"دموع لم تسقط" للكاتبة شهربان معدي، بقلم الأديب: محمد نفاع
18/05/2017 - 12:37:47 pm

لم يحالفني الحظ لأتعرف على الكاتبة شهربان معدي إلاّ من خلال كتابها، وصوتها عبر الهاتف حول موضوع هذه الكلمات..
قرأت النصوص بشغف وتأمل، من أقانيم الأدب؛ الموضوع والمضمون والشكل الفنيّ، إن جوهر وموضوع الكتاب إنساني رحْب، ضد التعصب والانغلاق، فيه نماذج وأمثلة ضد الأدران الاجتماعية، والقهر وغمط حُرية المرأة والعُنف والتلوّن، إذا دبَّ التلوّن في ورق الشجر ففي ذلك علامة السقوط والتّساقط..

 

 

أن يكون الإنسان إنسانا في هذه السنين العجاف، قيمة أخلاقية وسلوكية سامية.

اغترفت شهربان هذه المادة القيّمة من الطبيعة الخلابة؛ أساس الحياة، من التراب الأسمر، من الأرض المعطاء، من خلجات الزهر ومُداعبة النسائم.. من عبق الزيتون والبرتقال والقندول الشائك..

عَنّ على بالي وأنا أقرأ الكتاب، بيت من نشيد يقول:
ما أكرم الطبيعة بخيرها العميم
فإنها بديعة كأمِّنا الرؤوم

فيه حنين إلى الماضي بنكهته المُدهشة، وقيمه وتراثه وتعقيداته، هذا الماضي الذي يعكس البيئة الاجتماعية التي كانت سائدة بحلوها ومرّها، بفرحها وترحها.. لكن، دون تزمّت تجاه الحاضر والمستقبل.. " الطبيعة لا تعرف الإجهاض، وكذلك الطبيعة الإنسانية، والمجتمع"

بين دفتي الكتاب تسرح وتمرح قيم السلام والتسامح والبساطة والطيبة والتواضع وإرادة الإنسان وطموحه إلى الأفضل، مع المُحافظة على الحدود الفاصلة بين الطموح والأنانية، بين الطموح المشروع والمطلوب؛ وبين الذاتية المقيتة الفاسدة..

في موضوع السلام والحرب نقول: هنالك حروب عادلة، دفاعا عن الأرض والوطن والوجود، وهناك حروب لصوصية عدوانية شرّيرة، وقد تكون منطقة الشرق الأوسط مثالاً واضحًا على ذلك..

شخوص الكتاب على العموم هم بسطاء الناس من نساء ورجال، "وهم غالبية الناس"..
وقد تكون شهربان تأثرت إلى حد كبير بزيتون يركا السّخي، وأرضها الطيبة في مواقع؛ "الكواشين، والرُّغب ودرب الطاحونة، ووادي المجنونة"، ويركا، بتاريخها الناصع وكرمها وأصالتها وسرعة الخاطر عند أهلها وانتمائها الراسخ ومكانتها المرموقة في المجتمع العربي.

راحت أيام "بائع الكعكبان" و "المخضّر" لكن قيمتها التراثية باقية تماما كالاعتقاد بأن الإشارة إلى النجوم يسبب الفالول والثآليل.. وسوف تزول آجلا أم عاجلا، أعمال السحر والخط والتنجيم..
إذا لم تسقط الدموع، تظل غصّة في القلب، في الحياة الكثير مما يُبكي والكثير مما يُغضب، وأيضا الكثير ممّا يُبهج ويُفرح، والانتاج الأدبي رسالة ودعوة ونداء، وأحيانًا "دَبّة صوت" لمكافحة الشّر والظلم والتمييز والاضطهاد، وهكذا رسالة الكاتبة؛ رسالة تُنادي الإرادة والعامل الذاتي والجرأة والنشاط الاجتماعي، إلى الأفضل..

شهربان، إنسانة مُثقفة واسعة الاطلاع على الأدب العالمي ورموزه، ولديها رصيد من المفردات، مفردات لغتنا العربية؛ العريقة والسخية والغنية..
نرى ذلك في صفحات الكتاب وتكوين الجُمَل والصّور الفنية، وقولبة الأفكار النابعة من صميم وسويداء القلب..

في الأعوام الأخيرة خاصة؛ هناك غيض من المُبدعات النساء والصبايا، ولا أقول فيضًا، في النثر والشِعر، "وهذه مُساهمة قيّمة جدًا في مسيرتنا الأدبية والثّقافية".
العلم والعمل لا يتناقض مع الدين والشّرف، كبلتنا هذه الأخطاء الظالمة في الماضي ولا تزال لها ظلال وبقايا.. لكن الحياة أقوى من كافة السدود والمعوقات، و "الجذر الحي يشق الصخر"..
شهربان واحدة من هؤلاء المُبدعات، البداية موفقة وناجحة، وأهل للاعتزاز والتقدير، الإنسان يُعرف بإرادته وصموده؛ والنسر بتحليقه والجواد بجموحه.. وقد تطير النسور أحيانا أكثر انخفاضا من الدّجاج، لكن الدّجاج لا يمكن أن يصل إلى عُلْوَ النسر..
فلنُحلق في هذا العالم الرحب، ليس بعيدًا عن الناس وهموم الناس، "من الأعال نرى مسافات وآمادا أرحب وأبعد حتى الآفاق"، نحن جزء من البشرية جمعاء، وبإنتاجنا الأدبي وبلغتنا ومواضيعنا وبأسلوبنا، سنساهم في دفع عجلة الأدب العالمي والحضارة الإنسانية، إلى الأمام..
شهربان؛ يعطيك العافية ومنها إلى الأجمل والأكثر، و "أنت لها"..
مع أطيب التمنيات القلبية
محمد نفاع..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق