامسا إياه للمرة الأخيرة، واضعا يدي على جبينه وعلى رأسه قائلا له: أن العين لتدمع وأن القلب ليحزن وأنا على فراقك يا رامي لمحزونون، كان ذلك آخر عهدي برامي، وكنت آخر من ودعته في هذه الحياة الدنيا.
لم أنم ليلتي تلك، فالمصيبة عظيمة والأفكار بدأت تراودني، يا تُرى كيف هو الموقف غدا؟ كيف سأتعامل مع زملائه في الصف خصوصا وأني كنت قد تلقيت عدة اتصالات من زملاء له يبكون ولا يصدقون الذي حدث. وجاء يوم الاثنين، وتوجهت للمدرسة باكرا لحضور اجتماع طارئ كان الجميع قد دُعوا أليه، كنت جالسا أترقب عقارب الساعة التي قاربت الثامنة صباحا، كان همي كله: كيف سيكون الموقف بعد قليل؟
قُرع الجرس وقمت في صمت متوجها للصف، وقبل وصولي للصف وإذا بإحدى معلمات رامي تنادي علي قائلة: أستاذ بليغ، منذ البارحة وأنا أبكي، لا أكاد أصدق، أنا لن أستطيع الوقوف أمام الطلاب، أنا لا أتخيل أني سأستطيع تحمل هذا الموقف، وأجهشت بالبكاء، فقلت لها: استعيني بالله واصبري، وَلنَرَ كيف ستسير الأمور.
وأكملت طريقي، وما أن دخلت الصف طارحا عليهم السلام، حتى أجهش أحد الطلاب بالبكاء، فنظرت إلى طالب آخر وإذا عيناه تذرفان، وما هي ألا دقائق معدودة، حتى أجهش جميع زملاءه بالبكاء، بل أجهش معظم من دخل الصف بالبكاء، حزنا عليك يا رامي، قد يطول الشرح عما حدث داخل الصف ولكني أكتفي بالقول بأن الجميع أحبوك يا رامي، الجميع يفتقدك يا رامي.
سيبقى مكانك فارغا يا رامي، لن يشغره أحد، كلما مررت من هناك أفتقدك، وأتذكر كيف كنت أمازحك، سيبقى الألم يعتصر قلبي وقلب زملائك كلما نظرنا لمقعدك ووجدناه فارغا.......... ألى جنات الخلد يا رامي.

اصحاب رامي يزورون قبره - وداعاً يا رامي
مكان رامي سيبقى فارغاً لن يشغره أحد
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق