يوم الأرض "الدرزي"!
بمبادرة اللجنة المعروفيّة للدفاع عن الأرض والمسكن، عقد يوم ال23 من آذار في يركا مهرجان كبير، وفي مقدّمة الحضور كان الرئيس الروحي للطائفة الشيخ موفق طريف وقيادات تقليديّة أخرى، وبرزت فيه القيادات الوطنيّة العربيّة الدرزيّة، فهل سيعيد هذا التحرّك وهذا الحضور الهيبة المفقودة؟! 
الوقفة الأولى... مع المعسكرات
قال طرفة بن العبد: تريعُ إلى صوت المُهيب وتتقي ----- بذي خُصَلٍ روعاتِ أكلَفَ مُلبِدِ .
أعداء حقوق العرب الدروز في البلاد وأكلتُها كُلفٌ ملبدون (وحوش)، ولم يعُد على هذا خلاف بين زعيم تقليديّ ولا وطنيّ أصليّ ولا عند عامة الناس، بعد أن سقطت كل الأقنعة عن وجه المؤسسة الإسرائيليّة أو عن وجوه من راهنوا عليها، سقوطا مدويّا.
الخلاف ما زال قائما فقط حول سبل التعامل مع هؤلاء الأعداء أكلة الحقوق، وبين معسكرين، الأول التقليديّ (نحن لا نتكلم عن الأزلام) الذي يرى أن المحاباة والمراضاة والتزلّف والولائم الدسمة والتهديد الذي لا رصيد له هي الطريق لنيل الحقوق، فينال في أحسن الأحوال فتات وحتى هذا صار لا يكفي الرمق. والثاني الوطني الذي يرى في التصدّي والمواجهة طريقا، ولكنه منقسم على نفسه ولأسباب ذاتيّة وفي الكثير من المواضع لا مبرر لها، وهذا فتح الطريق أمام متسلقين طفيليّين على العمل الوطني من باب هذا الانقسام (لا هم في العير ولا في النفير ولا كانوا) ولدواع انتهازيّة وأحيانا أكثر وأخطر من ذلك، ووجدوا من ينميهم لدوافع حزبية انتخابيّة، بينها وبين العمل الوطنيّ "طلاق بائن".
هذا الوضع أفقد الجانبين الهيبة، وبغياب هيبتك لن "يكيّل في صاعك" لا عدو ولا خصم ولا صديق. فالتوجه التقليدي التبعيّ للمؤسسة لم يحقق للعرب الدروز حقوقهم، لا بل كل مواطن يعرف اليوم إلى أي درك تدنت أوضاعنا في شتّى مجالات الحياه. والتوجه الصداميّ لم يفعل فعله لا في مواجهة المعسكر التقليديّ ولا في مواجهة السلطة ولا حتّى في كسب الهيبة المطلوبة في الصف الوطنيّ العام، وكل ذلك بسبب غياب الوحدة في العمل لا بل أكثر من ذلك لأنه طغت على المشهد الكثير من الصراعات الذاتيّة مسّت الهيبة في الصميم.
الوقفة الثانية... مع "التحصين الوطني الإسرائيلي"
مؤتمر هرتسليّا السنوي في دورته الثامنة شباط 2010 خلُص فيما يخّص الدروز في باب بحثه "الحصانة الوطنيّة الإسرائيليّة" إلى النتيجة التاليّة: "في العقد الأخير تدنى مستوى الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الدروز إلى 1.6 (واحد فارزة ستّة) في سلّم من 6 نقاط في حين كان في بداية العقد 4 نقاط من أصل 6 نقاط. ولأول مرّة تتعدّى نسبة المتهربين (بلغة البحث) من الخدمة العسكريّة الإجباريّة ال%50. وأضاف: على ضوء هذه المعطيات، نحن في صدد فقدان مجموعة صديقة، وهذا خطر يجب علينا العمل على تلافيه". (راجع تقريرا مفصّلا صدر غداة المؤتمر في صحيفة كل الناس بقلم محررها الصحافي وديع عواودة).
أمّا مؤتمر هرتسليا في دورته الثالثة عشرة مؤخرا، خلُص إلى أن: "العلاقات بين العرب الدروز وإسرائيل تشهد استمرارا في التدهور، فقد ضاقت الفوارق في الشعور بالوطنية الإسرائيليّة بينهم وبين بقيّة العرب واتسعت بينهم وبين اليهود". (راجع ورقة العمل التي قدّمها بروفيسور جبريئيل بن دور في المؤتمر، وتقريرا في صحيفة حديث الناس 1532013).
نتائج هذا البحث تداولتها وسائل الإعلام في الأسبوع الفائت ممّا حدا بالنائب حمد عمّار وبعد أن "خلا الميدان لحميدان" أن يقف على منصّة الكنيست يطمئن أسياده قائلا :" أنا لا تهمني الاستطلاعات ما يهمني هو الواقع وأنا أعرف الواقع أكثر من الاستطلاعات (!)".
هذه الأبحاث التي أحرجت المعسكر الأول التقليدي وتزيد من فقدان هيبته في مواجهة المؤسسة أكثر وأكثر، يجب أن يحضّ المعسكر الوطنيّ على لمّ الشمل ولفظ المتسلقين الطفيليين، وفي هذا تعزيز هيبته في وجه المؤسسة والمعسكر التقليدي، وكذلك في البيت الوطنيّ العام.
الوقفة الثالثة... وخدمة البنات الوطنيّة
طغت على الساحة في الأسابيع الأخيرة الأرقام الضخمة لعدد المتطوعات من الفتيات الدرزيات في "الخدمة الوطنيّة"، ممّا أثار الصدمة في أوساط واسعة في الطائفة. إذ تبيّن وفق معطيات "دائرة الخدمة المدنيّة الوطنيّة" أن هنالك 1250 فتاة درزية يخدمن في "الخدمة الوطنيّة"، 520 من قرى المغار وبيت جن وعين الأسد وساجور وشفاعمرو والدالية وعسفيا، و730 من بقية القرى، وقد سجّلت المغار أعلى رقم إذ أنه يخدم اليوم 118 فتاه و189 فتاه مسجلّات للبدء في بداية السنة الدراسيّة القائمة.
ولفهم الصورة لا بدّ من الإشارة إلى الوضع عند بقيّة العرب:
عام 2005: بلغ العدد 1473 منهم %92 من البنات. عام 2010 : 1400 متطوعة عربيّة و-152 متطوعا.
عام 2011: 1550 متطوعة ومتطوعا. عام 2012: 2300 . عام 2013: 2800 . ومخطط للعام 2014: 3280 متطوعة ومتطوعا.
أمّا "المغريات" التي تقدمها الدائرة فهي: منحة بقدر 32 ألف شيكل خلال سنتين لغرض الزواج أو بناء بيت أو التعليم، علما أن القسط الجامعي للسنة هو قرابة ال13 ألف شيكل (هذه المكافأة تمنح في نهاية الخدمة طبقا لقانون استيعاب الجنود المسرحين!!! ). هذا بالإضافة إلى 900 شيكل أجر شهريّ وبطاقة سفريّات مجانيّة إلى جميع أنحاء البلاد. ضِف إلى ذلك المساعدة في دورات البسيخومتري وتوجيه دراسي لمواضيع حيويّة ومغريات أخرى (!).     
وكان قد شهد هذا المخطط تجاه الفتيات الدرزيّات منذ انطلاقته "اللصوصيّة" من وراء ظهر القيادة المذهبيّة قبل سنوات عدّة، محطّات كثيرة، وبين صمت وعدم تصدّ استفحل. قبل سنة وفي مقابلة مطوّلة مع الشيخ موفق طريف في صحيفة الصنارة تحدثّ عن 279 فتاة إلا أن الأرقم أعلاه هي ثلاثة أضعاف (!). واتخذ المجلس الديني بقيادة فضيلته قرارا بإلقاء الحرم على المتطوعات وذويهن، ومؤخرا استنفر منتدى الرؤساء الدروز والشركس والقيادة الدينيّة وأصدروا بيانا شديد اللهجة ضد هذه الخدمة والويل والثبور للمتطوعات وذويهن!!!
أولا: "المرجلة" يجب أن تكون على المؤسسة لوقف هذا المخطط والامتناع عن تنفيذه وإيجاد بدائل أمام الفتيات طالبات العلم، وليس على الضحيّة الفتيات وأهاليهن، هؤلاء الفتيات هنّ ضحيّة أوضاع اقتصاديّة مترديّة تمنع من أهاليهن تحمّل مصاريف تعليمهنّ وليس معنى هذا إعطاءهم العُذر.
ثانيا: وعودة على "الهيبة المفقودة"، تمادي المؤسسة على تنفيذ المخطط ورغم الموقف الصارم للقيادة الدينيّة والسياسيّة لهو أكبر دليل على الاستخفاف بهذه القيادات بغياب هيبتها وليس أمام المؤسسة وحسب وإنما الناس أيضا، وعلى القوى الوطنيّة استثمار هذا الوضع للرفع من هيبتها.             

الوقفة الرابعة...عودة على بدء
قال ابن مقبلٍ: وما تهيبُني الموماةُ أركبُها ----- إذا تجاوبت الأصداء بالسحر.
أعداء حقوق العرب الدروز وأكلتها موماةٌ (فلاة) قاحلة لا خير فيها ولا أنيس، وإن لم تركبها غير هيّاب ركبتك وهذا هو الحاصل... فهل من مرعوِ؟!