رُحاق الرَّحيق  بقلم: د. منير موسى
19/04/2018 - 06:30:39 am

رُحاق الرَّحيق  بقلم: د. منير موسى

 

شعبَك لا تغدرْ، مُحبَّ الوطنِ          وتعلّم مِالطّير كيف يغنّي

نسمة ثلجيّة جليديّة تصقع صَقعًا؛ وطقس فيه بصيص من الوجْد الّذي يتغرّب أحيانا عن الوجود والوِجدان. ولا يمكن أن يلاشيَه لا مَحتِد ولا مجد، إلّا اخضرار الآمال والرُّؤى بعد الِاصفرار، ورؤية ما بعد الِاكْفِهرار. البذور تتساقط في الخريف، وتكعنش في الشّتاء بين الثّرى، وفي الرّبيع، ليلا، تضاحك الثّريّا، فقد صارت أزهارًا. الجوّ مزاجه متعكّر، وكأنّه يلبس قناع المتنكّر، والمقروح جفن شفقه القاني المتباعد المتداني الجوريّ اللّيلكيّ. المسافات الّتي تستدني الأوطار والغايات، يمكن أن تُغنِي، لكنْ، لا تريح. والأماكن القريبة الّتي فيها المساكن وطموح القاطن، إذا لم تغنِ، لكنّها تريح، وللفقر لا تدني. الطّبيعة السّاكنة كهدوء الغَيلم الّذي حليلته السُّلَحْفاة، وهي له بلسم، تعلّمنا الصّبر، وبُعد النّظر، والثّقة، والأناة . فهما خليلا الرُّعاة، وشديدا الحذر من البغاة. يدُبّان بين الصّخور، والثّغور، والأشواك، والغابات بلا وجل وارتباك. هما مطمئنان، واللّيلَ الطّويل ينامان، والدّروع تحميهما، فقلّما يذرفان الدّموع. وتلك السّاكنة قَطينها الطّبيعة المتحرّكة الخلّابة، من الفراشة والعصفور إلى الفيل. تلك الّتي لا يحكم فيها إلّا نظام الغاب الّذي هو بلا رحمة من الذّئب حتّى الرَّخْمة الجارحة! ماذا يروق النّفْس، وللنّفس الّتي تقتبس من الرّوح القبَس، ويبعث فيها التأمّل، والتجمّل، والخلود إلى الرّاحة في ذا الوجود؟ صخب السّيّارات، والّتي أصبحت تخوّف أكثر منَ الطّائرات، وقد سبقتها الكواكب السّيّارة بدهور، فلا تصدم، ولا تصطدم ببعضها، ولا تجور، وفي الفلَك بعجيبة تدور. إنّها حضارة بدأت تصَمّ الخواطر، وتعمي النّواظر. هذه مدنيّة اليُسْر والغَناء الفيحاء الأرجاء، كالحديقة الغنّاء، لكنْ، لماذا هي عجفاء؟ مع كونها متلفّعة بالبهرجة والِانجذاب والجاذبيّة، والمَشوب كُنهها، عندما تنكر أصلها، أو تتنكّر لفصلها. فقد طغت على حياة بعض المجتمعات المتعطّفة المتمنطقة ببُرودها الموشّاة المُحلّاة المتحالية السّابغة، وكم تكون زائغة! رُوا الرّوعة في الأشجار الفَينانة الّتي يستظل في أفيائها ابن السّبيل، كالسّندِيان والسّاج والسَّنْط ، ويأكل من ثمارها كثير الأسفار، كالتّفّاح، والتّين، والصّبّار، والصّنوبر، وقرون الخرّوب الطّيّبة والعاسية أحيانًا. تملأ الفضاء الرّحب الرّحيب نفحات قُصَف السّرّيس المتكئة على كواهل الوادي المتدفّق وعواتقه؛ والحانية عليها طرابين الفيجن الّذي يعشقه الزّيتون الأسوَد المكبوس حاملا معه رُحاق رَحيق الوعور الّتي يقبّلها الطّلّ في الدّيجور؛ وتناغيها خيوط الجوناء عندما يبزغ النور. ذلك الوادي الّذي ينساب سلسبيله، السّابحة فيه ذوات الأجنحة المغرّدة، القاطرة من مناقيرها حُبيباتِ الماء الّتي تحاكي الحَباب. العطور المتضوِّعة والّتي غادرت سفوح الأزهار دامعة؛ زُجّ بها قسرا في الأواني الزّجاجيّة خلّابة الصّنع منظرا وأناقة، تعطّر إلى حين.  فأعباق الطّبيعة البديعة للكون شفيعة، فالأجواء تُذكّيها، وتنشّرها دائمة مستديمة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق