بسم الله الرحمن الرحيم . لا خُلود لبشرٍ مهما علا قدره ومكانته عند الله سبحانه وتعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون . صدق الله العظيم
شيّعت دالية الكرمل قبل قليل جثمان فقيدها المرحوم أبو محمد نور الدين حلبي إلى مثواه الأخير ، في جنازة مُهيبة إشترك فيها حشد كبير من الكرمل والجليل وهضبة الجولان وغيرها من المناطق والبلدان .
إفتتح أبو يوسف رفيق حلبي الحديث وجاء على ذكر صفات المرحوم قائلا : " قد كنت يا شيخنا نِعْم الجار الوفي ، الصادق ، الأمين ، الغيور ، التقي ، الكريم والسخي . كنت السند والتاصح والحكيم . كنت نظيف اليد والضمير . لقد كنت واضحاً حتّى تخّوف البعض من صراحتك ، وصريحاً حتّى إرتعش البعض من وضوحك . كنت شجاعاً يا رجل المواقف . شجاعاً في لبنان الشهامة وسوريا الصمود . لقد كنت سفيراً بشخصك الموّقر .
عشت أيه الجار من العمر ثلاثة وتسعين عاماً . عشت حرّاً ومتّ حرّاً . متّ حكيماً في التّوحيد ، ملّماً في الحديث والأصول واللغة والأدب .
رحمة الله عليك يا أبا محمد ، يا شيخ الطهارة والإيمان .
وجاء بعد هذه الكلمة المؤثرة دور الشيخ أبو حسن موفق طريف ليلقي بكلمته حيث قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم . ألحمد لله على ما أنعم وأولى ، والشكر له على ما قدّر وأبلى . حكمه لا يُدفع ، وأمره لا يُمنع ، له القدرة والعظمة والبقاء ، وله الملك والملكوت والعز والكبرياء ، وهو على كل شيء قدير ، وإليه المرجع والمصير .
شيوخنا الأفاضل ، أيها الحضور والمشيعون الأكارم . لقد شاء القدر بأن نقف اليوم معاً موقف العِضَة والعبر ، موقف العزاء والبلاء والصبر
أمام وقوع مشيئة الخالق سبحانه ، وأمام رهبة الموت الذي لا مهرب منه ولا مفر ، لنودع الفقيد الراحل ، الشيخ الدّيان الجليل الفاضل ، الشيخ أبي محمد نور الدين الحلبي ، تغمده الله برحمته ، وأسكنه فسيح جنّته .
لقد إنحدر الراحل الكريم ، الشيخ أبو محمد نور الدين من عائلة عريقة الحسب والنسب ، لها مكانتها الهامة دينيا وزمنيا وإجتماعيا ، ولقد ترعرع في بيت المرحوم الشيخ أبو صالح ذياب حلبي الذي رافق بدوره سيدنا الشيخ أبي يوسف أمين طريف طّيب الله ذكراه وثراه ، ونشأ على طريق الخير والديانة ، فتربى تربية دينية صالحة .
لقد عرف المرحوم لدى الجميع بأنه رجلا كريم النفس ، حسن الأخلاق ، ريّض المعشر ، طيب القلب ، مقبولا ، متواضعا ، خلوقا ،صاحب النوايا الحسنة والصفات الحميدة والخصال النبيلة والمناقب الجميلة . ولقد كانت للمرحوم أعمال خيرية كثيرة وتبرعات وصدقات على نّية الخير توّجها تبرعه للأهل في لبنان .
لقد عاش المرحوم حياته على الطاعة وإنتقل مزودا بالتقوى والإيمان ، معروفا مقبولا لدى كافة شرائح المجتمع ، مشاركا لسائر الناس في السراء والضراء . كان الرجل المعطاء ، الكريم النفس والأخلاق ، صاحب البيت العامر المفتوح ، وراعي الفضل والبذل والعطاء .
لقد تولى المرحوم بدوره منصب القضاء لفترة طويلة من السنين ، خدم من خلالها المجتمع والطائفة بأمانة وإخلاص ، وقام بالواجب القضائي والإنساني خير قيام .
كان المرحوم وجيها من وجهاء هذا المجتمع ، مقداما في صفوفه ، ملما بالمواقف .
عاش المرحوم على قدم الطاعة وعلى أعمال البر والتقوى والأمانة ، ورحل مزودا بذخائر التوحيد والصلاح ، وتوفي عليها ، وأنجب أنجالا دّيانين ومحترمين نفتخر بهم ونقدرهم ونتمنى لهم الخير والعمر المديد .
وأخيراً ، فإنني أتقدم بأحر التعازي وأصدق المشاعر بمواساة الأخوة أفراد عائلة حلبي الأكارم ، وخاصة أنجاله وأنسبائه المحترمين ، وأسأله تعالى يعوضنا بسلامة حضراتكم جميعا ، وأن يبقي الخلف صالحا كمن سلف .
للراحل الفقيد العزيز الشيخ أبي محمد نور الدين الرحمة ، ولكم من بعده طول البقاء ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
تقّدم بعدها السيخ أبو أحمد طاهر أحمد أبو صالح ، ألمرجعية الدينية في هضبة الجولان ، لإلقاء كلمته حيث قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
مشايخنا الأفاضل ، إخواننا آل حلبي الأعزاء ، أيها السادة المشيعون الأكارم . ألحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، نحمده في السراء والضراء ، ونشكره في الشدة والرخاء ، بما أفاض علينا من نعمة ، وخصنا بنعمة الموت الذي لا مهرب منه ولا فوت ، فسبحان الله الدائم الباقي الحي الأزلي الذي لا يموت .
إننا نقف اليوم لنشيع شيخا جليلا وعلما من أعلام طائفتنا المعروفية الكريمة ، وعينا من أعيانها ، وركنا من أركان الدين ، ورمزا من رموز هذا المجتمع الكريم ، فحقا كما قيل : إن فقد الأعيان من تعس الزمان .
لقد إفتقدنا قبل يومين الشيخ ربيع واليوم الشيخ أبو محمد نور الدين الذي عرفناه تقيا ، ورعا ، كريما ، صاحب البيت المفتوح أمام زائريه وقاصديه ، لا يعرف إلا العمل والجد في سبيل خدمة أبناء طائفته ، ولا يعرف إلا قول الحق دون خوف ولا وجل ، خاصة أثناء عمله كقاضي في محكمة الإستئناف .
عرفنا به الصدق والأمانة والتقى والرزانة ، عرفنا به التضحية والعطاء والتفاني في سبيل رفعة هذه الطائفة وعلو شأنها ، لذا كانت خسارتنا به لا تعوض .
نعم أيها الشيخ التقي ، لم يخسرك الكرمل فقط بل حسرك الكرمل والجليل والجولان ، لا بل الطائفة في كل مكان . فنحن إلى أرائك ومشورتك أحوج ، وإلى حكمتك ومسلكك أشوق ، كيف لا وأنت العلم المفضال والمؤمن الطائع والصادق الأمين . حملت وتحملت أمانة هذه الطائفة من خلال موقعك البارز بها ، فكنت خير من حمل الأمانة وخير مخلص في العمل ، فقمت بخدمتها ورفع شأنها ، فجازاك الله عنا خيرا . وعزاؤنا بأبنائك وأقربائك من بعدك الذين يبذلون ما بوسعهم في سبيل خدمة هذا المجتمع .
تغمدك الله يا شيخنا الجليل بالرحمة والرضوان وخصّك بجزيل النعمة والغفران ، وأسكنك فسيح الجنان ، وألهمنا الله وأبناءك وأهلك وذويك جزيل الصبر والسلوان .
ولعموم أبناء الطائفة في كل مكان أحر التعازي ، ولا أرانا الله على أحد منكم مكروه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، والسلام عليكم .
ثم نقل الشيخ التعازي من سوريا قائلاً : كما وكلفنا بنقل تعازي مشايخ العقل والشيخ أبو كمال محسن الخطيب من الجبل العامر ، والشيخ أبو حسن محمود حسون من حضر ، بالشيخ أبو محمد نور الدين والشيخ ربيع حلبي ، رحمهما الله .
وتقرّر اليوم في مقام عين الزمان عليه السلام موقف تأبين من الساعة الخامسة حتى السادسة مساء ، وسحرة على روح الشيخين في مقام عين الزمان في السويداء . وإختتم الكلمات نجل الفقيد ، الشيخ أبو رفيق محمد نور الدين حلبي حيث قال : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالو إنا لله وإنا إليه راجعون . صدق الله العظيم .
الحمد لله أبد الآبدين ، والشكر للمصطفى الهادي الأمين ، الحمد لله الذي حكم بالموت على الخليقة ، فلا منه مناص ولا مهرب ولا طريقة ، وهي أحكامه جل وعلا حقيقة ، لا بد من شرب هذا الكأس لكل أحد ، فهو عمر محتوم لا زيادة ولا نقصان إن كان والدا أم ولد ، فلا دائم ولا باقي غير الواحد الأحد .
نقف اليوم عاجزين أمام حكم الحق ، راكبين جواد القناعة ، متسلحين بقيد الرضى وعزم التسليم ، خاضعين للحكم المبين ، عين دامعة على الفقد الأليم ، وعين خاشعة من الموروث العظيم .
فقدنا لوالدي وشيخي هو وقع جلل ومصاب أليم ، فقد رحل عنا والدي بالأمس عن عمر ناهز الثانية والتسعين عاما ، قضاها على طريق الحق ومسالك الهدى والسّدق ، فبمساعدته لإخوانه والمجتمع صفت روحه ونقت ، وبكرمه وحسن أخلاقه علت ، وبجزيل صدقته إرتقت ودخلت رحمته تعالى من أوسع أبوابها مزودة بمسك الأعمال وطيب النوايا ، راضية مرضية ، فهنيئا لروحك الطاهرة يا والدي ، رحمك الله .
أيها المشايخ الأفاضل ، ألمشيعون الكرام ، حرصاً على راحة حضراتكم ، وعرفانا منّا لجميعكم ، لن نطيل الحديث ، فبعد ما قيل نقف والألسن عاجزة عن النطق بشمائل الراحل الفاضل وخصاله وأعماله الصالحة ، رحمة الله عليه . فبالإصالة عن نفسي والإنابة عن عائلتي آل الحلبي ، نتقدم لحضراتكم بأسمى آيات الشكر وأصدق معاني الإمتنان لمشاركتكم مصابنا ، ونقول : إن الأمس ماضٍ واليوم واعض وغدا مغتنم ، ونحن وإياكم في قبضة مالك ، وهو المنجي من المهالك . فرحم الله والدي ، وأمد سبحانه بأعماركم ، ووافاكم عنّا كل خير ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
لطفا ورجاء الأخذ بالخاطر بعد مواراة الجثمان الثرى ، ولكم جزيل الشكر والتقدير .
هذا وشيّع المشيعون جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير بجانب بيته وخلوته وضريح والده ، تلاه الأخذ بالخاطر ليتفرق كلٌّ إلى طريقه .