مع الشاعر الزّجال المتألِّق الأستاذ توفيق حلبي
02/04/2022 - 10:03:58 pm

مع الشاعر الزّجال المتألِّق الأستاذ توفيق حلبي

بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف

 

إنَّ الأشعار الشعبية وبخاصةٍ اللبنانية ، أو الزجل ، هي متنفسُ كلِّ شاعرٍ يريدُ التعبيرَ عن أحاسيسهِ بلغتهِ العامية . إنّ هذهِ الأشعار الزجلية هي لسانُ البهجةِ في الأفراحِ ، والمجد في المسيرات ، والتعزية في المآتم وفي مناسبات متنوعة تضفي عليها هذه الأشعار وشاحًا من الجمال والروعة . وهكذا نحتفلُ في هذهِ الأمسيّة بشاعرنا الزّجال المُمَيّز والمتألق دائمًا الأستاذ توفيق حلبي (أبو كنان) وبصدور كتاب زجلياتهِ القيِّم الذي يحمل عنوان «غمار الفرح» والذي تمتاز أشعار هذا الكتاب ، غالبًا ، بطابعِ العفوية والسلاسة والإنسيابية ، فشاعرُنا كمعظمِ شعراء الزجل البارزين يعتمدُ على موهبتهِ وقريحتهِ وتراثهِ الذي يبقى المدرسة التي يتتلمذ فيها معظم الشعراء الشعبيين .

إنَّ نماذج الشعر الزجلي التي أبدعها شاعرُنا في كتابهِ تدل على ذائقتهِ الشاعرية الرقيقة ، كيف لا ، وهو شاعرٌ مُبدعٌ يدلُّكَ على ذلك ما أثبتتهُ في كتابهِ من العديد من منظوماتهِ التي آثرَ أن يختارَها كفنّانٍ موهوب ، ميزتُهُ تأليفُ الكلام الجميل تعبيرًا عما يقع في حسِّهِ وعلمهِ وثقافتهِ وسعةِ أفقهِ ، وتطويرًا لما يجري في خيالهِ وذهنهِ ، فنشأ شاعرُنا توفيق الحلبي يستمدُ تعبيرَهُ من مسيرتهِ وخلفيتهِ الأصيلة ، ويستوحي صورَهُ من طبيعةِ بلادهِ الساحرة ، ويسمحُ على الحسِّ واللون ، بقلمٍ يحركُهُ الوجدانُ ويسقيهِ الإلهامُ ، وإننا لنعجب ونُفتَن بالصور الشعرية المتأنقة ، كيف صورَّها شاعرُنا بالسليقة ، ولهذا الخيال المُجَنّح ، كيف صاغَ ما أنطوت عليه دفتا كتابهِ (غمار الفرح) من شعرٍ راقٍ يبيّن الجهد المبذول ، والعمل الموصول في ترتيبهِ وتبويبهِ ليضع بين أيدينا هذا الكتاب النفيس ، الجامع لزجلياتهِ الشاملة الدّالة على انتماء شاعرنا للفن الأصيل ، واخلاصِهِ للتراث والتاريخ وبلادهِ وشعبهِ ومحبتهِ الغامرة للزجل اللبناني ممثلًا بأساطين ذلك الزجل الثري بعراقتهِ أمثال زغلول الدامور وزين شعيب وطليع حمدان وموسى زغيب وغيرهِم من الشعراء الزجالين اللبنانيين حيثُ يوردُ في كتابهِ زجلياتٍ حواريةً عديدةً مع زغلول الدامور في عمّان ومع عادل خدّاج وشحادة خوري وعدد من زجالي بلادنا المعروفين لا يتسعُ الوقت والمجال هنا لذكرهم مع خالص الاحترام والتقدير للجميع ، علمًا بأنّ شاعرنا يتطرقُ في زجلياتهِ في هذا الكتاب الى أغراض شعريةٍ شاملة وزّعها على أبواب مرتبّة ترتيبًا أنيقًا لافتًا كالكرميليات ، والأم ، وشروقيات الغزل ، والموشحات والعتابا والمناسبات وغيرها بالاضافة الى تضمينهِ في نهاية أبواب الكتاب لكثير من الصور الفوتوغرافية للقاءات الشاعر مع عددٍ كبيرٍ من خيرةِ شعراء الزجل اللبنانيين والمحليين ، علاوةً على صور من زياراتهِ لبلدان أجنبية وعربية في نطاق تنظيم حفلاتهِ الشعرية الزجلية الناجحة .

وختامًا ، فإنَّه يمكن اعتبار شاعرنا القدير الأصيل توفيق الحلبي رائدًا من روّاد الزجل المنبري وصاحب مشروع ثقافي في بلادنا يرى في اعتماد العاطفة في الزجل الكثير من الصدقية والعفوية من خلال «اللغة العامية» التي تُعَدّ لغة الحياة التي يرى فيها الناس ترجمانًا صادقًا لحياتهم ومرآةً تنعكسُ عليهِ تقاليدُهُم ، وعاداتُهم ، ومُثلُهم ، وأمثالُهم ، وخرافاتُهم ، وأخبارُهم ، كما أنّها صورةٌ صادقةٌ عن البيئة الطبيعية والاجتماعية ، وفي الاستطاعة دراسة المجتمعات بمختلف نواحيهِ من خلال الأشعار الشعبية الزجلية .

ومن اللافت ، وما يسترعي انتباهَنا في معظم زجليات شاعرنا في كتابهِ أنَّ «الصورة الشعرية» هي من أهم مرتكزات شعرهِ وهذا يعودُ الى عبقريةِ شاعرنا نفسِهِ ، وهذا أحدُ العناصر الأساسية والحيوية التي تجعل مستمعي وقرّاء شاعرنا يجدون في شعرهِ الزجلي ما يؤنسُهُم ويطربُهم ويخلقُ البهجةَ في نفوسهم وهم يستمعون الى زجالياتِهِ في حلَةٍ من توقُّد الذكاءِ وحُسنِ البلاء وسلامةِ النغم وتنوّعِ البحور ، ومن قدرةِ شاعرِنا في الدفاع عمّا يراه حقًا ، أو عمّا اختار أن يراه حقًا ، مع إظهارِ البراعةِ واللباقةِ في اصطيادِ المعاني التي تدعمُ رأيَهُ وتنقضُ رأيَ منافسهِ معتمدًا على الطبع والصناعة معًا ، وأجمل ما في ذلك تلكَ التي تعتمد على التورية والدعابة والحماسة.

فلشاعرنا الكريم الأستاذ توفيق الحلبي أجمل التهاني وأطيب التمنيات بدوام التوفيق والابداع والعطاء . 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق