كلمة في ديوان الشاعرة نادرة شحادة " أحلام عابرة " -  د. بطرس دلة
06/04/2021 - 10:26:26 pm

عندما نتحدث عن الشعر وعن ديوان الصديقة نادرة شحادة "أحلام عابرة "لا بدّ لنا من تعريف الشعر كما وصل الينا اليوم بعد مروره بالعديد من المراحل والمعارك الأدبية في تعريفه لذلك 

نقول : 

لقد مرّ الشعر العربي أعنف المعارك في الساحة الأدبية وذلك لأن الشعر ليس الفن الأثرى لدى الإنسان العربي وحسب بل لأنه جزء جوهري من مقوماته الروحية والوجدانية . فقد دارت المعارك الأدبية بين المتعصبين للشعرية الكلاسيكية التي تؤمن بالوزن والقافية وبحور الخليل بن أحمد الفراهيدي الستة عشر بحراً وبين دعاة التجديد والحداثة الشعرية وحتى أصحاب قصيدة النثر التي هي شكل من أشكال الحداثة الشعرية . 

والحداثة هي ثورة على المألوف , هي ثورة على ما في اثاث ذاكرة كل شاعر من قصائد كلاسيكية كان قد حفظها منذ صغره , ومع ذلك فهو أي الشاعر يثور على هذا الأثاث الموروث شريطة ألّا يبتعد عن الجمال والفرح وروعة الإلقاء واللحن الذي يهزّ النفس البشرية . وإذا كان بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور ونازك الملائكة والفيتوري وأمل دنقل وغيرهم من شعراء الحداثة , فليس معنى ذلك أن شعرهم لم تكن له قيمة إنسانية كبرى , ذلك أن هذا الشعر كان شعر اختزال وتعب كبيرين حيث كانت ذاكرتهم الثقافية غنيّة جداً وفلسفية عميقة جداً أيضاً ! ومع ذلك يقول شاعر العراق بلند الحيدري مقولته الشهيرة : لا يمكن لعصفور واحد أن يأتي بالربيع ! 

إذن لولا جيل الشباب الذي عاصر ذاكرتنا وتابع مسيرتهم في التحديث ولولا أنهم تابعوا المشوار لما كان للتحديث تلك الأهمية في الشعر العربي المعاصر . ولم يصل هذا الشعر الى العالمية كما فعل محمود درويش وسميح القاسم وسعيد عقل ونزار قباني وغيرهم وقد يكون هذا أحد الأسباب التي أبعدت جماهير عشاق الشعر العربي عن متابعة مهرجاناته التي كانت تعقد في منتصف القرن الماضي في ساحات قرانا ومدننا الفلسطينية المختلفة . 

يقول أحدهم : المشي جميل ولكن الرقص أجمل من المشي ! والغناء أجمل من الكلام , والغزال جميل وهو واقف ولكنه يكون أجمل عندما يقفز بلياقة ظاهرة . كذلك يكون الحصان أجمل عندما يركض فالحركة إذن هي توأم الحياة وهي توأم الجمال أيضاً ! 

عندما نتحدث عن شعر الحداثة فنحن لا نعني التحرر من الوزن والقافية والقوالب الموروثة فقط , بل نعني التحديث في المحتوى والمضمون . ونعني أن الشعر القديم كان شعر تصوير بينما شعر الحداثة هو شعر خيال !! إنه شعر ثورة وتمرّد في عالم متمرّد ! إنه جزء من اكتشاف تذوّق الإنسان الجمال وتصويرٌ لتطلّع هذا الإنسان الى الحرية والاستقلال ! 

إنه شعر حركة ومواقف من الحضارة الإنسانية , من الله ومن الإنسان والوجود ! إنه محاولة لتبديل عقلية بكاملها وخلق عقلية جديدة واعية , ذات قيم جديدة تتمشى مع متطلبات العصر الحاضر . 

إن ملامح شعرنا الحديث تبتعد عن الخطابة والحماسة ومقومات الرجولة والمنبرية , إنه شعر قد تخلّى عن بدْلته الرسمية المفصّلة من القوافي والبحور والأوزان والبنيوية العمودية الثابتة , وهو شعر يجب التعامل معه بطقوس مختلفة عما مضى وبشكل يتلاءم مع عشوائيته المشاغبة وفيه الكثير من الصدق مع الذات وفلسفة استحواذه لأكثر ما يمكن من الجماعة ! 

قال نزار قباني : " إذا كان شعري لا يتصدّى لمن يسلخون جلود الشعوب فلا كان شعري ! 

أخيراً أقول : إن الحداثة ثورة على السلطة الحاكمة وعلى السلطة المسيطرة في الساحة الأدبية والفكرية , وكلما ازداد تمرّد الحداثة على اللغة والنظام الموروث ازداد الشرخ عمقاً بينهما وبين الشريحة الاجتماعية التي تنتمي اليها , إذن إنها وليدة تحوّلات جذرية – إجتماعية – إقتصادية ثقافية – فكرية – داخلية ولها علاقات بالثقافات الأخرى عالمياً ! 

نسوق هذه المقدمة , لأن ما وجدناه في هذا الديوان هو أحلام عابرة وليس شعراً كلاسيكياً اعتدنا عليه , بل هو خروج على الموروث الشعري المألوف ! 

إنه تجديد من جميع النواحي البنائية والشكلية وحتى من ناحية المضامين . ولذلك فهو شعر حداثي أبدعته ريشة صديقتنا نادرة شحادة لأنها خرجت في هذا الشعر الى ما هو حديث . فلنتابع شيئاً مما كتبت كي نسير معها على درب النور والحرية والثورة الشعرية الحداثية في محاولة لتذوّق شيئ من هذا الشعر . 

لنأخذ القصيدة الأولى بعنوان " وللحكاية بقية  "  ترى صديقتنا أن الأشياء تجردت من براءتها !!! فقد تغيّر كل شيء ! تغير لون البحر , وتغير لون الشمس ولون الأرض وحتى لون الماء في بحرها ولون العشب ولون النخيل , بينما تكون الفصول معلقة بطرف غيمة ويكون السحاب ثقيلاً بينما يسعل الشتاء في آخر الدرب ويكون الصيف طفلاً صغيراً في يد الشمس فيأتي الربيع ليغفو كالقتيل على الشوارع وتبيت الغيوم بين الجبال . لكن الريح لا تتوقف عن العدو لذلك فإنها تطير في كل الإتجاهات . كذلك فإن الصيف يحمل حزناً مبعثراً في يديه ويحمل الطفل الملح على جرحهِ ! 

وعندما تسبح الشمس في الفضاء الرحب يبكي الرمل وحجارة الوادي فيتبدّل كل شيء ! يصبح صوت الريح أجمل , ويتغير كل شيء الى الأفضل والأجمل والأروع ولكن الحكاية لا تنتهي ! 

ننتقل الى قصيدة " أنتِ الأجمل " : هذه اللوحة تبدو كما الرسم الجداري حيث تنبض الكلمات بالجمال والحياة والحركة ! فالحب لا يأتي إلا عند اللقاء والدرب ممهدة للوصال إذن فلتبتسم : كي تفوح البسمة من عطرها ! ويرتاح القمر من الجري الى البعيد ! وإذا كانت للحبيب ذاكرة فإن تلك الذاكرة لا تليق بجميع النساء ! أما هي بطلة الحكاية فإن حقولها لا تتسع لأزهاره.  وورودها لا تندف عطراً وموجودة بجانبها هو نهر لبستانها وإذا كانت لديه اسرار فهي أحلام جميلة اللحن والنغمات تراقصها على وجلٍ حين تهامسها الكلمات حيث تليق به كل الهمسات وكل البسمات ! 

هكذا يعيش الحبيبان فينسيان الكلام ويتحول الهمس الى صلوات وخشوع في معبد الحُب ! لذلك فهو يقدم لها ما تشتهي من اخضرار الربيع ويأخذ منها ما تشتهي من مطره الأول وهو أول العشق ! 

لفتت انتباهنا قصيدة " تجليات روح " 

في هذه القصيدة تواضع وثورة , تواضع لأنها تعلن للحبيب أنه يكفيها أن تموت فيه حُباً ! وأن تشرب من المدام عشقا ! وذلك لأن الحب لديها كما البرق في شغاف القلب , فهو دواء للقلب وبدونه يكون الشقاء , ولأنها تعشق وتحب فإنها تسكب حبّها شراباً ودواءَ جرح ٍ يشق القلب الحزين شقاً لأن جميل الروح يبقى ملكاً على عرش الجمال ! 

أما في قصيدتها " للورد رحيق آخر " فتحاول الشاعرة نادرة أن تعيد تجربة الولادة من جديد كزنبقة في عيد الميلاد أو كسنبلة في شعر صديقتها الأشقر , وكما كانت ترى نفسها أرجوانية الخطى خضراء العشب فإنها تجد أن الصديقة تصلح أن تكون سواراً في يدها حيث يتحول الزهر الى صلاة وعناقيد كرم قد تخمّر , لذلك فهي ترجو تلك الصديقة أن تترك ظلها يتعطر في شمسها لأنها شرقية الأوطان بحرية الألوان فتختلفان معاً برحيق المآسي . 

فالصديقة هي ريحانتها وروحها , لذلك فإن شرفتها تتحول الى ميناء في بحر الصديقة خاصة عندما يقبل المغيب فتزداد عشقاً في كل  مساء وتعود الى لون العينين لترتشف الورد خمرة ً وتشرب البحر ملحاً وتذوب أكثر فأكثر ويموج فيها البحر أكثر . 

أخيراً نقول إن ما وجدناه في هذه القراءة لبعض القصائد لا يغني عن قراءة الديوان كاملاً , وذلك كي تتكامل الأفكار التي تتعاطاها الشاعرة غير هذه المجموعة .

هكذا إذا في هذا الديوان وجدنا شاعرة شديدة الحساسية لما يدور حولها من مشاكل حياتنا ولكن الحب يشغلها لتتغلب على تلك المشاكل وتعيش مع فتى أحلامها أجمل أيام العمر . 

فللعزيزة نادرة شحادة أقول : 

أيتها الشاعرة المبدعة ! وحده الليل يعلم أنني أبحث لك ِ عن وطن ٍ ملؤه الحُب والأمل , وطن فيه الكثير من الحرية والاستقلال , وطن لا يعرف كثرة الكلام كما يعرف كثرة العمل والإنجاز . 

فقصائدك ِ فيها الكثير من فلسفة الحب والحياة وعمق المعاني ولكن بدون ترهّل , وقارئ ديوانك هذا سوف يجد لديك ِ شعراً هو كالشرفة البيضاء على المدى الأزرق وكغمزات العذارى الوالهات العاشقات حينما يغمر سطورك الطيبُ والجلّنار فتبدين عاشقة لحبيب القلب وتصبحين رمزاً للجمال والأناقة , لأن في كلماتك الكثير من الأناقة المحببة ! 

فيا أيتها الشاعرة المبدعة ! 

لكِ الحياة كلُّ الحياة . 

                                                                        مع فائق محبتي 

                                                                             واحترامي 

                                                                    د. بطرس دلة – كفرياسيف 



المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق