يانوح تودع شيخان صالحان تقيان ومصلحان إجتماعيان
2010-05-25 20:32:57

من غالب سيف - يانوح

قبل فترة وجيزة ودعت قرية يانوح الجليلة الوادعة الآمنة الرازحة الصامدة وجماهير غفيرة من وسطنا العربيّ المرحومان الشيخ ابومحمد اسماعيل فرج ( 92 عاما) والشيخ الأستاذ ابوعامر حمد سيف ( 70) عاما , ولِما كان للفقيدين العزيزين من مكانة دينية واجتماعية وشعبية خاصة ومُميزة بامتياز , أرى من الواجب تدوين سيرتهما تخليدا لذكراهما وتوخيا بأن تكون هذه السيَّر والمآثر نموذجا ونبراسا ومثالا لنا وللذين سيخلفوننا , خاصة في هذه المرحلة من التطور في عالمنا أو ما يسمونه "القرية العالمية" والمُميّزة بمظاهر العولمة الشاملة والملمة والمسيطرة الطاغية .. والتي في نواحي كثيرة ومعروفة منها مليئة بالحالات والنواحي السلبية , والمنافية في غالب الأحيان , للحياة الشريفة العفيفة النظيفة والتي يجب أن ننشدها وفيها المصلحة والاستقرار والطمأنينة , وهذه النواحي ملطخة بالكثير الكثير من الأمور المتناقضة مع قِيَمِنا وأخلاقنا العربية الإسلامية الحميدة والشريفة والمفيدة .

المرحوم الشيخ ابومحمد اسماعيل فرج

هذا الشيخ الجليل والفلاح المجتهد قضى ال- 92 عاما التي عاشها وهو على رزق الحلال , ومنذ نعومة أظافره وحتى مماته كان رجلا دَيان , لا بل من الأركان المعتبرين جدا للدين , كان ابنا للمرحوم الشيخ ابوقاسم محمد فرج إمام القرية وأخا لإمام البلد الحالي الشيخ ابوعلي مهنا فرج أطال الله بعمره , وفقط قبل يومين من وفاته كان يفلح أرضه بنشاط , يا ما شاء الله ,( في أرضه المجاورة للمنطقة الصناعية ألتوفانية) والتي وصلها راجلا .

فقيدنا الغالي وفقيد المجتمع عامة كان مصلحا اجتماعيا من الطراز الأول من حيث الثقة العالية التي منحته إياها الناس وبجدارة وكتحصيل حاصل لسلوكه وأدائه المميز , حفظ أمانات الناس , كتب وصاياهم وحفظها لهم  بما فيه وصية كاتب هذه السطور , شارك الناس في أفراحها وأتراحها , كان له الباع الطويلة بحل قضايا العائلات والأشخاص والأكثر تعقيدا منها , شارك في الكثير من المظاهرات التي تتعلق بالمساواة والدفاع عن الأرض , وكان المرافق الأبدي لأخيه الشيخ ابوعلي مهنا فرج والذي له الكثير ألكثير من المواقف المشرفة والأيادي البيضاء في الدفاع عن الأرض والحقوق وفي سبيل تحصيلها . رحم الله شيخنا الصالح المصلح الراحل والباقية ذكراه العطرة الزكية واسكنه فسيح جناته ولتبقى ذكراه ومسيرته منارة ومصدر إشعاع أمامنا جميعا .

المرحوم الشيخ الأستاذ ابوعامر حمد سيف

اسمحوا لي بأن أشير بأن عامل القرابة مع المرحوم لن يجعلني أخرج عن التقييم الموضوعي لهذا الراحل الفذ والشيخ التقي والأستاذ الأستاذ , كونه كان من أكثر من عرفتهم من الناس الملتزمين بالتقيُد بالموضوعية وعدم الابتعاد لا عنها ولا عن حقيقة الأمور .

عاش المرحوم هو وأخيه وأخته من والديه يتيما ومنذ الصغر , إلا أنه لم يستسلم للظروف القاهرة هذه وتحداها بهدوء وبجدارة وبنجاح قل نظيره , وكان من أول 3 خريجين في القرية من الثانوية (في كفرياسيف) ومن أول من تخرج من دار المعلمين العرب في يافا وبتميُز , ومن أوائل المعلمين من أبناء القرية , وبهذا كان من أوائل من شقوا طريق العلم والمعرفة للأجيال الآتية , وليس صدفة ان يصبح مديرا للمدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية ( اليوم المدرسة الابتدائية على اسم المرحوم سلمان فرج) , وليس صدفة أنه أبلى أحسن بلاء في تعليم أولادنا , وعلى سبيل المثال لا الحصر , في التسعينات وعندما تم انتخابي لأكون رئيسا للجنة الأولياء في مدرسة ترشيحا الثانوية الشاملة المشهورة بمستوى تحصيلها , كان القسم العلمي وفرع الألكترونيكا منه الصف المُميّز في المدرسة وبأنه أعلى مستوى فيها , وكان عدد طلابه 17 طالبا كان منهم 6 طلاب من خريجي مدرسة الشيخالأستاذ حمد سيف .. , الأمر الذي يعكس مدى تفانيه والهيئة التدريسية في حينه في سبيل توفير كل الفرص لحصول أولادنا على مستوى تعليمي رفيع , وهذا الأمر يشكل مثلا ونبراسا للآخرين اليوم وتحديا عزيزا ومطلوبا وصارخا أمامهم نأمل أن ينير خطاهم وسلوكهم .

 بالإضافة لكون المرحوم رجل تربية وتعليم كان أيضا مصلحا اجتماعيا من الطراز الأول والمُميّز , حيث أقام جمعية المياه للشرب في القرية وترأسها وأدارها على مدى عشرات من السنين وبتطوع , إلا أن تم تسليمها لمجلسنا الإقليمي في حينه "مركز الجليل" , وعندما جاء وقت التسليم ذُهِلت الناس من الرصيد الكبير الموجود في صندوقها , الأمر الذي عكس مدى تفانيه في المحافظة على مصلحة الناس وأموالها العامة .

المرحوم كان رجلا سياسيا من الطراز النادر جدا جدا .. في تعامله المستقيم والجريء والشجاع والهادئ والثابت , يعني شيء غير شِكِل بتاتا . أنتخب ليكون رئيسا للمجلس الإقليمي مركز الجليل , حيث كان من أوائل الرؤساء الشباب المتعلمين والمثقفين , ولم تطول المدة حتى جاءت بالثمار الطيبة لأنه أول رئيس لهذا المجلس الذي ثبّت حقنا على المنطقة الصناعية التوفانية ( التيفن) وهو أول من جبا منها ضريبة الأرنونا , ولم تتأخر ردة فعل السلطة وأصحاب رؤوس الأموال على هذه المأثرة الكبيرة وفي حينه أوعزوا بنزع الثقة منه , وبالنسبة له ولنا ولكل الشرفاء أينما كانوا علينا اعتبار نزع الثقة هذا شهادة شرف للمرحوم , لأنه بدون تثبيت هذا الحق في حينه ما كنا استطعنا متابعة المشوار اليوم في سبيل استعادة هذا الحق بعد ان صادروا لنا هذه المنطقة في ال- 1990 , لذلك يعتبر المرحوم أول من شق طريق النضال لتثبيت هذا الحق الثمين والغالي والذي لا يقدر بثمن لنا , وهذا يُذكرِّنا بالمقولة الشهيرة لمارتن لوثر كينغ : " لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كان منحنيا " , وهذا وغيره من سلوكيات المرحوم مما يجعله من المؤسسين لفئة السياسيين الشرفاء ومنتصبي القامة والثابتين على الحق والمطالبة فيه .

 قال الرفيق لينين : " الباشا المصري الذي يناضل ضد الاستعمار البريطاني أفضل من العامل البريطاني الذي يساهم في صنع السلاح ضد الثورة" , نردد هذا القول الصحيح لأن ظروفنا كعرب عامة وفي القرى الصغيرة والنائية المستهدفة خاصة , وظروف قرى "مركز الجليل" على وجه الخصوص , تستدعي الانتباه والتيقظ لفحوى هذه المقولة عند تقييمنا لمركبات المجتمع وشخصياته وأشخاصه , الأمر الذي يجعل هذان الشيخان الصالحان المصلحان في مصاف أهل الخير والمعروف والعمل الصالح , وينطبق عليهما قول ابوالعلاء المعريّ :

                 وقلما تسعف الدنيا بلا تعبٍ             والدّر يعدم فوق الماء طافية

رحمهما الباري تعالى وأسكنهما فسيح جناته ولتبقى ذكراهما العطرة الطيبة في عقولنا وضمائرنا حية تُرزق  .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق