صُلُوحيّة «خرافات إيسوب» للكبار والصغار معًا .
04/11/2020 - 01:43:50 pm

صُلُوحيّة «خرافات إيسوب» للكبار والصغار معًا .

(ق.م 560-620)

بقلم : الدكتور منير توما  كفرياسيف

 

إنّ «خرافات إيسوب» هي أكثر المجموعات من الخرافات المبكرّة والعظيمة التي كُتِبَتْ نثرًا في اليونان القديمة ونُسِبَت تقليديًا الى عبدٍ مُشَوَّه أو بَشِع يُدعى إيسوب، الذي حاز شهرةً فائقة لقدرتهِ على قص الحكايات . ولقد كانت هذه الحكايات المميزة مُعَدّة أصلًا للكبار ـ لكنها لاحقًا أصبحت حكايات قياسية للأولاد الصغار وقت النوم .

إنّ الخرافة هي حكاية قصيرة ، بسيطة تُظهِر حيوانات أو أشياء ليست ذات حياة كشخوص وذلك كي يضفي حقيقة ويُعَلِّم درسًا أخلاقيًا حول الظرف الإنساني البشري . إنّ إسحق بيشيفز زﯦﻨﭼر ، كاتب الخرافات الحديث ، ربّما سمّى الخرافة «الشكل القصصي الأوّل» وأشار إلى أنّ الإنسان القديم اعتقد بأنّ الأساطير والخرافات كانت حقيقية ولكن ليس بالضرورة أن تكون في الواقع دقيقة ، تمامًا كما لو أنَّ الولد يمكنه أن يستوعب درسًا ما وأن يتضمن ويحتوي هذا الدرس على حقيقة وراء كذبة واضحة جَليّة . إن الخرافات هي أيضًا تشاؤمية في وجهة نظرها .

وبينما يخبرنا إيسوب ويضعها تحت عنوان «الذئب والأسد» : أنَّ ذئبًا كان قد سرق حملًا من القطيع ، وكان يحمله الى وِجَاره ، فإذا بأسدٍ يوقفه ، ويقبض ماسكًا وآخذًا الحمل منه . فاحتجّ الذئب قائلًا : «إنّك أخذته مني بغير استحقاق وهذا كان لي». وردًا على قول الذئب أجابه الأسد باستهزاء ، «إنّه بحق كان لك ، أليس كذلك؟ ولكنه هدية من صديق؟». 

إنَّ المؤرِّخ اليوناني هيرودوتس (ق.م. 425-484) ذكَرَ «إيسوب كاتب الخرافات» ، والذي وصفَهُ بأنّه عبد من فيريجيا (حاليًا تركيا) حَصَل على حريته عن طريق سرد الخرافات ونَعِمَ مستمتعًا بصحبة المحظيّة الجميلة رادوبيس . وقد بلغت شهرة إيسوب من العظمة بحيث أن إسمه أيضًا قد ذكره كل من سقراط ، أرسطو ، أرسطوفانيس ، أفلاطون ، بليني وجمهرة من الكتّاب القدماء الآخرين .

يعتقد كثير من المؤرخين بأنَّ خرافات إيسوب قد انتقلت وانتشرت عن طريق التقليد الشفوي الذي يعود في بعض الأمثلة أبعد كثيرًا من القرن السادس قبل الميلاد ؛ قليل منها إقتُفِيَ أثرها على أوراق البردي قبل 800 إلى 1000 سنة . إنّ الخرافات الذي ذكرها كما يظهر لم تُجمَع ولم تُكتَب لغاية ثلاثة قرون بعد موتهِ. وخلال الفترات اللاحقة ، بما فيها العصور الوسطى وعصر النهضة ، قد تمَّ إضافة خرافات إضافية الى قائمة الخرافات المنسوبة لإيسوب ، مع أنّها في الحقيقة جاءت من أزمنة وثقافات أخرى ليس لها علاقة بالعبد السابق . وعلى مدار الزمن تمَّ تنقيحها وتكييفها ، مع الحفاظ على بساطتها الأصلية ورسالتها القوية المُقنِعَة. إنَّ المخطوطات الكتابية اليونانية واللاتينية قد كَرّرت خرافات إيسوب ، وروايات للحكايات كانت بين بعض المواضيع المبكرة التي تُرجمت وطُبعت عبر أوروبا ، مُعَزّزة الى بُعْدٍ كبير صيتَهُ ككاتب ٍ وراو ٍ للخرافات .

ولكي  يُقبل جانر (الجنس الأدبي) للخرافة ، فإنّه كان لا بد من اضافاتٍ لاحقة بغية أن تلتقي بعددٍ من المعايير : أن تكون هذه سهلة وبسيطة وغير مُزينة ، موجزة وحقيقية للطبيعة في تصويرها للحيوانات والنباتات . إنّ سياقها والمغزى المستنتَج شكلّت أمرًا حاسمًا . وبالتالي يتوجب أن تمنح حقائق خالدة وعالمية .

لقد نُشِرت روايات لهذه الخرفات بأشكالٍ لا عدّ لها وبلغاتٍ متعدّدة . إنّ خرافات إيسوب قد تمّ أيضًا مسرحتها على المسرح وفي الأفلام ، وتمّ إعدادها للشعر والموسيقا ، وكذلك تكييفها وملاءمتها للصور المتحركة ، وأداء هذه الخرافات في الرقص .

ولقد كانت هذه الخرافات أساسًا مُعَدّة وموجهة للبالغين والكبار ، لكن في عام 1693 ، قام الفيلسوف الإنكليزي جون لوك بالدفاع عن فكرته لخياطتها لِ «لمتعة وتسلية الولد» ، برفقة رسوم توضيحية تجذب الناس صغيري السن . ومنذ ذلك الحين ، أصبحت خرافات إيسوب إنتاجًا رئيسيًا لأدب الأطفال والأولاد ، وبذلك فإنَّ أسماء القصص («الذئب في ثياب الحمل» ، «الأوزة التي وضعت البيضة الذهبية» ، «الولد الذي صرخ : الذئب») قد أصبحت جزءًا من اسم ٍ دارج ٍ شائع عمومي .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق