أبو نزار الأصيل بقلم راضي كريني
10/12/2017 - 07:27:23 am

أيُّها الأخواتُ والأُخوةُ،  مساء الخير،

باسمي وباسمِ إخواني وأخواتي في لجنة أصدقاء "أبو نزار" نرحّبُ بكم، ونشكرُكم على مشاركتِنا في احتفالِ تكريمِ؛ أستاذِنا ومربّينا، وشاعرِنا وأديبِنا، وصديقِنا ورفيقِنا، وزميلِنا الذي تبرّعَ بسخاءٍ، وعملَ بإخلاصٍ وشاركَنا في تأسيسِ لجنةِ اليوبيل الذهبيّ والعملِ التبرعيّ وجبهةِ كفرياسيف الديمقراطيّة (لا ننسى له احتفال الذبيحة). زاملَنا في السكرتارية وفي الهمِّ والنضالِ والتربيةِ، وغمرَنا بالتعقّلِ والحصافةِ، وباتّزانِه في مناهضةِ الظلمِ والاستغلالِ والرعونةِ.

لَدى أبو نزار شيءٌ خاصٌّ به، غيرُ موجودٍ في أيِّ شخصٍ آخر، كما هو الحال في كلِّ واحدٍ وواحدةٍ منكم ومنكنّ. بعضُنا يعملُ ما يحلُمُ به بقدرةٍ عاليةٍ، وبإتقانٍ مُحكمٍ؛ فأخونا أبو نزار خيرُ مثالٍ على ذلك، فهو يعملُ ما يحلُمُ به بشجاعةٍ تحْمِلُ في طيّاتِها النباغةَ، والقوّةَ، والجمال. فيتغذّى من ثمراته الكثيرُ  من معارفه الطامحين للوصولِ إلى  عاطفتِهِ ومنطقِهِ وسلوكِهِ.

جئتُ لأعملَ مربّيًا في مدرسة يني، أحملُ الأفكارَ الثوريّةَ، وأكتبُ المناشيرَ والنشراتِ والمقالاتِ في صحفِ الحزبِ الشيوعيّ، وكنت متحمّسًا للتغييرِ إلى الأفضل؛ فوجدت طاقاتٍ وقاماتٍ مشجّعةً ومتضامنةً ومصحّحةً ومدقّقةً و... كانَت دافعًا لدافعيّتيي الدافعةِ للطلّابِ، ووجدت في "أبو نزار" منبّهًا ومحذّرًا ومحاورًا، فكنت أعرضُ عليه جلّ ما أكتبُهُ أو أترجمُه قبلَ النشرِ، وكان يراجعُ ويدقّقُ وينقّحُ ويلاحظُ، فأتقبّلُ برحابةِ صدرٍ تكاملَه معي؛ لأنّه نابعٌ عن غيرةٍ ومحبّةٍ وسعةِ اطّلاعٍ وشراكةٍ في المبدأ، لكنّه لم يقل لي، أو لغيري، مرّة: ليس لك فرصةٌ، أو أنت لا تقدرُ، أو أنت غيرُ مبنيٍّ لذلك، أو هذا صعبٌ عليك؛ بل كان يسألُ كيف. وماذا بعد النجاحِ في الخطوةِ الأولى و... وكان ينهي الحوارَ: ها أنا بستنّا الخبر الطيّب منّك.

بعد أن كبرنا، عرفنا أنّ الإجابةَ عن أسئلة: كيف ستعمل؟ وبمَ ستفعل؟ ولمَن ستعمل؟ وما هو الضروريُّ والممكن؟ كانت أدواتٍ ووسائلَ حثٍّ على بناءِ الإستراتيجيّات والاتّجاه العامّ، وعرفنا أنّ التحذيراتِ والحواراتِ كانت لتشذيبِ التكتيكات وتحديدِها وتقويمها لتكونَ طيّعةً ومقبولةً، ولتدخلَ في بابِ خدمةِ المصلحةِ العامّة عند التطبيق.

هكذا أيّها الأخوة والأخوات، تبلورت أفكارُنا وخططُنا، نعم سقطْنا أحيانا، ولكنّنا بفضلِ الدروس والعبر، والحواراتِ المتكاملةِ بأمثالِ أبو نزار سقطنا على الطريق، ولم نسقط مرّة خارجَه؛ لذلك كان من السهلِ علينا أن ننهضَ ونكمّلَ المشوارَ دون أن نفقدَ البوصلةَ والاتّجاهَ العامّ الصحيح.

لا يمكن أن نذكرَ أحمد الحج ونتصوّرَهُ شاعرًا فحسب. إنّه مربّي الأجيالِ أوّلا، وعاشقُ الأرضِ ومكتشفُ أسرارِها ومكنوناتِها ثانيا، إنّه شعلةُ نجاحٍ؛ فهو سبّاقٌ في النشاطِ والمثابرةِ والصبرِ والتسامحِ والتفاؤلِ وضبطِ الوقتِ والنفس، فهو لم يمارسِ الشعرَ إلّا على حسابِ راحتِهِ من العملِ في التربيةِ والأرضِ. فصورةُ الشاعرِ أبو نزار تسقطُ نورًا متوهّجًا على صورةِ المربي والزميلِ المطبوعةِ والراسخةِ في ذاكرتي على وسعِها، تدغدغُها وتنعشُها، تمامًا كصورةِ المحامي غاندي وتأثيرِها على صورة محرّر الهند المحفوظة عندي.  

عند الكثيرِ من المبدعين ثمّةَ بونٌ شاسعٌ بين ما هم عليه وما يحلُمون أن يكونوا، وقلّةٌ همُ الذين يحقّقون أحلامهم، وأبو نزار، وُلد أحمد الحج، وكبر كأحمد الحج، وعمل كأحمد الحج، وكتب الفكرةَ والشعرَ كأحمد الحج، لم يكن يومًا إلّا أحمد الحج الأصيل، لم يلعبْ دورَ الملائكةِ ولا الشياطين، ولا دورَ السيّدِ أو المسود، أحمد الحج بقي مخلصًا لذاتِه، وحرص على نقائِها وأصالتِها، ولم يزيّفْها، وفقًا لحساباتِ ومتطلّباتِ الحالةِ والضرورةِ والإمكانيّةِ، فهو ملتزمٌ بأصالتِه لأصالتِه، وراضٍ بما  تقتطعُه أصالتُه وتقدّمُه له من غذاءٍ وفقًا للظروفِ والبيئةِ. فهو قادرٌ على الفصلِ ما بين حاجاتِه الأساسيّةِ ودافعيّةِ الأنا التي تدفع به؛ كي يلبّيَ طلباتِه الكثيرةَ، كمسؤولٍ عن تصوّرِه الذاتيّ، وعن شعورِه بالسعادةِ اللحظيّةِ التافهةِ كاستجابةٍ للرغباتِ العابرةِ والقصيرةِ. لم يسمح أبو نزار لأناهُ إلّا أن يكونَ في المكانِ الإنسانيِّ والوطنيِّ الصحيحِ، على الرغمِ من أنّ هذا الموقفَ قد يكونُ أحيانا مقرونًا بتوتّراتٍ وبخساراتٍ اجتماعيّةٍ وماديّةٍ؛ فأبو نزار لن يكونَ إلّا أحمد الحج، ونحن نحبُّ ونحترمُ أحمد الحج الأصيل ونتمنّى له العمرَ المديد وهو هكذا؛ كي تمسي العِجزةُ خطوةً على طريقِ ميلادِ ديوان المعجزة القادم.

ملاحظة: الكلمة التي ألقيتها في امسية تكريم الشاعر أحمد الحاج، بمناسبة صدور ديوانه الشعريّ "العِجزة".



المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق