بساطة المعاني في مجموعة « وترٌ يُغَرِّدُ في شجن » لحنّا سمور
06/08/2019 - 07:15:26 am

بساطة المعاني في مجموعة « وترٌ يُغَرِّدُ في شجن » لحنّا سمور
 

بقلم : الدكتور منير توما- كفرياسيف

عند قراءتي للمجموعة الشعرية التي كتبها الأستاذ حنّا سمّور تحت عنوان « وترٌ يُغَرِّدُ في شجن » لمستُ البساطة الظاهرة في طرح المعاني والتي يغلب عليها ويطغى فيها العنصر الرومانسي الغزلي ، وإن كان في أحيانٍ كثيرة يبدو عليها رتابة الكليشهات المألوفة والشائعة كثيرًا في شعر الحب والغزل عِلمًا بأنَّ الأستاذ سمّور لا يكتفي بطرح النصوص الرومانسية الغزلية ، بل يتعدّى في مجموعتهِ هذه الى تناول النصوص الشعرية الشعبية باللغة العامية المحكية ذات النكهة الوطنية التي تتلمس التعبير عمّا يختلج في نفس الشاعر من استياء مما يشاهده ويعايشه في مجتمعهِ ، وعما يعانيه من ألمٍ وغضبٍ وعدم رضى عما يدور حوله في الأوساط الحياتية من توترات وتناقضات وسوء في التقدير والتعامل على مستويات عديدة ذات منشأ اجتماعي وفكري وإنساني يعاني من عوامل الالتواء والبُعد عن الاستقامة وصحة الأجواء .

ومن اللافت أنَّ الأستاذ سمّور يجيد التعبير العاطفي الإنساني عن مشاعرهِ المتألمة تجاه ما يراه ويشهده من عذابٍ للبشرية متمثلاً في قصيدتهِ « همسات ألم » حيث يتماهى ويتماثل بكلّ جوارحهِ ومن أعماق قلبهِ مع الأطفال المقهورين والطفولة البائسة بفعل ما يحدث في العالم عامةً وشرقنا ومنطقتنا خاصةً من مآسٍ دون اكتراثٍ أو محاولاتٍ لتفادي ذلك ، مع أنّ الأستاذ سمّور لا يفقد الأمل في أنَّ الرب وخالق هذا الكون قد يستمع لدعائهِ في إنقاذ العالم من الشرور المتفشية وإحلال السلام في أرجاء المعمورة . وفي هذه المعاني يقول الأستاذ سمّور :

النارُ بقلبيَ تأكُلني

تفتكُ تكوي تحرقُ تنهب

وضميرُ العُربِ المتآكِل

قد بيعَ لأسيادِ الغربِ

خيراتُ للشعبِ تُهَرَّب

ونساءٌ تُخطف وتُعَذّب

وجوامع كبرى وكنائس

دمَرها الإرهابُ الغاشم

ومشافٍ تُسْرَق وتُخَرَّب

يا رب الكون وباري الارضَ

وباري الكل وبارينا

اجعل أيامَ المستقبل

نورًا وسلامًا وامانا

أنقِذ أبناءَك يا ربي

من أنيابِ الوحش الكاسر

من أيدي الإرهاب الكافِر

أنقذنا من شرٍّ آتٍ

أنقذنا من شرٍّ أصعب

وعند الحديث عن النصوص الشعرية الغزلية في شعر هذه المجموعة ، نتخذ من قصيدة « شذا عمري » (ص62) نموذجًا لنقد هذا الاتجاه في شعر الأستاذ سمّور هنا ، فالنص الشعري ، أو الإبداعي ، كان دائمًا ، هو مَن يفتح الأراضي الجديدة ، ويكشف مجهولاتها ، وحين نقرأ على سبيل المثال هذهِ القصيدة نجد أنّ المفاهيم والمصطلحات التي بها نقرأ الخطاب الشعري ، هي نفسها التي نستعملها واستعملها دائمًا الشعراء في الماضي والحاضر وأصبحت تنتمي الى كليشهات الغزل الرتيبة ، وستكون قاصرة لا بل وعاجزة عن التحديث الوصفي الإبداعي ، رغم ما في القصيدة من المقوِّمات الجمالية الإيقاعية ، والألفاظ الرقيقة بمعانيها ذات رهافة الحس كما نرى في الاقتباس التالي من القصيدة :

ألا تدرينَ أنَّكِ آسرتي

وأنَّكِ صاحبُ الأمرِ

ألا تدرينَ

أنكِ عمريَ الغالي

وأنكِ شمعةُ الإيمانِ

في دربي

وأنكِ عشقيَ العُذري

ألَا تدرينَ

أنَّ جمالَكِ الأخاذَ يسحرُني

ويسكرُني ككاساتٍ

من الخمرِ

ألا تدرينَ

أنكِ نورُ أيامي

وأنكِ طيفُ أحلامي

وأنَّكِ منبعُ الفكرِ

ألا تدرين

أنَّ الليلَ سامَرني

وأنَّ النجمَ خاطبني

بإسمكِ يا شذا عمري 

وتكَرّر هذهِ المعاني والأوصاف الغزلية في عالم الحب والغرام متخذةً النَفَس ذاتهُ من حيث الجوهر والمضمون في قصائد غزلية أخرى ، نختار منها ما ورد في قصيدة « كوجه البدر » (ص87) حيث جاء فيها :

كوجهِ البدرِ طَلّتُها

يزيلُ الكربَ من قلبي

ويهديني الى الدربِ

ويُلهبني بنارِ الشوقِ

يسحرُني يؤرّقُنني

على أنوارهِ أسهر

محيّاها يلازمُني ويسعدُني

يحلّي عمريَ الغالي ويجعلُهُ

كطعمِ المسكِ  بل أكثر 

وهنا ، وفي القصيدتين السابقتين مع ما فيهما من بساطة وصراحة تتجسم فيهما العاطفة الصادقة والطاقة الفكرية والفنيّة ، والاندفاق التعبيري الجميل ، إلاّ أنّهُ لا يتوفر فيهما ما يُعرَف بالشعرية الدينامية التي يكون فيها النص قابلاً للحركة باستمرار ، ونعني النص القَلِق الذي لا يفتأ يتموَّج ، ويتشظى ، دونَ أن يعبأ بالثابت أو المكتسَب . ففي الشعرية الدينامية يبقى الإنفتاح متوثبًا ، يَقِظًا ، مفعمًا بحركيتِه ، ولا يستكين ، أو يستقر ، وهذا ما كُنّا نأمل أن تتصِّف بهِ غالبية قصائد المجموعة التي تتسّم فقط بالشعرية المفتوحة التي تفتقر لِما يجعلها دائمة اليقظة والتوتّب .

ومما يسترعي الانتباه الى أنّ الأستاذ حنا سمّور قد كتب العديد من القصائد الشعبية باللغة العامية ووضعها في هذهِ المجموعة من حيث كون الشعر باللغة العامية المحكية لم يكن وقفًا على العامة من طبقات الناس الثقافية والفنية كما يتوهم بعضهم ، بل كان شائعًا لدى كل الطبقات ، إذ كان له من المكانة في النفوس والمحبة في القلوب والتأثير الحسن على السامع أو القارئ ، وهذا ما فطن إليه الأستاذ سمّور واهتم أن يكتبه ويُضَمِّنُه كتابَهُ ، ليجد فيه القرّاء والسامعون ما يؤنسهم ويطربهم ويخلق البهجة في نفوسهم كما نرى في قصيدة « نبع الحنان » (ص120) التي يهديها الى كل الأمهات ومن ضمن ما يقول فيها :

أتركيني يا دني الليلة اتركيني

وعلى وطني يا أقدامي خذيني

تحيي أمهات الوطن كلوا

وامسح عنهن الدمعة الحزينة

واهنيهن بهالعيد وجماله

واحطن جوهرة ترصع جبيني

تعوا تنجمِّل الدنيا وأهلها

وما ننسى الأم قبطان السفينة

الأم الغالية تعبت ليالي

وعلى اولادها كانت أمينة

وكل أم بربوع الوطن أمي

بكل منزل بقرية او مدينة

يا رب الكون يا رب البرايا

لا تحرم ابن من إمه الحنونة

وبدون الام يا ربي والهي 

بيتخربط يساري مع يميني

وخلاصة القول إنَّ الأستاذ حنا سمّور قد كان في مجموعتهِ الشعرية هذهِ حلو الأسلوب ، جيّد اختيار الكلام ، وأنَّ لألفاظِه رونقًا خاصًا تألفه النفس ، وأنّ في شعرهِ موسيقى ذات إيقاع جميل ، وأنّه قد استطاع أن يلائم ، الى حدٍ مُقنِع ، لا بين جمال اللفظ وبساطة المعنى فحسب ، بل بين نمطية المعاني الشائعة المألوفة ، والاحتفاظ باللغة في جمالها وروائها وبهجتها وصفائها .

فللأستاذ الكريم حنّا سمّور أجمل التهاني وأصدق التحيات مع أطيب التمنيات بدوام التوفيق وبالمزيد من العطاء .

 

تموز 2019

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق