العنصر الإنساني في كتاب الأطفال "شجرة الخير" لشريف صعب والعِبرَ المستفادة منه
13/10/2018 - 07:49:37 pm

العنصر الإنساني في كتاب الأطفال "شجرة الخير" لشريف صعب والعِبرَ المستفادة منه

 

بقلم: الدكتور منير توما كفرياسيف

قام الكاتب الأستاذ شريف صعب مشكورًا باهدائي كتابًا للأطفال من تأليفه صادراً عن دار الهدى ع. زحالقة تحت عنوان "شجرة الخير"، مُزَينّاً برسوم الفنّانة نور الهندي التي أبدعت في رسوماتها هذه التي توافقت مع نص القصة الواردة في الكتاب.

لقد استمتعت كثيرًا بقراءة هذه القصة التي تميّزت بمضمونٍ إنسانيٍّ فريد وبعِبَرٍ تتضمن دروسًا للكبار والصغار على حدٍ سواء، وإنْ كان هذا الكتاب مُعَدَّا للأطفال، لكنه يستهوي أيضًا الناشئين والبالغين لما في القصة من خصائص مفعمة بالروح الانسانية بمعاني الرحمة والشفقة والرفق بالطير من جهة، والمكافأة الربانيّة للإنسان على صنيعهِ تجاه المخلوقات الضعيفة حيث أنّ قصة الكتاب تتلخص في كون بطل القصة الاستاذ مروان يقوم بإيكال أحدهم بقطع شجرة "الأزدرخت" الواقعة في ساحة داره مما أدى الى تحطيم عش يمامة كان يحتوي على فرخين لها، وبالتالي تهاوى الفرخان على الأرض وهما يستغيثان، فشاهد الأستاذ مروان هذا المنظر الذي يدعو الى الشفقة، فشعر عندها بالذنب، وكفّر عن ذنبهِ بإدخال الفرخين في سلّةٍ صغيرة ووضعهما فوق الحائط المحاذي، وبهذا عادت الأم بعد أن رأتهما في موقعهما الجديد وهي فرحةٌ بهما لتطعمهما وتعتني بهما. ولم يقتصر الأمر على هذا في ختام القصة، بل أنَّ الكاتب يخبرنا أنّه بعد عامٍ من حادثة اليمامة وفرخيها أنعم الله على الأستاذ مروان وزوجته بتوأمين، ولد وبنت، رُزقا بهما بعد خمس سنوات لم ينجبا خلالها، في حين كان الأستاذ مروان يتوسل بالدعاء الى الخالق كي يَمنَّ عليهِ بالذريّة الصالحة.

وهكذا نرى في هذه القصة التي تتسّم بالإيجاز المريح والمحمود للقرّاء، الأطفال منهم، والكبار، والتي تمتاز أيضًا بنبرةٍ إنسانيةٍ راقية، ولغة ثرية بالعبارات والجمل المفيدة تعبيريًا للأطفال كي يستفيدوا بإثراء قاموسهم اللغوي بالألفاظ والمعاني المستجدة على الكثيرين منهم مما يحدو بهم ويشجعهم على استخدام التعابير والكلمات التي وردت في النص ولم تكن معروفة لهم في مثل سنّهم الصغيرة إذا كنّا نتحدث عن أطفالٍ صغار في بدايات مراحل تعليمهم، فمن هذه الكلمات  والتعابير اللغوية نختار بعض النماذج من نص القصة مثل: "عن بكرة أبيها"، "اقترف ذنبًا"، "محبورةً"، أَصبحَ أثرًا بعد عين" وغير ذلك من الكلمات والتعابير التي تعود بالفائدة الجّمة على القرّاء لا سيّما وانهم بذلك يدركون ويتعلمون كيفية الاستخدام الصحيح للكلمات بمتصاحباتها اللغوية (collocations)، بالاضافة الى تنمية الروح الاستطلاعية والإستنباطية لدى الطفل المتلهف للمعرفة والذي يغريه أسلوب السرد الجميل المشوِّق الذي يتمازج مع اللغة ويتوافق مع ذهنيّة الطفل بكلِّ تشعباتها وأبعادها النفسية لتنشئة أخلاقية واعية بالقيم الإنسانية والفضائل البشرية في مختلف الميادين التي تتطلب الممارسة العملية والتطبيقية لها عند البلوغ بعد أن يكون قد نشأ وترعرع في ظل قدوةٍ حسنة رحيمة كما تجسّد وتمثّل في قصة "شجرة الخير" التي أبلى الأستاذ شريف صعب بلاءً حسنًا في عرضها وسردها من حيث الأسلوب والمضمون الحافل بالموضوعات الإنسانية التي قد نشهدها ونعايشها أحيانًا كثيرة في واقعنا الحياتي بحلاوتهِ ومرارتهِ، وقد أَظهرَ وصوَّر الكاتب في هذه القصة الوجه الجميل لإنسانية الإنسان لما يتحلّى بهِ من رأفةٍ ورحمةٍ يُجازى عليها خيرًا ونعمةً من رب هذا الكون ليتماهى ذلك مع قول الشاعر:

مَنْ يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيَهُ

لا يذهبُ العُرفُ بينَ اللهِ والناسِ

ومما يسترعي الانتباه أنَّ الكاتب شريف صعب يتطرق في سيرورة الحدث القصصي وفي نطاق سرده،  إلى شعور الإنسان بالذنب واقدامه على التكفير عن ذنبه واصلاح ما ارتكبه من خطأ أو ذنب بحق الآخرين كما تجلّى وتمثّل بتصرُّف وسلوك بطل القصة مروان مع كل ما في ذلك من بساطة الفكرة التي تتناسب وتتلاءم مع عقلية الطفل الناشئ الذي يستسيغ ويستوعب برهافة حسهِ العمل الإنساني الذي يحثه على تقليده، ويترسّخ في مخيلته ليس في الحاضر فحسب، بل في مستقبلهِ على المدى البعيد، ويتأطّر هذا الأمر في إطار العامل النفسي عند الإنسان المتلبس بالنزعة الروحية، فإنه سوف يحس بأن الإضرار بأي أي انسان أو حتى بأي كائنٍ حي – كما في القصة التي نحن بصددها – هو أمر أبعد ما يكون عن طبيعة الإنسان الحسّاس الرؤوف الشبيه بالشمعة المضيئة التي لا تصدر الى ما حولها سوى النور ولا تشع ظلامًا بل نورًا كذلك تكون حال هذا الإنسان الأرفع من مستوى الحيوانات المفترسة، فمثل هذا الإنسان المُمَثّل بالأستاذ مروان في القصة هو مثال للكائن الراقي، أو قل إنّه كائن روحاني، والروحاني لا يؤذي حتى أعداءَه، فكيف إذا كان الحال مع كائنٍ ضعيف متصِّف بالوداعة والسلم كاليمامة في القصة.

ولا بُدَّ لي في تعليقي هذا على قصة "شجرة الخير" التي خصصّها الأستاذ شريف صعب للأطفال، أن أشير الى أنّه قد وقعت بعض الهفوات والهنات اللغوية والنحوية في نص القصة رغم ثرائها اللغوي حيث اعتقد أنّ غالبية هذه الهفوات قد تكون فنيّة مطبعية تقنيّة لأنّهُ لدي القناعة التامة بتمكُّن الكاتب لغويًّا ونحويًا الذي ما من شكٍ فيه لديّ انه كان بإمكانهِ ودرايتهِ الواسعة تداركها، وجلَّ مَن لا يسهو. وقد ارتأيتُ في هذا السياق أن أذكر مثل هذهِ الهفوات لأهمية الأمر في عالم أدب الأطفال، والتي يُرجى أن تُصَحّح في الطبعات القادمة لهذهِ القصة الجميلة ذات المغزى رفيع المستوى.

فها نحن نجد في صفحة رقم 5 كلمة "عُطب" والصحيح "عَطَب" حيث وقع الخطأ في تحريك الكلمة فبدلاً من تحريك الحرف الأوّل بالفتحة حُرِّكت بالضمة، وهنا مكمن الخطأ. وفي صفحة رقم 8 ورد هناك الجملة "ليست إلاّ مصدرُ إزعاجٍ" والصّحيح أن يكون التحريك بالفتحة لكون الكلمة خبر ليس منصوبًا. كذلك نرى في صفحة رقم 15 الآية القرآنية "من يفعلّ مثقالَ ذرّة بهذا الشكل ليس دقيقًا، فالصحيح كما يلي: "فمن يفعل مثقال ذرةٍ خيرًا يرَه، ومن يعمل مثقالَ ذرةٍ شرًّا يرَه" (سورة الزلزلة 99). كما أنّ هناكَ خطأ في الصفحة نفسها بخصوص فعل الشرط وجوابه بعد كلمة "كلما" في جملة "وكان كلما يصلي يتوجه الى خالق الكون"، والصحيح أن فعل الشرط وجواب الشرط بعد "كلّما" يجب أن يكونا ماضيين وليس مضارعين أي يجب ان تكون الجملة الصحيحة نحويًا: كلّما صلّى توجه الى خالق الكون".

وفي الجملة نفسها يجب ان يكون تحريك آخر الفعل "لينصفهُ" بالفتحة أي منصوبًا بعد لام التعليل وليس مُحَرَّك الآخر بالسكون كما هو وارد في القصة.

وخلاصة القول أنَّ قصة "شجرة الخير" هي قصة ممتعة للأطفال تمتاز برشاقة الكلمة وتوهج الألفاظ والمعاني بكلماتها وتعابيرها التي تداعب المشاعر الإنسانية لما في مضمونها من موضوعاتٍ يصادفها الصغير والكبير في الحياة الواقعية من فضائل الشفقة، الرحمة، الشعور بالذنب والتكفير عنه بفعل الخير، المكافأة الالهية الربانية لصانعي الخير وكأني بالكاتب يذكِّرنا بقول السيد المسيح: "طوبى للرحماء لأنهم يُرْحمون". وقد أوحى لنا الكاتب بأنّ الله قد رحم الأستاذ مروان وكافأه بانجاب زوجته له توأمين، كما رحم هو نفسه اليمامة وأنقذ فرخيها وأعادهما اليها بسلام لتهنأ بهما كما هنئ هو مع زوجته لاحقًا بولادة الطفلين التوأمين. وفي صدد الرحمة نستذكر هنا قول الإمام علي بن أبي طالب: "إرحموا ضعفاءَكم فالرحمةُ لهم سببُ رحمة الله لكم". وكما جاءَ في المثل الانجليزي: "إرحمْ مَنْ في الأرض يرحمك مَنْ في السماء". ومن هذهِ الأمور ندرك أنّ الكاتب أراد أن يوحي للقارئ الطفل بالاقتداء بالرحماء وصانعي الخير في هذه الدنيا مؤكداً بذلك ما قاله لامارتين بأنَّ "الرحمة أجمل عطايا الإنسان"، ومَنْ يعطِ سوفَ يعطيهِ الرب.

وأخيرًا، لا يسعني إلاّ أن أعبرَ عن بالغ الثناء والإطراء للكاتب الأساذ شريف صعب على تأليفه الناجح الموّفق لقصة "شجرة الخير" المفعمة بروح المحبة والفضيلة الإنسانية والعطاء الرباني الذي يشكلّ برمتهِ مثالاً وقدوةً للاحتذاء بهِ، كبارًا وصغارًا، مع أطيب تمنياتنا له بدوام الابداع والعطاء والتوفيق.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق