انتقل إلى رحمته تعالى الشيخ المرحوم أبو عزمي صالح بصيص , من دالية الكرمل, مخلفاً ورائه الخلف الصالح والسيرة الطيبة والعمل الاجتماعي  والوطني والقومي الحافل والغني.
شيخنا الراحل والد المرحوم الشيخ أبورامي عزمي بصيص والذي رحل عنا قبل أشهر عديدة , ووالد المربية الفاضلة المناضلة والخلوقة أم اياد نايفة, زوجة رفيقنا أبو أياد فواز أبوالزلف , ابن أخت المرحوم ابوعزمي, واخوانه وانجاله واقاربه المُميزين بالصفات الحميدة والمواقف المُشرفة الاجتماعية  والوطنية, كان بالنسبة لنا ليس أحد الشيوخ وانما الشيخ والراعي والقدوة الحسنة والداعم والمثابر والشجاع المقدام , كنا نخاطبه بكنية  الخال وليس بالصدفة, هكذا اعتبرناه  أسوة برفيقنا فواز ابوالزلف واخوته, وعند السهوات كنا نعطيه كنية العم , لأنه وبالفعل كان لنا الخال والعم والأخ والرفيق والصديق والكبير والشيخ, ليس لأننا كما باقي الناس أو لا سمح الله مُميزين عنهم, وهو ممن كانوا يحبون الناس ويعطون  احترامهم  للجميع, وهذه صفات تُميز الناس الكرام, وانما تقديراً منه  لمواقفنا واعتناءاً بنشاطنا وعملنا الذي كان يهدف كل الوقت للملمة الجراح  الناتجة عن السياسة الرسمية والظروف العاتية ولجمع الطاقات والقوى ولشحذ الهمم المطلوبة  للقيام بالواجبات الوطنية التي فرضتها علينا هذه السياسة ووهن وتراجع وعجز آخرين .. وهذا بالذات كان موضع اهتمام ودعم هذا الشيخ الفاضل لما كان له من بُعد نظر وشمولية الرؤيا.
وأكثر وأجود ما في توجه هذا الشيخ الطيب أنه وفي كل الظروف كان يمنحنا تلك النظرة الثاقبة الحنونة المليئة  بالعاطفة الجياشة , ترافقها تلك البسمة البشوشة المتفائلة التي تزرع بك الثقة والطمأنينة  والثبات والرسوخ المطلوبين.. شئت أم أبيت , وكأنه يدفعك ويقول لك بلطفه المُميز, هيا أقدم وتيسر وتابع السير والمسيرة والصيرورة, ومن أكثر منا , نحن الذين غردنا خارج السرب وسبحنا ضد التيار الجارف وقبضنا على جمرة وجذوة الموقف والوقوف, أحوج لهذه النظرة ولتلك البسمة؟.., أقسِم أن معاملة خالنا هذا الذي ليس أخاً لأمي كانت تؤثر بي وبرفاقي وأصدقائنا أشد التأثير وتشحنني وتشحنهم بأعلى وتيرة من الشحن الايجابي, وهذه هي ميزته وخصوصيته رحمة الله عليه.
وكم كنا ننتشي عند سماع تعليقاته الفلاحية القروية الأهلية المبسطة المُغلفة بالعفوية اللي زيّ العسل الطبيعي النادر الوجود : " شو خبار ابومحمد سميح(شاعرنا الكبير سميح القاسم) الصحيح كتابو (لا توقظوا الفتنة) ممتاز ولازم توزيعه على كل المدارس العربية.. مشواركو الأخير للضفة(المناطق المحتلة) كثير منيح ولا تقصروا معهم هذول أهلنا.., والله نشرتكو الأخيرة عظيمة .. يعطيكو العافية.. كتاباتكو زيّ البلسم على الجُرح, زيارتكو للعراقيب كثير منيحة وهذول أهلنا وواجب دعمهم.., قووا العلاقة مع ابو اياس (سلمان ناطور).., شو خبار ابو الوليد (نايف سليم) والله نشمي.., ديرو بالكو عَ بو فكري (نمر نمر) والله ببيض الوجه وإلو مواقف مشرفة.. موسوعة سبحان من خلقو.., أبو فرات (حنا سويد) زلمه قبضاي وفهمان وجدي اذا رُحتو تزوروه قولولي.., ابوالسعيد (محمد بركة) زكرت وشجاع .. هذا اللي بيستاهل اصواتنا.."  وغيرها من الملاحظات الغنية والعميقة.
نعم هذا هو الخال الكريم الصادق الصدوق العطوف الداعم الأبيّ ابو عزمي وهذه هي توجيهاته وبياناته المختصرة الشاملة العميقة , فيها مقارعة للفتنة وأصحابها, تقدير وتشجيع للأدب والأدباء, الدفاع عن الأرض وكل ما يتعلق بها, التأكيد على وجوب اهتمامنا كشعب واحد ببعض , التأكيد على الأصح والوطني والمُجدي والافيد واختيار الحلفاء والقوى الأضبط , هذا هو الشيخ العامل والفلاح العادي الوطني الصادق هذا هو الخال ابو عزمي.
الإمام علي كرّم الله وجهه قال: إنّ الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء. أي أن الحق هنيء حميدُ العاقبة وإن ثقل، أما الباطل، وإن خفّ، فهو وخيم العاقبة , ونحن نقول ونكتب هذه السيرة ليس من باب آخر سوى قول كلمة حق ولتوثيق عناوين هذه السيرة الطيبة , لتخزين تفاصيلها في قلوبنا وضمائرنا ونفوسنا ومشاعرنا وعقولنا , لتنير لنا الطريق الشائك المزروع بالألغام والحواجز والعقبات, زرعوها أمامنا متوخين تراخينا ويئسنا لقلعنا من أرض الآباء والأجداد أرض الوطن الذي لا وطن لنا سواه ,  والذي سيبقى مغروس فينا ونحن مغروسون فيه , رغم من يحلم بأن تبقى هذه الأرض "دولة لليهود" وكما تُخطط خفافيش الظلام المتناسية اننا هنا باقون, ما دام عندنا مشايخ وشرفاء امثال هذا الراحل الباقي الغالي.
الرحمة لفقيدنا الغالي ولتبقى ذكراه طيبة مُعطرة.
(الكاتب رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية)