من وحي الميلاد الإلهي بقلم الأب ابراهيم داود (المكر)
2014-12-06 20:51:37
الأب ابراهيم داود 
من وحي الميلاد الإلهي
الله معنا ... فلا غالب لنا
«حيث يشاء الإله، يُغلب نظام الطبيعة»
عظيمة هي محبة الله للإنسان... ولا حدود لها أو شروط!!
"الله أمين في محبته" وثابت، رغم تقلب الانسان وابتعاده وعدم استحقاقه! 
لقد انعكس حب الله للإنسان منذ اللحظة الأولى... منذ أن خلقه على صورته ومثاله... لم يكن الله بحاجة إلى الإنسان، ومع هذا فقد خلقه ليشاركه غنى محبته ورحمته وعطائه... والمحب دائماً يفيض عطاءً وغنىً ورحمة...
ومع أن الانسان قرر بإرادته أن ينفصل عن الله، فانساق وراء شهواته ومعصيته وخطاياه، إلاّ أن الله الذي حزن لذلك كثيراً، ظل أميناً في محبته، ولم يتركه إلى هلاك، بل ظل يحاول اعادته إليه، وتقريبه منه، وتخليصه من كبريائه وأنانيته وخطاياه... كان خلاص الإنسان في فكر الله دائماً... لذلك ظل رجال الله على مدى العصور والأزمان، بقوة الروح القدس، يعملون على إعادة البشر إلى صدر الله وحضن الثالوث. كان هؤلاء الرجال، الأنبياء والصديقون والمرسلون البررة، صوت الله إلى الناس، أن عودوا إلى الله، وإلى سبيل الحق والإيمان والفضيلة... لكن هؤلاء الأمناء على نداء الله، لم ترُق نداءاتهم للناس... خصوصاً لأولئك المتسلطين، أراكنة الأمم الذين سيطروا على شعوبهم وأذلوا بُسطاءهم واستغلوهم واحتقروهم... لم تلق نداءات رجال الله وأنبيائه آذاناً صاغية وقلوباً من لحم ودم لدى هؤلاء الأسياد والقادة المتغطرسين... فقتلوا العديد من الأنبياء واضطهدوهم وشرّدوهم ونكّلوا بهم!
«يا أورشليم... يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها...»
وكان الأنبياء يعلمون بالروح، ما يجول في خاطر الله وفي فكره وفي تدبيره... فتنبأوا عن الخلاص والمخلص والمسيا وعمانوئيل، «الله معنا». «ولما بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة...» (غلا 4:4). 
شاء الله بفرط محبته للبشر، أن يتخذ صورتنا، أن يتجسّد ويصبح انساناً، فكانت كلمته إلى مريم في الناصرة «... لقد نلت حظوةً عند الله، وها أنت تحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. انه يكون عظيماً، وابن العلي يدعى...» (لو 30:1-32) ولما تساءلت مريم بخَفَرِ الصبايا؛ «كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجلاً؟» أجابها ملاك الرب، «الروح القدس يحلّ عليك، وقدرة العليّ تظّلك ولذلك فالقدوس المولودُ منك يدعى ابن الله...» (لو 34:1-35). "حيث يشاء الإله، يُغلَبُ نظام الطبيعة"! قبلت مريم إرادة الله فيها، وقالت للملاك:" أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك"(لو 38:1). 
ولما حان أوان حضور السيد إلى الأرض، صدرَ أمْرُ اكتتاب واحصاء المسكونة الأول من أغسطس قيصر... فقام يوسف خطيب العذراء مريم، وأخذ خطيبته من الناصرة إلى بيت لحم كي يكتتبا هناك لأن يوسف الصديق «كان من بيت داود ومن عشيرته» (لو 4:2) وفيما كانا هناك تَّمت أيام وضعها... ومنذ اللحظة الأولى، «لم يجد ابن الانسان مكاناً يسند إليه رأسه»، فولد في مغارة للبهائم وأضجع في مزْوَد!.
عظيمة هي محبة الله للبشر!! يتواضع الله ويتنازل لدرجة أنه يتخذ صورة العبد، ويتجسد في أحشاء عذراء من بلدي، ويولد على أرضي. كل هذا يحدث لأجلي، لأن الله يحبني أنا الإنسان الترابي الذي انفصلتُ عنه بمحض حريتي واختياري... كثير هذا الذي تفعله لأجلي يا الله!! عظيم أنت يا رب وعظيمة أعمالك، وارادتك قدوسة هي!!
لقد تدخل الله في التاريخ وفي الزمن.. الذي منذ الأزل وقبل كل زمان يولد في الزمان، فيفصله إلى ما قبل وما بعد! صار مولده البشري بدءاً لتاريخ ونهاية لعهد وتاريخ!
لم يعد التاريخ قبل المسيح وبعده واحداً...
بعيد الميلاد الإلهي المجيد أعيدت إلى الإنسان كرامته وحريته... لا فرق بين عبد وحر، أو بين ذكر وأنثى.. صارت الخليقة جديدة مع المسيح، وأصبح الإنسان ملكاً على الخليقة كلها كما أراده الله في العالم أن يكون...
أجل لأجل الإنسان وكرامة الإنسان تجسد المسيح وأصبح إنساناً.. لأجله، ولأجل ان يتأله هذا الانسان، حبيب الله، تجسد المسيح كلمة الله وابنه الوحيد، وولد في بيت لحم الخالدة الحبيبة.. لقد عاش يسوع فيما بيننا... قدّس مياهَنا بنزوله واعتماده فيها، وراح ينثر الدفء والرحمة والهدى والتعزية في كل موقع..
أيها الوافد إلينا من السماء.. يا وليد بيت لحم الصابرة!
_ أنت عزاءٌ للحزانى، وبلسم كل الجراح.
_ أنت سند لكل مزدرىً وكل مقهور ومظلوم...
_ فقراء الارض بك أحسوا بكرامتهم وانسانيتهم.
_ الودعاء والمساكين بالروح، بك ورثوا الأرض وملكوت السموات...
_ انقياء القلوب، بك حُسبوا ابناء الله...
_ الجياع والعطاش والعراة اخوتك..
_ المقهورون المنتبذون من الناس.. اخوتك..
_ وكسيح بيت حسدا.. المصابون في عقولهم، والبُرص والعميان، و«الخطأة».. صيادو الاسماك، وليعازر الراقد، وابن أرملة نائين وغلام قائد المئة...
الذين لا يلتفت اليهم أحد، ولا يخطرون على بال أحد.. انت أحببتهم ورفعت من شأنهم ودافعت عن كرامتهم... الانسان المعذب المُهَمَّش حبيبك، يا من حملت كل عذاب وألم كي لا ينوء انسان تحت عذاب أو صليب...
علمتنا يا ابن وطني، كيف نرتفع فوق مستوى البشر، لنستحق بنوة الله والانتماء الى بيت الله...
علمتنا ان قريبنا هو كل انسان، كائناً من كان، يحتاج الى خدمة أو الى رحمة.. علمتنا ان الانسان، اياً كان مَنبتُهُ أو دينه هو أخ لنا ينبغي ان نحبه ونحترمه ونخدمه ونفتديه..
علمتنا كيف نحب، وكيف نغفر، وكيف نصوم وكيف نصلي...
علمتنا قيمة النفس منا دون الجسد... علمتنا معنى الأمانة والرحمة والعدالة... علمتنا ان النصوص الحرفية تقتل، بينما الروح يُحيي ويقيم... علمتنا أن نطلب لنجد وأن نسعى لنصل وأن نقرع ليُفتح لنا... علمتنا ايها الحبيب، أن نتخلى عن ذواتنا، وان نكفر بأنانيتنا ونفوسنا، وأن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا.. علمتنا ان نطلب ملكوت الله وبرّه أولاً، وكل ما تبقى يعطى لنا ويزداد... علمتنا أن يضيء نورنا قدام الناس ليروا أعمالنا الصالحة ويمجدوا أبانا الذي في السموات... علمتنا أن نصنع السلام وأن نبادر الى مصالحة الخصوم... علمتنا أن نعطي من يسألنا، وأن نحب اعداءَنا ونصلي لأجل مضطهدينا... علمتنا أن لا ندين اخوتنا وأن نهتم بإخراج الخشبة أولاً من عيوننا قبل أن ننظر الى القذى في عيون الآخرين... وعلمتنا ان الموت فيك حياة وان الصليب جسر العودة الى الحياة... علمتنا.. وعلمتنا الكثير الكثير.. ومن أنا لأعرف كل ما علمتنا يا سيد الكل!
ومع هذا، يا ابن موطني... يا سيدي والهي، فقد حاولت أن أتعرف اليك، وأن أتحدث إليك وأتحدث عنك. وأنا واثق ان هذا الانسان الذي تحبه كثيراً، لدرجة انك وانت ابن الله أطلقت على نفسك صفة «ابن الانسان»، ولدرجة انك بذلت نفسك على الصليب فداءً له..، هذا الانسان، وخصوصاً الذي قبلَكَ الهاً ومخلصاً بالمعمودية، سيستعد كثيراً لاستقبالك، بل لقبولك والايمان بك...
_ سيعود اليك تائباً متواضعاً منتظراً مغفرتك ورحمتك وحبك...
_ سيعود اليك ليحيا فيك، انساناً كبيراً متميزاً كما تريده أن يكون...
_ وسيعود اليك ليحمل الصليب بعد أن يكون قد كفر بنفسه، ويتبعك، منتظراً خلاصك وقيامتك وحريتك...
فأعطنا القوة يا مصدر كل رجاء وقوة.. واعطنا ان نعبدك بأيمان ومحبة واستقامة، لأننا بك نتقوى وبك وحدك نستطيع، أيها الغلّاب، على غير المستطاع.
 
من كتاب "أحببتُ البِرَّ وأبغضتُ الإثم" 
(المكر)
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق