لقاء مع الشيخ جمال الدّين شجاع شيخ مشايخ خلوات البياضة في حاصبيا عام 1982

بقلم د. نجيب سلمان صعب- ابوسنان نائب رئاسة اتحاد تعليم الكبار في إسرائيل

خلالَ زياراتي المتواصلة في شهرَي تموز واب من عام 1982 الى القطر اللُبناني، خُصِص يومٌ من هذه الجولات الى بلدة حاصبيا في الجنوب اللُبناني، حيث قمت بزيارة خلوات البيّاضة العامرة بقُدسيّتها وبأهلها والتي هي مَحَط أنظار الموَحدين بني معروف أينما كانوا وحيثُما حلوا منذ الازل وعبرَ التاريخ.

 وقد قمتُ بالتبرّك من الخلوات المقدسة ومن المشايخ الافاضل ، وتحظى هذه الخلوات بمكانة خاصة في قلبِ كلِ موحد أينما كان وحيثُما وُجد، فقد لمستُ من زياراتي لهذه المقدسات كلَ ايمان صادق من قُدسيّة المكان خاصة لدى لقائي بالمشايخ الاجلاء الذين يعملون في خدمة وصيانة الخلوات المقدّسة وفي مقدمتهم الشيخ محمد أبو سيف من قرية شوَيّة في وادي التيم  الذي استقبلني بالوجه البشوش والقلب المفتوح ،حيث وافانا بمعلومات قيّمة عن المكان ،كما قدّم لنا ما لذّ وطاب من الصَنوبَر اللُبناني ،العسل الطبيعي والتينِ واللوزِ ، وافادَنا خلال الحديث أن مشايخ حاصبيا والمنطقة يجتمعون في الخلوات في دورِ الاثنين والجُمعة ولا يصعد الى الخلوات سيرا على الاقدام ليصلي الّا كلُ عبد صالح ، وذكر المشايخ أن خلوات البياضة أقيمت قبل حوالي200 سنة زمن الشيخَين سيف الدين شُعيب  وابن اختِه جمال الدّين الحمرا رحمهما الله ،  وقد بُنيَت الخلوات في غير موقعها الحالي ، ويُشار الى أن المجلس كان قد هُدم على يد الفرنسيين عام 1925 ، وبخصوص الاسم "البيّاضة" قد يكون الاسم نابعا من تبييض القلوب او تبييض الكُتب أي نسخها ، وقد طاب بيننا الحديث عن شؤون أخرى ذات علاقة بالمكان دينيا ، تاريخيا وجغرافيا عبر العصور الغابرة ،وأشار المشايخ أن اسم حاصبيا مأخوذ من الخزف لكثرة مصانع الخزف فيها ، ويقيم اليوم فيها حوالي عشرة الاف نسمة معظمهم من الدروز  وعدد المغتربين من أبنائها يبلغ زهاء هذا العدد رئيس بلديتها بهجت بك شمس ، ونبغ منها عدة قُضاة من آل قيس وفيها مدرسة الهداية الدرزية .

  وخلال هذه الاثناء عَلِمت أن شيخ مشايخ البياضة في منزله، وقُمتُ بزيارة فضيلته في منزله العامر في حاصبيا، حيث تظللنا تحت دالية العِنَب وكان الطقسُ لطيفا وجميلا ومن ثم ابى فضيلته الا أن نَدخلَ المضافةَ.

والشيخ أبو فندي جمال الدين شجاع من مواليد حاصبيا عام 1907 ، حيث كان شيخا للخلوات منذ وفاة المرحوم والدِه الشيخ أبو جمال فندي شجاع عام 1934 رحمات من عند رب العالمين على روحه ،وخلال الحديث سألني الشيخ عن نفسي من أنا ومن أي مكان، فأجبت سماحتَه قائلا: أنا نجيب سلمان عبدالله سعيد "صعب " مفتش وصحافي من قرية ابوسنان ،فرحّب بي من جديد مشيرا الى أنه  يتذكر اثنين من أبوسنان الأول: ألشيخ  أبو حسن عبدالله سعيد الذي عرفته عن كثب حيث انه قضى فترة زمنية في الورع والتعبُد في الخلوات ، واخبرته ان المرحوم الشيخ أبو حسن رحمه الله يكون جدي مشيراً الى ما يكنه من تقدير واحترام لورعه ولأخلاقه النابعة من تعمقه في الدين ، وأضاف انّه عرف أيضا من ابوسنان الشيخ أبو عماد عبدالله خير رحمه الله.

وفي  اليوم الثاني من شهر آب 1982 نظّم فضيلته وفدا كبيرا من مشايخ حاصبيا وراشيا قوامُه 500 شيخا والذي ترأسه الشيخ جمال الدين بزيارة لمقام سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام ،حيث تأتي هذه الزيارة ردا على الزيارة التي قام بها فضيلة سيدنا المرحوم ألشيخ أبو يوسف أمين الرئيس الروحي للطائفة الدرزية على رأس وفد قوامه نحو500 شيخا وبمساعدة عضو الكنيست السيد أمل نصر الدين ، والذي تجول في المناطق الدرزية ، والتقى في حينه بسماحة الشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل الدروز في لبنان وكذلك التقى الوفدُ الشيخَ أبا حسن حلاوة والشيخ أبا محمد جواد والامير مجيد أرسلان وغيرَهم ،وقد كان لهذه الزيارة أثرا نفسانيا وروحانيا متبادلا وخاصة في تهدئة الخواطر ووحدة الطائفة بعد لقاء القطبين أبو شقرا وحلاوة .

 ونعود الى زيارة  وفد مشايخ حاصبيا وراشيا برئاسة الشيخ أبي فندي جمال الدين شجاع شيخ وادي التيم وأمين خلوات البياضة يرافقه حاكم حاصبيا العسكري السيد إسماعيل قبلان،  كما اسلفت  ضم الوفد نحو 500 من المشايخ الاجلاء والمرافقين ،حيث كان في استقبالهم في مقام سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام في حطين المئات من أبناء الطائفة المعروفية برئاسة فضيلة الشيخ ابو يوسف امين طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في البلاد مرحبين بالوفد الضيف ومتعطشين الى هذا اللقاء التاريخي ، وكذلك كان في استقبال الوفد عضو الكنيست السيد امل نصر الدين ومدير ديوان رئيس الحكومة السيد  شموئيليفتش ومنسق الشؤون الدرزية السيد سلمان فلاح وممثلون عن الحكومة في إسرائيل ،واُلقيَت كلمات مؤثرة  تنم عن أهمية هذا اللقاء الهام الذي طالما انتظره الجميع من هنا وهناك عشرات السنين .

 ويُشار في هذا السياق اننا كنا قد أشرنا في عدد مجلة الهدى الموقرة والتي لم تفوّت فرصة واحدة برئاسة وإدارة تحريرها وكُتّابها في العمل على ابراز وكتابة ما أمكن اظهارُه والاشارة الية عن الدوحة المعروفيّة في ارجاء المعمورة، وكذلك في عدد الهدى 70-71 من شهر أبريل نيسان عام 1983 نشرت المجلة على صفحة 10 نص الرسالة التي بعث بها مشايخ الدروز في لبنان لفضيلة الشيخ امين طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية هذا نصها:

                                                  بسم الله الرحمن الرّحيم

  حضرة شيخنا الجليل والنَدب الفضيل قدوة السالكين ومَحَط رحال الوافدين في هذا العصر ألشيخ ابي يوسف أمين طريف أطال الله لنا سبحانه وتعالى بقاه حتى الفتح المُبين آمين.

  بعد تقديم ما يليق بمقامِك الرّفيع من جزيل الاحترام وبث ما في قلوبنا نحو حضرتكم من الشَوق الهيّام لطلعتكم البهيّة واجتلاء انواركم مع من حواه ذلك الصقع الميمون من المشايخ والاخوان وأهل المكارم من أبناء الطائفة المعروفة بالمَكرمات والمواقف المشرّفة المدعومة بالشجاعة والتضحيات أصحاب الايادي والتبرعات شرّف الى بلادنا الشيخ الجليل الشيخ أبو فندي جمال الدين ناقلا الينا ما تعانون من أجلنا في هذه الأيام بالإضافة لما قُمتُم  وجُدتم به سابقا ولاحقا بسخاء فائق وأريحية طيّبة لمساعدة الطائفة عندنا مصحوبا بما جادت به طائفتنا الكريمة في إسرائيل وقد أودعت هذه التبرعات صندوق الطوارئ للطائفة، فنسأله تعالى أن يبقيكم لنا سندا في المُلمات جريا على مناقبكم المتوّجة بأسمى الصّفات، كما نسأله تعالى أن يُوفق مشايخَنا واخوانَنا وأبناءَنا أبناء طائفتِنا الكريمة وأن يفيّض عليهم الخيرات والاستمرار في مثل هذه المواقف المشرّفة والأخلاق النبيلة المرفوقة بالشجاعة والسخاء المعروفي ،سلامنا الى مقامكم الرفيع والى جميع مشايخنا واخواننا وأبناء الطائفة الكريمة واقبلوا احترامَنا مع شُكرَنا والتقدير .

 ف 10 .3 .83                                              مستمدُ الدُعا                              مستمدُ الدُعا 

                                                          ألحقير جواد ولي الدّين                    ألحقير نجيب غانم 

يسرُنا ويشرّفنا أن نتبنى كلّما جاء في كتاب شيخَينا الجليلين من دُعاء وتقدير وامتنان، سائلينَه تعالى أن يُجزي المحسنين خيراً ويُعَوِضهم ثوابَ الدُنيا والاخرة.

                                                                                            مستمدُ الدُعا

                                                                           ألحقير جمال الدّين شُجاع

الشيخ أبو فندي جمال الدين شجاع ونجيب صعب في منزل الشيخ في حاصبيا