نظــــــرة في الدّروز والحيط الواقف (لئلا نشعر بأننا ضعفاء)!!! بقلم الشيخ منير فرو
2010-05-11 12:57:15
إن الله القادر القاهر يجعل من الضعيف ما يعتبر به القوي، وأن الله يضع سره كما قيل: "في أضعف خلقه" ليظهر لخلقه عظمته قال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" وقال السيد المسيح-ع- : "أنتم نور هذا العالم ".عندما كنت صغيرا كنت أذهب برفقة والدي –أطال الله عمره- إلى العمل معه في البناء والعمار ، فأساعده في إحضار حجارة البلوك وتجهيز الطين ليبني به ، وكلما أراد أبي أن يبدأ ببناء المدماك الأول من الحائط ويضع خيط العمار بين الحجر الأول والآخر ليكون الحائط مستقيما ، يطلب مني أن أحضر له حجارة حصى صغيرة (سرارة) ليضعها تحت حجارة البلوك لتقف متوازية حسب ميزان الماء ، قائلا لي : "يا ابني سرارة بتسند أكبر حيط " ،
 
فأقف حينها متفكرا في قرارة نفسي سائلا ذاتي : "كيف لسرارة صغيرة أن تسند حائطا شامخا ؟" ، ولكن أخرج مع ذاتي بعبرة : " أن الله القادر القاهر يجعل من الضعيف ما يعتبر به القوي ، وأن الله يضع سره كما قيل :" في أضعف خلقه"، ليظهر لخلقه عظمته ،
 
 هكذا نحن أبناء المجتمع المعروفي القليل بعدده ، دائما وأبدا كنا السرارة التي تسند المدماك الأول لكل دولة أو إمبراطورية قامت في شرقنا وعلى مر التاريخ ،وذلك لأننا نعمل حسب مقولة السيد يسّوع المسيح-ع-  : "  أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله "، وهذا هو شعارنا في كل دولة أن نكون امينين لكل دولة نعيش فيها بغض النظر عن العقيدة التي تدين بها حتى لو كانت مجوسية،
 
 فجنود القائد صلاح الدين الأيوبي 1138) –1193 م) كانوا من أبطال بني معروف الموحدين، والذي انتصر على الصلبيين في موقعة حطين مما جعله يقوم بتشييد مقام نبي الله شعيب إكراما لصاحب المقام وللدروز، وبانتصاره هذا منع الصليبيين من احتلال القدس وأصبح مفخرة للأمة العربية بخلود الزمان،
 
 ثم المغول بقيادة جنكيز خان ثم هولاكو(1217-1265) اتثقوا بالدروز وقلـّدوهم المراتب العالية،
 
 وأيضا لما جاء المماليك (1250-1517) استعانوا بهذه الطائفة المعروفية لإقامة دولتهم وكسر أعدائهم ،
 
 وأيضا الأتراك ( 1280 – 1922 ) علموا قدر هذه الطائفة فاستعانوا بهم لإخماد الثورات ضدهم ،
 
وكذلك الأمير فخرالدين المعني الثاني الكبير(-1635-1572)- الذي قام باعمار لبنان ثقافيا واقتصاديا وعمرانيا، ونشر التسامح الديني، فبنا الجوامع والكنائس، أهمها كنيسة البشارة في الناصرة، وهي ثاني كنيسة للنصارى من ناحية القيمة الدينية، والتي منها كانت انطلاقة بشارة السيد المسيح برسالته، وقد قاوم المعني الحكم العثماني المستبد الذي كان سببا لجهل ووحي ثقافة الأمة العربية في الشرق ،
 
وأيضا جاء العصر الشهابي ( 1516-1842) الذي ما زال لبنان يتغنى بعمرانه وفنه وقصوره، وأقنية المياه والنوافير، والتي جلبت للبنان السواح من كل العالم، مما زاد من اقتصاده،
 
 وأيضا عندما قدم نابليون بونابرت القائد الفرنسي لاحتلال الشرق (1769-1821)، وقف الدروز أمامه سدّا منيعا ومنعوه من اقتحام أسوار عكا، مما أفشل حملته الاستعمارية على شرقنا، وقد حاول نابليون أن يقنع الدروز من خلال الرسائل لأن يستجيبوا طلبه مقابل أن يعطيهم حكما ذاتيا مستقلا، فرفضوا مما جعله يتوجه إلى احتلال مصر ,
 
أيضا تصدى الدروز لجيوش إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا، الذي حكم مصر(1848)، وقد كان الباني الأصل مما يدل أنه مستعمر وليس معمّر، ومنعوه من احتلال سوريا،
 
 ثم جاء دور القائد والثائر الكبير ، عطوفة سلطان باشا الأطرش(1925) مترئسا أشبال بني معروف الأشاوس، ومحررا الأراضي العربية السورية من الاستعمار الفرنسي الغاشم ،الذي اهتزت المعمورة ببطولته وبطولة المعروفيين البواسل الذين كانوا يتصدون لدبابات وطائرات الفرنسيين بأبسط الأسلحة اليدوية ،
 
وأيضا حرّر سوريا من حكم الطاغية أديب الشيشكلي(1954) والذي اغتاله البطل الدرزي نواف غزاله في البرازيل انتقاما لشهداء الدروز،
 
 ثم جاءت ثورة الأمير مجيد أرسلان والذي استطاع أيضا من تحرير لبنان ومنحه الاستقلال ورفع العلم اللبناني في بلدة " بشامون " ،
 
 ثم جاء دور دروز الأزرق والذين ساعدوا بدورهم الأسرة الهاشمية في تثبيت حكمهم ،
 
 وجاء دور دروز إسرائيل والذين بقوا متشبثين في أرضهم ومحافظين على عروبتهم ،مسطرين بصمات الصمود حيث بقيت قراهم متجذرة في جبال الكرمل والجليل كتجذر السنديان والبلوط والصنوبر والزيتون والأرز، وقد كان لهم الفضل الكبير في إبقاء العدد الكبير من القرى العربية في أماكنها دون الرحيل، كما كانت القرى الدرزية في زمن الاحتلال ملاجئ للمهجرين من ديارهم، عاملهم أهلها معاملة الضيوف المحترمين، ولبقاء الدروز في أرضهم يقول الشاعر المعروفي والعربي الكبير الأستاذ سميح القاسم : " إذا كان التشبث بالأرض خيانه ، فاني أعتز بأني أكبر خائن في العالم ، لأني أكبر متشبث بأرضي وبعروبتي"،
 
وأيضا كان لهم الفضل الكبير في تحقيق مفاوضات السلام بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، ولوفائهم وإخلاصهم جعل دولة إسرائيل تحترمهم ،
 
وأيضا في حرب 1967 بقوا دروز هضبة الجولان صامدين في قراهم لم يرحلوا كغيرهم، تشبثوا في أرضهم لتبقى خضراء تنبت التفاح والكرز من مياه ثلوج جبل الشيخ، وتفتخر بهم سوريا الأم،
 
 وأيضا في عام 1982 عند غزو إسرائيل لأرض لبنان، بقوا الدروز في أراضيهم مكرمين، يحمون من التجأ إليهم من باقي الطوائف، التي لم تجد ملاذا إلا بين أحضان بني معروف،
 
ثم لا ننسى الفضل الفكري والثقافي الكبير في مجال الطب والفلسفة والاجتماع والسياسة، الذي قدمه المعلم والأستاذ الفيلسوف المغدور كمال بك جنبلاط ، وأيضا ما قدمه في دعم القضية الفلسطينية، والوقوف إلى جانب قادتها وعلى رأسهم " ياسر عرفات "،
 
وأيضا دعمه المستمر لزعيم أكبر دولة عربية ، الرئيس جمال عبد الناصر، ومده بالآراء والأفكار الاشتراكية الصائبة لقيادة الأمة ،
 
 وخلفه ابنه المحنك سياسيا رئيس حزب التقدمي الاشتراكي ، والمنتصر الانتصار الساحق في حرب الجبل في الحرب الأهلية على المخططات الأمريكية التي أرادت تجزئة لبنان وتحويله إلى طوائف مستقلة، فوقف وقفته الجبارة وبعزيمة بني معروف الأشاوس، فحرّر لبنان من التدخل الأجنبي في لبنان ومنحه الاستقلال، وقام مؤخرا بالمصالحة مع عدوه في حرب الجبل أمين الجميل والبطريارك الماروني نصر الله صفير لتوحيد لبنان وإطفاء الطائفية،
 
 وأيضا ما قام به سماحة الشيخ محمد أبو شقرا شيخ العقل في توحيد الصف اللبناني والحفاظ على عروبته ،
 
 كما لا يمكن نسيان ما قدمه أمير البيان شكيب أرسلان للأمة العربية في أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما قدمه أيضا من ثروة أدبية لا تكال بمكيال،
 
 وأيضا ما قدمه الأمير عادل أرسلان في الثورة الكبرى، وما يقدمه الأمير طلال أرسلان  إبن الأمير مجيد أرسلان ، في الأحداث الأخيرة التي جرت وتجري في لبنان في ظل الفوضى الأمنية ، ومسلسل الاغتيالات الدامية ، وأكبرها حجما اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ،
 
وأيضا في الفن والموسيقى والشعر والزجل والرسم فلا يمكن أن ننسى الموسيقار فريد الأطرش الذي أظهر معجزاته على آلة العود، آلة الموسيقى العربية،
 
 وأيضا الشاعر سميح القاسم، وطليع حمدان عملاق الزجل، وهناك أيضا للدروز في المهجر وفي الأوطان العربية باع كبير في الطب وفي صناعة أعضاء بشرية وزراعتها،وعلم الذرة والفضاء، وهندسة الطيران والتكنولوجيا الحديثة لا يسع المجال لذكرها هنا،  وكانوا قد قدّموا للعالم خدمة لا تقدر بأثمان ،
 
كما أن قرانا الدرزية تعتبر مراكز للندوات الأدبية، فها هو بيت الدين في لبنان يستضيف أشهر الفنانين والشعراء،والكرمل الذي أصبح محجا للأدباء والشعراء في إسرائيل، ولا ننسى دور بعض النساء الدرزيات اللواتي خدمن البشرية في مجالات كثيرة لا مكان لذكرها هنا،
 
 ثم إذا رجعنا إلى تاريخ الأديان ، فكان الدروز أول المسارعين في نشر كل دين يدعو إلى توحيد الخالق،حتى جاء الرسول الأمي العربي وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مبشرا ونذيرا بدين الإسلام ليختم الشرائع السماوية جميعها، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن العذاب إلى الثواب، ومن النار الهاوية إلى الجنة العالية، ويحذر الخلائق بقرب الآخرة، "يوم تبلى السرائر، وينكشف المخفي في الضمائر، ويعرضون لا يخفى منهم على الله خافية، ثم يكون المأوى الدرك الأسفل من النار، ثم لا يجدون لهم نصيرا"،
 
فدخلوا فيه أفواجا أفواجا لأنهم انتظروا مجيء الإسلام  لذكره في التوراة والإنجيل، وأنه يكون خروجه من جبل فاران في مكة على يد الفارقليطس أي محمد عليه السلام، لان الفارقليطس أوالفارقليط كلمة يونانية تعني أحمد ومحمد ومشتقة من الحمد، وهذا اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي وصفه  الإنجيل بأنه يأتي مسبّحا ومكبرا للخالق،
 
ثم جاء الفاطميون( نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء، أطهر نساء الأرض رضوان الله عليها وابنة رسول الله الأكرم، وزوجة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وأبناءها الحسن والحسين، والذي الأخير منه يظهر الإمام المهدي المنتظر عليه السلام لينشر القسط والعدل على الأرض بعد ملئها جورا وظلما)، ليعيدوا بناء الإسلام وأركانه،
 
 فبنوا دار الحكمة في مصر، وجمعوا العلماء، ونشروا العلوم على اختلاف صنوفها، وبنوا الجوامع وشيدوها، وأهمها جامع الأزهر أكبر جامعة لتعليم الشريعة الاسلامية في العالم ، وأقاموا الصلاة في أوقاتها، والزكاة وواجباتها، وجاهدوا في سبيل الله، وانتصروا على الخصوم، وحجوا إلى بيت الله الحرام، وعمروا السقيات، وامنوا الطرقات، وكانوا أول من احتفل بعيد النبوي الشريف، ليصبح سنـّة،وما زالت مصر تفتخر بالاثارات الفاطمية،
 
 فنحن وبكل تواضع ، كنا وما زلنا العامود الأساسي الذي يرتكز عليه هذا العالم، لنصرة الحق، ونشر الفضيلة، ومن أجل ذلك اصطلحت جميع الأمم على تسمية الدروز بـ" بني معروف"، لأننا كما قال السيد المسيح : " أنتم ملح الأرض ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح "،
 
 فإذا كنا كما يزعم البعض، لجهله بتاريخ من أشادوا التاريخ، والدول والإمبراطوريات، ورفعوا منار الأمم، وعملوا على نشر السلام والسعي من أجل تحقيقه بين الشعوب لتزول الأحقاد والضغائن، فهذا يدل على أنه لا يمكن لأي حائط كان أن يقف ويشيّد بدون الحصى الصغيرة (السرارة) والتي هي نحن، لأن السرارة كما قال لي أبي : " تسند أكبر حيط".
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق