إمكانيات صاحب المصلحة الصغيرة في مواجهة العصا الغليظة لضريبة الدخل
2012-05-31 11:36:23

فؤاد معدي محام متخصص في القضايا الضريبية, مدقق حسابات, وخبير اقتصادي
إن "سلطة الضرائب" هي المؤسسة المسئولة عن جمع إيرادات الدولة من الضرائب (أهمها ضريبة الدخل, ضريبة القيمة المضافة, وضريبة الأملاك). بحكم وظيفتها, تجمعت لدى هذه السلطة قوة كبيرة وغير عادية, ولا نبالغ إذا قلنا أنها من أقوى الأذرع الحكومية, إن لم تكن الأقوى. عملياً, هذه المؤسسة هي القلب الذي يضخ الدماء في شرايين الدولة المتشعبة. كجزء من عملها تقوم سلطة الضرائب باختيار مصالح معينة ولأسباب مختلفة من اجل إجراء تدقيق مفصل ومعمق في دفاترها الحسابية. الموظفون الذين يقومون بعملية التدقيق يشعرون بامتلاكهم لسلطة كبيرة, وهو أمر صحيح إلى حد كبير, مما يجعلهم متشددين في تعاملهم مع أصحاب المصالح التي يقومون بفحصها. وهنا تطرح عدة أسئلة مثل, ما هي حدود القوة التي تمتلكها هذه السلطة في عملية التدقيق, كيف تؤثر هذه القوة على سلوك موظفيها, وما هي الإمكانيات المتاحة لصاحب المصلحة الصغيرة إذا تمادوا في تقديراتهم الضريبية.
وهنا أود أن اعرض أمامكم حالة قمت بعلاجها كمحامٍ, وقد ترافعت فيها دفاعاً عن صاحب مصلحة صغيرة نسبياً وجد نفسه في مواجهة العصا الغليظة لسلطة الضرائب. لقد بدأ هذا الملف في مكاتب ضريبة الدخل حين دعي صاحب المصلحة لجلسة تدقيق في دفاتره الحسابية. جدير بالذكر أن عملية التدقيق والتفتيش هي مرهقة للأعصاب ومليئة بالضغوطات, ومهما حاول صاحب المصلحة أن يدير مصلحته بالشكل الصحيح وان يقوم بإدارة دفاتره الحسابية على أحسن وجه وبحسب القوانين, غير أن الأخطاء تحصل وفي كثير من الأحيان بغير قصد.
في المرحلة الأولى قام مفتشو ضريبة الدخل بفحص الملف بشكل سطحي, ودار حديث أولي لإغلاق الملف بتسوية يدفع بموجبها صاحب المصلحة مبلغاً من المال لخزينة الدولة. لكن الأمور لم تنته بالتوقيع على تسوية وآثر مفتشو الضريبة أن يتابعوا فحصهم للحصول على معلومات إضافية حول المصلحة. استمر الفحص بعد ذلك, حيث قام موظفو الضريبة بفحص ومقارنة بيانات الثروة في نقطتين زمنيتين مختلفتين ومدى ملاءمتها لدخل العائلة, فحص الربح الأولي الخام للمصلحة ومقارنته مع جداول وإحصاءات الربح الخام التي يعتمد عليها موظفو ضريبة الدخل في عملهم وهي تحتوي على معلومات حول معدلات الربح الخام في كل مجال اقتصادي, فحص الإيداعات في الحسابات البنكية للمصلحة, وأمور أخرى. بعد هذه الإجراءات تشدد موظفو الضريبة أكثر في موقفهم, وتداول الطرفان اقتراح بإغلاق الملف على أن يدفع صاحب المصلحة مبلغاً أكبر من المال, ولكنه رفض ذلك. بالتالي قام مفتشو الضريبة بإصدار أوامر ضريبية أحادية الجانب تنهي المرحلة الأولى من الفحص وتلزم صاحب المصلحة بدفع مبلغ كبير.
صاحب المصلحة قدم استئنافاً ضد الأوامر الضريبية التي صدرت, وانتقل الملف إلى مرحلة ثانية من الفحص والتدقيق حيث يقوم بفحصه مفتش ضريبة آخر. وهنا بدأت المراجعة الضريبية من جديد وكانت هذه المرة أعمق واشمل, وعندما لم يوافق صاحب المصلحة على اقتراح مفتش الضريبة لإغلاق الملف بتسوية يدفع بموجبها مبلغاً من المال قام هذا الأخير باستصدار أوامر ضريبية في نهاية مرحلة الاستئناف تلزم صاحب المصلحة بدفع ضريبة تزيد عن 350,000 ش.ج. هذه النتيجة تظهر جلياً شعور موظفي الضريبة بأن السلطة الممنوحة لهم هي غير محدودة.
حتى هذه المرحلة واجه موكلي العصا الغليظة لسلطة الضرائب بدون مرافقة قانونية. وكان أمامه خياران أحلاهما مر, الأول هو أن يقبل الأوامر الضريبية التي صدرت, وان يدفع مبلغاً ضخماً بالنسبة له قد يؤدي إلى انهياره اقتصادياً. الثاني هو أن يتابع في معركته الصعبة والمضنية وان يقدم استئنافا للمحكمة المركزية ضد الأوامر الضريبية التي صدرت. وقد اختار موكلي الخيار الثاني في النهاية, وهو قرار شجاع لان قليلون هم الذين يملكون الجرأة للمتابعة حتى هذه المرحلة, وبشكل عام اغلب هذه الملفات يتم التوصل فيها إلى تسويات في المرحلة الأولى من التدقيق ألضريبيي, وقليل من الملفات في المرحلة الثانية أي مرحلة الاستئناف في سلطة الضرائب, ونادرة هي الملفات التي تصل إلى مرحلة الاستئناف في المحكمة المركزية. ولكن في هذه الحالة وفي هذه المرحلة لم يكن أمام موكلي أي خيار سوى أن يتابع جهوده للحصول على نتيجة ضريبية صحيحة وعادلة.
يمكن القول أنه فقط في هذه المرحلة يحصل بعض التوازن بين القوى الفاعلة في هذه الملفات, سلطة الضرائب وقوتها الغير محدودة الموارد من جهة, والمواطن المحدود القدرات والموارد من جهة أخرى. السلطة القضائية هي سلطة مستقلة إلى حد ما, وهي تقوم بإضفاء بعض التوازن في معادلة القوة غير المتوازنة بين المواطن وسلطة الضرائب. وبدأ الطرفان بتوجيه من المحكمة هذه المرة بمفاوضات جديدة من اجل التوصل إلى تسوية يدفع بموجبها صاحب المصلحة مبلغاً يمثل الضريبة الصحيحة والحقيقية. في نهاية هذه المفاوضات الطويلة تم التوصل إلى تسوية منطقية تمثل الوضع الحقيقي لدافع الضريبة ولا تتأثر بأهواء موظفي الضريبة, يدفع بموجبها موكلي ضريبة تصل إلى ما يقارب 50,000 ش.ج. في السنوات التي كانت موضوع الإشراف الضريبي, يضاف إليها فائدة مالية بحيث يصل المبلغ الإجمالي إلى ما يقارب 97,000 ش.ج., والسبب في أن الفائدة المالية عالية هو أن التدقيق الضريبي تطرق للسنوات 2005 – 2008. بكل الأحوال, الضريبة النهائية أقل بما يزيد عن 250,000 ش.ج. من المبلغ الذي فرضته سلطة الضرائب على صاحب المصلحة.
النتيجة التي توصلنا إليها هي ليست الأمثل باعتبار أن صاحب المصلحة اضطر إلى دفع مبلغ من المال ليس بالقليل, ولكنها في الظروف الحيثية للملف أفضل ما يمكن التوصل إليه. كثير من المصالح تواجه التدقيق والإشراف الضريبي, وعادة ما يكون الإشراف في غير صالحهم لان وصول الملف إلى هذه المرحلة يلزم صاحب المصلحة بوضع موارد كثيرة لإنهائها بشكل معقول. احد أسباب هذا الأمر هو أن موظفو الضريبة يحصلون على علاوات بحسب الضريبة التي يستطيعون جبايتها في هذه العملية, من هنا فلديهم مصلحة حقيقية بالوصول إلى نتيجة يدفع بموجبها المواطن صاحب المصلحة مبلغ ضريبي اكبر, فكلما كان هذا المبلغ اكبر حصلوا هم على علاوة أعلى.
مهم جدا أن نعي أن لكل سلطة حدودها في نظام ديمقراطي مبني على التوازنات ما بين السلطات. إن دخول القضاء في هذه القضايا هو ضمانة إلى حد ما لمنع تمادي موظفو الضريبة في التعامل مع المواطن العادي المحدود الإمكانيات. ولا نوهم أنفسنا بان هذه الضمانة هي أكيدة وموجودة في كل الحالات والمواقف, فتأثير سلطة الضرائب موجود حتى في القضاء والسلطة التشريعية, فهنالك العديد من السوابق القضائية والقوانين التي تمنحها أفضلية على المواطن. ولكن إذا اضطر صاحب المصلحة أن يخوض مثل هذه التجربة فمهم جدا أن يبحث عن أخصائيين في القضايا الضريبية لديهم القدرة على عرض موقف وبيانات المواطن بشكل أفضل أمام المحكمة لأن هذا قد يوفر على المواطن مبالغ ليست قليلة من المال. وأخيرا أقول أن سلطة الضرائب هي مؤسسة قوية, ولكن سلطة الشعب هي الأساس, ومهم جدا أن يدافع المواطن عن نفسه أمامها وان لا يتردد في رفض تسويات غير عادلة في مثل هذه الحالات. وكما قال موكلي, صاحب المصلحة الذي مثلته في هذه القضية, "لو كل شخص قال لهم لا وواجههم بالقضاء لكانت تقديراتهم الضريبية أكثر واقعية".
 * ملاحظة: المواد القانونية المعروضة في هذا المقال لا تمثل رأياً قانونياً أو استشارة قانونية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق