دولة القنابل العنقوديّة
10/08/2017 - 12:12:47 pm

دولة القنابل العنقوديّة

جدعون ليفي

2017/8/10                                                    ترجمة: أمين خيرالدين

      دولة إسرائيل تصبو لتقتل أكبر عدد من الأبرياء. وهي أيضا لا تريد بأيّ شكل  أن تنتمي لمجموعة الدول المستنيرة. ليس هناك طريقة أخرى لفهم التصريح الذي تقشعر له الأبدان لغيلي كوهين في ("هآرتس" 8.8)، والذي صرّح به أنّ جهاز الأمن قد قرر أن يفضّل استعمال مدفع إسرائيليّ من تطويره وقبل أن يُكْمله على مدفع ألماني، وذلك فقط من أجل الالتفاف على القيود الدوليّة المفروضة على استعمال القنابل العنقوديّة. أكثر من مائة دولة وقعت على ميثاق  يمنع استعمال القنابل العنقوديّة، وإسرائيل، كعادتها، ليست واحدة من هذه المائة دولة، بماذا تعنيها المواثيق الدوليّة، والقانون الدولي، والمنظمات الدوليّة – كلّها مصدر إزعاج كبير لا لزوم له. زملاؤها في الرفض كالعادة روسيا، الباكستان، الصين، الهند وطبعا الولايات المتّحدة الأمريكيّة، سافكةُ الدم الكُبْرى في هذا الكون منذ الحرب العالميّة الثانية. هذه هي البيئة التي تصبو إسرائيل لتنظمّ إليها، هذا هو النادي الذي تنتمي إليه.

      تُعتبر القنابل العنقوديّة بشكل خاص أسلحة خطيرة، تتحوّل القنبلة الواحدة إلى عدد لا يُحْصى من القنابل، تنتشر على مساحة واسعة، تقتل وتجرح دون تمييز، تنفجر بعد انطلاقها بسنوات. ليس عبثا امتنع العالم عن سلاح القتل الجماعيّ هذا. العالم – ليس إسرائيل، نحن كما هو معلوم حالة خاصّة. كلّ شيء مسموح لنا. لماذا؟ لأننا قادرون. الحقيقة أننا استعملنا القنابل العنقوديّة في حرب لبنان الثانية. والعالم لم يقل شيئا. وحقيقة أخرى أننا نستعمل الفلاشت*، وبدون رحمة، سنة 2002 شاهدت ملعب كُرة قدم في غزّة، كان جيش الدفاع الإسرائيلي قد أطلق عليه قنابل الفلاشت وقد أصاب كلّ الأولاد الذين كانوا يلعبون في الملعب. وشاهدتُ مرّة أخرى ألاف المسامير التي  ينثرها الفلاشت، مغروزة في حيطان البيوت في غزّة، لم يكن صعبا تَخَيُّل ماذا فعلت هذه المسامير في أجسام الآدميين.

    الفلاشت ممنوع دوليّا  ومسموح في إسرائيل. لماذا؟ لأننا شعب الله المختار، وربّما مسموح لنا كلّ شيء. نحن داود  يقابل جوليات، أقليّة تواجه أكثريّة، ضُعفاء وأصحاب حق  نواجه أقوياء شريرين، نناضل من أجل وجودنا المهّدد والميئوس منه، ورقة في مهب الريح مثلنا – لذلك مسموح لنا استعمال القنابل العنقوديّة، والفلاشت، والفوسفور الأبيض، وكلّ شيء. نقاتل من أجل وجودنا  ضد جيش جمهوريّة غزّة المتطوّر، والجيوش المخيفة لجيش الضفّة الغربيّة، وضد سلاح الجو التابع لمُخيّم بلاطه، والأسطول التابع لمُخيّم الدهيشه، خاصة ونحن نواجه "الخطورة المخيفة" من جانب الفلسطينيين، لهذا نحتاج لكثير من السلاح، وبدون تحديد. 

       خلّفت القنابل العنقوديّة  كثيرا من القتلى والدمار في كوسبو، ولاوس، وفي أفغانستان وفي العراق. وإسرائيل تريد أيضا. ساحات المعارك في الحرب القادمة ضدّ الاحتلال، من المؤكّد أنها ستنفجر،  ستكون مثل ساحات المعارك في لاوس، بفضل القنابل العنقوديّة التي سيُطْلقها المدفع المُقدس الجديد، من إنتاج المصنوعات الوطنيّة الإسرائيليّة. إذا لم يكن كذلك، ما حاجتنا بالقنابل العنقوديّة؟ ألا يوجد في مستودعات الأسلحة ما يكفي؟ القنابل العنقوديّة مُعَدّة في الأصل لمُجمعات سكانيّة مُكْتَظّة، حيث يمكنها أن تقتل أكثر، لذلك جيش الدفاع الإسرائيلي يرغب بها.

   في المرّة القادمة عندما تدعون أنّ العالم ضدنا وأن انتقاد إسرائيل والحقد عليها  لا ينبع من أعمالها – تذكّروا القنابل العنقوديّة. إسرائيل بنفسها أخرجت نفسها من منظومات الشعوب، لتنظمّ إلى الدول الخطيرة، تستهتر بالقرارات الدوليّة – ثمّ تتباكي بأن العالم يكرهها وبلا سبب. ومرّة أخرى عندما تتذكّرون جيش الدفاع الإسرائيلئ..، الأكثر أخلاقا في العالم، تذكّروا القنابل العنقوديّة.

   فضيحة القنابل العنقوديّة لا تقلّ شناعة بخطورتها عن فضيحة صفقة الغوّاصات، لكنّها لا تثير اهتمام أحد في إسرائيل. صفقة الغوّاصات فيها نقود، وفيها شهود ملكيين ومُتّهمين ومن الممتع التعامل معها، بينما فضيحة القنابل العنقوديّة تتعلّق بحياة أبرياء وبالوجه الإنسانيّ للدولة، ومَنْ يهتمّ بذلك؟ صفقة الغوّاصات فساد، الشعب ضدّه، بينما فضيحة القنابل العنقوديّة استهتار مُتعجرف ومتواصل بالقانون الدولي، لا يهمّ أحدا في إسرائيل. نفس المؤسّسة الأمنيّة تقف خلف الصفقتين – فضيحة صفقة الغوّاصات فساد من نوع، وفضيحة القنابل العنقوديّة فساد من نوع آخر، وفي جهاز الأمن يمكنهم أن يطمئنّوا، لن يُعاقَب أحد على استعمال القنابل العنقودية.

2017/8/10

----------

*الفلاشت = كلمة فرنسية تعني"السهم الصغير" وهو عبارة عن قنبلة تطلقها الدبّابات ضد الجنود. وقد تطوّر هذا السلاح خلال حرب فيتنام في حرب العصابات

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق