تعقيب في كلمتين على كتاب " حكايا من بلدنا " لعماد الياس يعقوب 
06/07/2022 - 10:16:56 pm

تعقيب في كلمتين على كتاب " حكايا من بلدنا " لعماد الياس يعقوب 

بقلم :  الدكتور منير توما  كفرياسيف 

كان الأستاذ عماد الياس يعقوب قد أهداني مشكوراً نسخة من كتابه الجديد  " حكايا من بلدنا " وقد تمنّى عليّ أن يستمع الى رأيي وانطباعاتي عن المضامين التي وردت في الكتاب , وتلبية ً لطلبه ِ الغالي , ارتأيت ُ أن أكتب تعليقاً أو تعقيباً على ما ورد من حكايا في هذا الكتاب . 

بادئ ذي بدء , يتوجب علينا تعريف الحكاية بأنها قصة قصيرة مسلّية تناشد المزيد من أجل محتواها أكثر من كيفية قصّها أو حكايتها . 

إنَّ الحكايات أو الحكايا عادةّ استطرادات صغيرة داخل سرد أكبر كسيرة شخصية مثلاً . إنّها قد تكون شكلاً من أشكال القيل والقال , وهذا ما يجعلها شائعة وشعبية في الأوساط العامة . 

لقد قدّم لنا الأستاذ عماد الياس يعقوب هذه الحكايا بأسلوب خفيف الظل , يعكس فيه ِ جوانب إجتماعية فريدة من حياة أهالي قرية إقرث قبل التهجير حيث نلمس في سردهِ وحوارياته ِ الحنين والتعاطف الشخصي للأستاذ عماد ابن قرية إقرث مع تاريخ وتراث إقرث الذي لا يغيب عن مخيلته ِ , بل أنه قد اقدم في هذا الكتاب على ابتكار قصص مما يُحكى ويُسرِد ويُقَصّ سواء واقعياً كان أم خيالياً . ومن حيث أنّ أغراض الحكاية قد تكون بداعي المتعة , أو التعليم أو إيصال حكمة ما للسامع أو القارئ , فإنّ الكاتب قد نجح في عرضه ِ لهذه الحكايا , وأصاب ابى حدٍ كبير في الوصول الى هذه الأغراض من خلال شكل الوصف السردي المنطوق والحوار متعدّد الألوان لفظاً ومعنى . 

وباعتمادنا على حقيقة كون الحكاية هي القصة المروية التي قد تستند الى المخيلة بصورة أساسية والى بعض الحقائق في بعض جوانبها والى الخير والشر , فإنَّ المؤلف الأستاذ عماد يعقوب في كتابه ِ هذا يثير أموراً أخلاقية واجتماعية وجمالية من تاريخ  بلدته ِ إقرث , ويجسّد في هذه الحكايا عِظَم محبيته وتعلّقه ِ بأصوله ِ وجذوره ِ , وإبرازه ِ في حوارات الحكايا شغفه ِ باللكنة الإقرثية .

ومما يجدر الإشارة اليه أن الكاتب يلتزم بكون الحكاية عبارة عن مجموعة من الأحداث عن شخصية أو أكثر , وهذا الأمر واضح جداً في إتيان الكاتب بالعديد من الشخصيات , فهو يروي الأحداث وشخصياتها وفق ترتيب زمني وترابط سببي بصورة مشوقة الى حدٍ ملموس مع ملاحظتنا بأنّ هناك عدداً من الحكايا لا يتوفر فيها عنصر التشويق مع أنها يغلب عليها الطابع الفكاهي ممّا يصبغها بنفحات ٍ شعبية قروية تجعل القارئ يشعر بالارتياح النفسي لاسيما وأنّ الكاتب في حكاياته يستعمل الحوار والسرد اللذين يتطوران نحو ذروة وتعقيد فحل ّ , وغالباً ما تحتوي حكايا هذا الكتاب على دروس وعبر يمكن أن تعود بالفائدة على حياة القرّاء أو المستمعين . 

ومن اللافت أن حكايا هذا الكتاب تُظهر حياة التآلف والوئام وبساطة العيش والمودة والتسامح في الغالب بين سكان إقرث وعائلاتها في ذلك الزمن . وتبرز هذه الحكايا مدى تأثير التقاليد والعادات المألوفة في بلدة إقرث خاصة والقرى العربية الأخرى عامة ً . فمن الناحية السوسيولوجية لا يمكن الكلام على العادة دون البحث في المنظومة العلائقية للقيم التي ينتظم من خلالها مجتمع من المجتمعات . ويُبيّن الكاتب من خلال حكاياته ضمناً أنّ البحث في العادات الاجتماعية يعني النظر في طريقة استغلال نظام القيم في هذا المجتمع الذي يمثله في هذا الكتاب المجتمع الإقرثي الذي يتّسم ببساطة وسهولة العيش آنذاك والقبول المغلَّف بالتساهل , ضمنياً أو علانية , حسب مواصفات العادة وديناميتها المعبّرة عن ديناميّة المجتمع الذي يمارسها . 

على أي حال , فإنَّ فهم موقع التقاليد والعادات , كما موقع أي عنصر ثقافي آخر في الثقافة , هو الذي يحدد العلاقة بين العناصر الثقافية المجتمعية والمؤتلفة , أو المتنافرة والمنقسمة , وهذا الفهم المبني على وحدة المجتمع , أو في انقسامه ِ يوحي به الكاتب في حكاياه عن المجتمع الإقرثي في تلك الأيام حيث نستنبط أنَّ أجواء الحكايا في الكتاب وروحها السردية والحوارية فيها الكثير من التشابه , ومما استرعى انتباهي روح الفكاهة التي اجترحها الكاتب في حكاية " صحارة الخشب " عن الراديو , تلك الحكاية رغم بساطة مضمونها تؤكد التفاعل بين أبناء البلدة وتشير الى أنّ البنية الثقافية المتشكّلة من هذا التفاعل تستجيب لواقع التغيّر , ومن ثمَّ تفعل فعلها لتغيير الواقع الاجتماعي الذي أنتجها . 

بالإضافة الى حكاية " صحارة الخشب " أرى أنَّ حكاية " الناطور " هي من الحكايا ذات المخزون الإنساني الاجتماعي المختص بالإنتماء الأهلي الى البلدة المتمثّل بالتعاون والتضامن وتقديم المساعدة والحفاظ على قيم وتراث السلف الصالح في نصرة الناس بعضهم لبعض في أوقات الضيق والشدة والأزمات , ليتم تكرارها باستمرار . 

كما لا يفوتنا إن نذكر الحكاية التي تحمل عنوان " المطران حجّار " التي تعكس وتؤطر لواجب حسن الاستقبال وكرم ضيافة أهل البلدة لمطرانهم الموقّر راعي الأبرشية , وذلك وفقاً لأصول العادات والتقاليد المتبعة والمرعية في مثل هذه المناسبات  .

وهكذا , يكون الأستاذ عماد الياس يعقوب قد عبّر في حكايا هذا الكتاب عن عشقه لبلده ِ إقرث , بلد جذوره واصوله ِ , وعن عراقة إيمانه ِ بالتشبث بانتمائه الثابت والدائم لإقرث و وبذلك فإنه بهذا العمل الاجتماعي الأدبي يكون قد أدّى رسالة يعتز ويفخر بحملها دائماً وابداً . فله أجمل التهاني بصدور كتابه هذا , مع أطيب التمنيات له بموفور الصحة , ودوام التوفيق والعطاء . 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق