الكاتب الشيخ نمر نمر في بيادرهِ القروية والعبرية
21/11/2018 - 07:16:55 am

الكاتب الشيخ نمر نمر في بيادرهِ القروية والعبرية

بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف

 

لقد كان من دواعي سروري أن تسلّمت مؤخرًا كتابين قام الأستاذ الشيخ الكاتب الحصيف نمر نمر ابن قرية حرفيش العامرة بأهلها ، بإهدائي إياهما مشكورًا بعد أن أصدرهما تحت عنوان "بيادر عبرية" للأوّل ، و "بيادر قروية" للثاني ، حيث تناول في مقالات كتاب "بيادر عبرية" مواضيع شتى في الثقافة العبرية اجتماعيًا وأدبيًا وسياسيًا ، وقد امتازت هذه المقالات بشمولية الرؤية وسعة الأفق تجاه إيجابيات وسلبيات مظاهر محدّدة في الفضاء العبري في البلاد مما يشير الى مدى استنارة الكاتب في عرضهِ لهذه الرؤى لغةً وفكرةً وأسلوبًا ، فكان بذلك ناقدًا لا يخشى لائمة لائم من جهة ، وانسانيًا في نزعتهِ ، يتّسم بالشجاعة الأدبية وبصراحته المعهودة من الجهة الأخرى ، فهو يتطرّق الى العديد من الأمور الحسّاسة التي لا يجرؤ الكثيرون عن خوض غمارها بهذهِ الكلمات والمعاني بما تحمله من تداعيات وارهاصات واضحة في تشعباتها وابعادها على مختلف الصُعُد التي رمى إليها الكاتب المستنير ليميط اللثام عن مكنونات مشاعره ومعلوماته ورؤاه الخاصة والعامة فيما يتعلق بما جرى ويجري في هذا السياق مع لفتات من التقريظ تجاه بعض الشخصيات العبرية التي أشار الكاتب اليها وبما امتازت بهِ من سمات وصفات إنسانية محمودة ، دون أن ينسى الى ابداء ما لديهِ من تحفظات مشوبة بأمانة الكلمة حول مواقف وآراء معينة سواء أكان ذلك بالتصريح أو التلميح أو الإيحاء .

ومن اللافت أنّ الكاتب الشيخ الفاضل نمر نمر يدفع القارئ بحنكة وذكاء الى قبول فكرة البحث في المتغيرات والثوابت الأساسية في بنية الواقع العبري في البلاد ، وذلك من أجل تصوير الخطوط التي تقف وراء تبلور الخطاب النظري العبري المعاصر في مجالات ثقافية وسياسية واجتماعية .

وهنا أكتفي بهذا التعقيب الخاطف عن كتاب "بيادر عبرية" لأنطلق بتقديم تعليقٍ موجز على كتاب "بيادر قروية" الذي استمتعت أيضًا بقراءتهِ لما فيهِ من ذكريات ومعلومات تختص بسيرة حياة الكاتب ابن القرية العريقة مُتخِذًا لنفسِه إسمًا رمزيًا يحمل في ثناياه الكثير من الايحاءات حيث أطلق على نفسهِ اسم عبدالله المحمّد المنتمي بجذوره ومواطنيته الى قرية حرفيش كأحد أبناء الطائفة المعروفية الكريمة ، والمُعتّز بعروبته الأصيلة .

إن أول ما يستوقفنا في كتاب "بيادر قروية" ارتباط الكاتب الشيخ نمر نمر بواقع الحياة القروية العربية ، هذا الارتباط الذي لم يتأثر بعامل الزمن ، رغم كل المضايقات والمواجهات التي تعرّض لها في صباه وشبابه على خلفيات السياسة القاهرة كإنسانٍ رافضٍ للقمع والإكراه في تحديد قناعاتهِ واختياراتهِ المجتمعية الشخصية ، وكان يعني في كتابه مسألة التجنيد الإجباري الذي أرغم عليها . ونحن نلمس في سطور هذا الكتاب أنّنا أمام مثقف مخلص لقضايا شعبه وواقعه ، مُتَتبع لهذهِ القضايا ، شارحًا العديد من أمور الطائفة المعروفية في البلاد على مدار العقود الماضية ، آتيًا على ذكر الكثير من زعماء الطائفة ومواقفهم في قضايا اجتماعية مصيرية مرّت بها طائفة بني معروف ، مُفَصِّلا رأيه بوضوح ، عارضًا تصوّره ازاء هذه القضايا انطلاقًا من إيمانهِ بانتمائهِ العروبي الإنساني الذي أكّد عليهِ مرارًا في هذا الكتاب ، والذي يؤكد عليه دائمًا في طروحاتِه الأدبية والفكرية الثابتة . ومن الملاحظ أنّ الكاتب يدأب في كتابهِ الى الحديث عن قريته حرفيش ومعالمها ولو كان ذلك بايجاز ، وكذلك ذكره للقديسة مريم بواردي الحرفيشية ، لنعود الى ما يختلج ويعتمل في صدر الكاتب من مشاعر الحنين الى زمن العمالقة من الزعماء والقادة العرب أمثال الرئيس جمال عبد الناصر والمعلِّم الزعيم كمال جنبلاط بالاضافة الى التعبير عن وفائهِ وتقديره البالغ لشخصيات من بلادنا كالقياديين والأدباء والشعراء الذين كانت لهم صفحات بيضاء في تاريخ الشعب العربي في هذه البلاد ، علاوةً على تسطير الكاتب ذكريات من دراسته في المرحلة الثانوية في كفرياسيف ، حيث يتذكر تلك الفترة العطرة كطالب في مدرسة يني الثانوية ، وما يكنّه من محبة لقرية كفرياسيف وأهلها ومدرستها التي يلهج بفضلها وفضل معلميها على أبناء وبنات العديد من البلدات العربية الذين تتلمذوا في مدرسة كفرياسيف الثانوية ، وربطت بين الكثيرين منهم وشائج الصداقة والمحبة الخالصة التي ما أنفك الكاتب الفاضل عن الإشادة بها لوفائِه وأصالتهِ .

لقد تضمن كتابا الشيخ الأستاذ نمر نمر الجانب السردي والجانب التحليلي للأمور المعلوماتية التي ذكرها ، مبديًا الاشياء من بعض القضايا والمواقف المجتمعية لأشخاص ٍ معينين لممارستهم وسلوكهم المتصف برأيه بالانهزامية والخنوع وأحيانًا لدى البعض بالسلبية الموجعة وذلك في أزمانٍ ومواقيت مختلفة متنوعة في هذهِ البلاد . أما من ناحيةٍ أخرى فإنَّ الكاتب لا يفوته أن يحمل فيضًا من الآراء ووجهات النظر في صفحات الكتابين التي يُعَبِّر فيها عن تقديره واحترامهِ واطرائهِ الصادق لشخصيات من الفضائين العربي والعبري في هذه البلاد لامتلاكهم الأدوات الإنسانية الحضارية .

وخلاصة القول أنّ الشيخ الكاتب نمر نمر في كتابيهِ "بيادر عبرية" ، و "بيادر قروية" قد اعتمد أسلوبًا فيه مقاربة للجانب العلمي بمزيجٍ من الذاتية والموضوعية ، ويتصل بفحص المواقف وتحقيقها واستنباط دلالاتها مع دقة التفسير والتعليل والتحليل ومعرفة الظروف التي أحاطت بها والمؤثرات المختلفة التي أثرت في منشئيها ، وبيان الصلات بينهم وبين محيطهم وبيئاتهم وعصورهم .

وهناك أيضًا جانب فني في الكتابين ، وإن اختلفت الموضوعات ، فهذا الجانب يتصل بنقد الأفكار والمواقف وتصوير شخصيات أصحابها وما تحدث في نفس قارئها من لذةٍ تارةً، واندهاش واستغراب تارةً أخرى ، وهو الجانب الذي يحيل الكاتب الأدبي الى عملٍ ممتع يلذ العقل والشعور ، إذ نرى من خلالهِ خصائص الكاتب الأدبي العقلية وملكاتهِ وقدرته على طرافة العرض والتصوير ، وفرادة السرد والتحليل (uniqueness of narration and analysis) .

وأخيرًا وليس آخرًا ، لا يسعني الإّ أن أتقدم بخالص التهاني والتبريكات للشيخ الفاضل الأستاذ نمر نمر لإصدارهِ هذين الكتابين اللذين يستحقان كل ثناء واطراء ، متمنيًا للكاتب الكريم دوام التوفيق والمزيد من العطاء مع موفور الصحة والعمر المديد .

تشرين الثاني 2018

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق