الشيخ منير فرو : لا وجود للطائفة بدون قيادتها الروحية ولا نجاح للقيادة الزمنية دون احترام القيادة
2010-04-27 14:04:36

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر مِنكُمْ ... ذلك خير وأحسن تأويلا"

   بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمدلله الذي  أعزّأبناءالتوحيد بالأولياء المتقين،وأنار درب هم بالدعاة الصالحين الطاهرين،وجعلهم قدوة للمهتدين،وسبيلا يسيرعلى خطا هالعباد سالكوم نارالهدى والدين،للقاء وجه ربّه موربّالناس أجمعين،فييوم الآخرة يوم وقوف الخلق والمخلوقين،أمام اللهربالعالمين، وصلى الله على رسوله الأمين المبعوث بدين الحق هدى للمتقين وعلى الآل والأصحاب مصابيح الدجى الميامين وبعد :
 
لقد ثبت على مر تاريخ الطائفة الدرزية أن لا وجود للطائفة بدون قيادتها الروحية ولا نجاح للقيادة الزمنية دون احترام القيادة الروحية، فالطائفة الدرزية كالروح مع الجسد لا انفصال لأحدهما عن الآخر، كما أنه لا بقاء للجسد بدون الروح، ولكن للروح أن تسكن الجسد معتلا، فلا انفصال لرجل الدين عن رجل الدنيا وبالعكس. هكذا طائفتنا، لا وجود ولا بقاء لها بدون رئاستها الروحية المتمثلة برجال الدين ورئيسها الروحي، لأن الرئاسة الروحية هي السبب في الحفاظ على الطائفة لأنها استمرار للخلافة الراشدة المستمدة من نور الإيمان والتوحيد والمسلك العرفاني الموصولة بالطاعة لله ورسوله ولأولي الأمر لقوله تعالى في القرآن: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا". فالطاعة أولا لله ثم لرسوله ثم لأولي الأمر منا، ثم إذا حدث هناك نزاع أو اختلاف فعلينا أن نرده إلى الله ورسوله واليوم الآخر وذلك من باب السلم والتوافق، لأن التنازع يحدث التباين والاختلاف والتشتت، وهذا الاختلاف لا يعود علينا بالفائدة والخير.
 
 الرئاسة الروحية واجبها الأساسي حفظ الإخوان ورعاية شؤون الطائفة الدينية، والقيام بالإرشاد الديني عن طريق فرض الأوامر والنواهي وإقامة الندوات الدينية في كل بلد، وتمييز الحلال من الحرام والشبهات لتصح العبادات، ثم دعوة الناس إلى التعلق بالعادات والتقاليد والأخلاقيات والتقرب إلى الدين والابتعاد عن الرذائل والهوى والجهل والتمسك بالفضائل وتجنب المحذورات التي أساسها الخمر وكل مسكر مزيل للعقل. وبعد تطهير الجسد من الخبائث، تصح إدارة المجتمع مدنيا بالنظام والتنظيم والرعاية الصحيحة في تنظيم الحياة من خدمات اجتماعية صحية ثقافية اقتصادية، لأن الرؤية السليمة للحياة، تأتي بالغذاء الروحي والاستمداد بالعلوم الإلهية التي هي سبب توفيق العبد في دينه ودنياه، لأنها متصلة بالخالق الذي هو جل وعلا أرحم من الأم الحنون على ولدها، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد.
 
 لذلك على الهيئة الزمنية أن تكون خاضعة للهيئة الروحية مهما تعاظم الأمر، فلا خروج للجسد وأهوائه عن العقل والدين، وعلى الهيئة الدينية توجيه الهيئة الزمنية لما هو أصلح للمجتمع والطائفة، فعلى كل من يتسلم في الطائفة قيادة زمنية أو سياسية أن يكون تحت خاطر الهيئة الروحية وأن يعمل وفق إملاءاتها، وأن لا يعترضها فيما تمليه عليه، وأن يستشيرها في كل ما يعمل ويصغي إلى حكمها وحكمتها، لأن على القيادة الزمنية وضع صيانة الطائفة والرفع من كرامتها أمام أعينها، والسعي بها دائما إلى ما هو أفضل ولا يتم هذا إلا بالتعاون مع الرئاسة الروحية التي هي المرجعية الأولى والأخيرة للطائفة، والتي ثبت على مر التاريخ أنها القيادة السليمة والصحيحة دون منافس ولا نجاح ولا توفيق لقيادة زمنية مهما علت دون احترام الرئاسة الروحية والعمل بمشورتها.
 
لقد ثبت أيضا كل مَن تسلم قيادة زمنية في الطائفة، ارتفعت مكانته وذاع صيته فقط عندما كان خاضعا لها وتراجعت مكانته وسقطت هيبته عندما وقف ندا معارضا لها، فالتوفيق يطرق القائد الزمني ما دام طائعا للهيئة الروحية، وعندما تتغير نيته تنعكس أموره، فها هو الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير استطاع أن يحقق انتصارات على أعتى إمبراطورية حكمت الشرق الأوسط حينها وهي الإمبراطورية العثمانية وينال صيتا مجيدا ما زال التاريخ يذكره وذلك لاحترامه الرئاسة الروحية وعمله بموجب إرشاداتها، بينما انظروا إلى ما حدث لمن جاء بعده الأمير بشير الشهابي الذي سقطت هيبته وتمزق حكمه بسبب محاولته الهيمنة على الدين ورجاله ومحاولته للمس من كرامتهم. وأيضا هذا هو الزعيم وليد بيك جنبلاط في لبنان لا يزال موفقا في زعامته كغيره من الزعامة الجنبلاطية ممن سبقه لوقوفه إلى جانب الرئاسة الروحية والعمل بمشورتها، وفي بلادنا لا يزال السيد أمل نصر الدين يرقى في مناصبه وقيادته والدولة العبرية تلبي طلباته لأنه لا يزال منذ دخوله معترك السياسة وهو يحترم رجال الدين والهيئة الروحية المتمثلة بفضيلة المرحوم الشيخ أبي يوسف أمين طريف وخلفه الشيخ أبي حسن موفق ولم يتعارض معها قيد أنملة، بل كان يعمل بنصيحتها ويسير وفق ما تمليه عليه مصلحة الطائفة حتى أصبح زعيما وقائدا متفردا، بينما نرى كل من عارض الرئاسة الروحية يذهب أدراج الرياح ولا يناله من الكرامة سوى ما ناله من المال مقابل وظيفته.
 
 لذلك كل شخص روحي أو زمني يقف في صف المعارضة للرئاسة الروحية والتي لا أحد يقدر يتسلمها إلا من كان أهلا لثقة رجال الدين، فهو خاسر في الدنيا والآخرة وأخيرا الرئاسة الروحية أو عضويتها كما عبر عنها المرحوم عبد الله طريف لا تنتخب انتخابا ولا تخضع لقانون مدني أو شرعي، لأنها امتداد تاريخي لفكرة الإمامة أو ما تسمى بالخلافة، لأن الخلفاء هم الأئمة الذين يأتم بهم الناس ويتبعونهم والتي هي المنصب الذي لا ينقسم على نفسه، لأنها مشتقة معنويا وروحيا وتاريخيا من أصول الدين ونظم الحياة وتحوي في طياتها الرشاد والحكمة وسلطة التوجيه الصحيح وقادرة على تقويم كل اعوجاج ومستعدة كل الاستعداد لرعاية المصالح الشرعية والروحية والدينية الظاهرة والمستترة للطائفة وقادرة على بسط العدل بين أفرادها وتمثيل الطائفة في المناسبات الرسمية والمجتمعات أمام المسؤولين. لذلك لكل من يحاول العبث بمنصب الرئاسة الروحية وصلاحياتها الدينية والقيادية ويطالب بانتخابها ديمقراطيا كما يزعم، فهو على خطأ وواقف على جرف الهاوية، لأن الديمقراطية الحقيقية هي اختيار النخبة للشخص المناسب دون ترشيح نفسه.
 
أما بالنسبة لفضيلة الرئيس الروحي الشيخ أبي حسن موفق طريف فبالرغم من صغر سنه الذي تسلم فيه مقاليد قيادة الطائفة فهو في نظري ونظر الأغلبية من  أبناء الطائفة من المشايخ الثقاة والزمنيين أصحاب المناصب والرتب العام منهم والخاص، داخل وخارج إسرائيل الشيخ المناسب في الزمان الحضاري العولماتي المنفتح المناسب والمكان المناسب في دولة القانون والمؤسسات والاهم الدولة العبرية العلمانية التي هي غريبة بحضارتها ومفاهيمها  وسياستها عن دول الشرق الأوسط والتي تجعل ممن يعيش فيها وكأنه يصارع مرض عضال بسبب عنصريتها لمن ليس من أبناء قوميتها المهجنة .
 
 فالشيخ موفق طريف سدد المولى خطاه وحرصه من أعداه والهم من ساء ظنه به إلى رشده وعقلاه يحمل مسؤولية تعجز عنها الجبال وهو مسؤولية طائفة لها تاريخ أسطوري لمع نوره وبريقه في كل أرجاء المعمورة بفضل إيمانها إخلاصها وفائها وتمسكها بأرضها وعرضها ودينها ومن سكن بجوارها، ولكن ليس لها مرجعية معينة في العالم وليس لها دولة وتعيش بين طوائف متعددة، كل طائفة لها مرجعيات ودول ترجع إليها وتقف إلى جانبها، وأيضا تعيش في دولة لشعب ليس عنده سوى هذه الدولة ويريد كل شبر منها لنفسه، فالمشاكل والصعوبات التي يواجهها فضيلته جمة وكثيرة ومتنوعة منها مع أبناء الطائفة أنفسهم والذين لا يفهمون حكمته وبعد فكره فيتهمونه بشتى الاتهامات بمجرد اتهام باطل دون النظر من منظار توحيدي بأننا طائفة يجب أن تكون معتدلة مع الشعوب الأخرى، لأننا طائفة وسط، ولا يمكن الجنوح في أي حال من الأحوال إلى التطرف والخروج عما يمليه العقل والأدب، لئلا نصبح عرضة للألسن، ومنها أيضا مع أبناء الطائفة والطوائف الأخرى في البلاد ومنها مع هوية الطائفة المتقوقعة في نظر البعض والذين يعيشون وسط قومية غير اعتيادية ومنها مع الطائفة عامة والدولة ومؤسساتها وسياستها العنصرية تجاه الأقليات ومنها مع أبناء الطائفة وإخوانهم خارج دولة إسرائيل ومنها قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية.
 
فعلينا جميعا أن نحترم الرئاسة الروحية، ولو حدث هناك أخطاء أو سوء تفاهم ، كما حدث مؤخرا بشأن مسيرة نبي الله شعيب عليه السلام، ومنعها لأسباب أخلاقية وتعديات من قبل شباب - جل همهم - إقحام الطائفة في أمور لا يليق بمبادئها وعاداتها وشيمها ، وتضاربت الآراء في ذلك، مما أقام الدنيا ولم يقعدها، مما سمح للكثيرين من الذين لا يستطيعون رؤية النور فيقبعون في الظلام الدامس حتى يستولي عليهم الشيطان فيعملون في إمرته متجاوزين كل الحدود وممزقين بأنيابهم جسد الطائفة كذئاب خاطفة،  يجب تناولها على طاولة البحث من خلال اجتماعات ليتضح الخطأ فنصنع له حلولا يرضى بها الجميع، وكل شخص يريد أن يوجه انتقادا فليكن في نطاق الأدب والاحترام ، ووجهة نظر صحيحة لا يشوبها عمى بصر ولا بصيرة، ولا مجرد فكر سيء نابع عن أعمال خبيثة، يريد بانتقاده إثارة النعرات وتأجيج الفتن وبث الشك والظنون فيمن أوكل لهم تسلم القيادة في الطائفة، وعلى أصحاب المواقع ووسائل الأعلام في الطائفة أن لا ينشروا كل مقال يسيء بالطائفة ورئاستها الروحية تحت شعار حرية التعبير، لأنهم يحملون المسؤولية الكبرى في توجيه المجتمع، لاحتلال الإعلام المكانة الرابعة في دولة المؤسسات ولتأثيره على مجريات الأمور، وكل إعلام يكون فيه إساءة وتحريض فالواقفون عليه هم المسؤولون الاوائل، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق