{خِطاب إلى وَزارة المواصلات، آمل أنْ يصل!} بقلم د.منيرموسى/ أبوسنان
2014-11-11 11:02:28
عوسج وبنفسج                        (11)
*************
{خِطاب إلى وَزارة المواصلات، آمل أنْ يصل!}
د.منيرموسى/ أبوسنان
------------
** مَن يقدر أنْ يحدّد، أو يعرف، أو يحلّ هذا اللّغز؟: مَن هو المسؤول عن حرب الشّوارع الّتي باتتْ تهدّد المجتمعات في العالم أجمع، وفي بلادنا بالذّات، هذه  الخضراء الحانية عليها الجَوْناء بشعاعاتها المُفرزة للطّيف الشّمسيّ السّاحر العجيب؟
 
** مَن يقدر أن يمنع المتهوّرين في الشّوارع الّذين لا يسوقون بسرعة أقلّ من 120كم/س؟ فإذا كانوا يعرّضون حياتهم فقط للضّياع، فالأمر نصف مصيبة، لكنّهم، في جهلهم، ولا موقفهم الخارج عن الحياة الطّبيعيّة، وكأنّهم يقولون: عليّ وعلى أعدائي! وليس لهم أيّ عدوّ في الشّوارع! والعجيب أنّ هؤلاء، وأولئك محسوبون على كلّ فئات المجتمع! لكنْ، انظروا إلى النّتائج الوخيمة!
 
** مَن يقدر أنْ يحُلّ لغز الاختناقات المروريّة الّتي تئنّ منها الطّرقات ثانية بثانية؟ ماذا يفعل أحدهم إذا احتاج لأيّ علاج صحّيّ، أو إذا تضايق من أي شيئ، ولا يستطيع أنْ يجد للنّجاة سبيلًا أو ملاذًا؟ أقول لكم، إنّه سيترك السيّارة، ويركض حافيًا، ويلعن السّاعة الّتي جعلته يصل إلى هذا الموقف الّذي من الممكن أنْ يودّر حياته! سيَهيم في الطّرقات باحثًا عن حمار جدّه، أو حصانه أو هجينه، أو يعود إلى السّكن في الفيفاء المترامية الأطراف السّاجية، أو الجبال النّائية، فهل يقدر؟ وعندها ستبقى جميع المركبات في مكانها، وتصبح الطّرقات الوعريّة والسّهليّة أكثر أمانًا بما لا يقاس!
 
** إذا جلست في إحدى الجنائن، أو أحد الأحراش(الأحراج) للتنزّه بجانب شارع على مدّ عينك والنّظر، وحصرًا بين المدن، فإنّك سترى العجب العُحاب! الكلّ طائر، ولا مهدّئ له من تأثير أيّ دواء في الدّنيا؛ ولا يحسب  حسابًا لأيّ شيئ سوى الزّمن الّذي أعمى عيون النّاس، وذلك مربوط بالكبرياء وتعظّم المعيشة، وهذا يدفع إلى الطّمع بتحصيل الأموال؛ ولا تصبح قيمة للحياة لدى أولئك النّاس، والّتي هي القيمة الأولى! وعن الرّمزورات الشّارات المروريّة الضّوئيّة فحدّث مع الحرج! مسابقة، وتسابق غير مسبوق، وتمتمة، وإشارات في اليد، وأحيانا ثلْب ووقاحة، لها ما بعدها من المشاكل! ديروا بالكم! لقد أصبح الوضع في داخل المدن مستحيلًا! أنهار من السّيّارت في كلّ الاتّجاهات! ومهما تكن شاطرًا، إيّاك من دفاشة ودفشنة غيرك! أصبحت الغاية تبرر الوسيلة. ملعونة تلك الغايات والوسائل معًا!
 
** كم حادثِ سير يقع كلَّ ساعة، بل كلّ دقيقة، بل كلّ ثانية على نطاق بلادنا والعالم! والسبب هو الجهل، والأنانيّة وعدم الاكتراث بالغير، وكأنّها تعطي شرعيّة للسّرعة. لم يعد يُستوعب في الشّوارع عدد  المركبات الّتي تعجّ فيها، بلا توقّف، ليلَ نهار، فهل يقدر أن يجلس على الكرسيّ ثلاثة أشخاص؟ اثنان منهما سيقعان مكسورين!
 
** أين الشّوارع الخاصّة بالمركبات، والشّاحنات الضخمة والحافلات الكبيرة؟ انظروا، كيف تُحاشر، وكيف تقطع، وكيف تسابق! هي جبل صغير سائر سادر، لا يهمّه مَن ياتي أمامه، ولا مَن هو وراءه! يدافش بكلّ عدم مسؤوليّة طائرًا؛ حتّى يسابق الزّمن! ومَن هو الّذي يقدر أن يجاري الدّهر، والزّمن والزّمان؟ إنّه لانهائيّ، ولا يتحكّم به سوى قوّة الموْلى العليّ العظيم الّذي يمسك العالمين بقبضة يده، له المجد.
 
** سافر في سيّارات الأجرة التّاكسي، وقل لي ماذا شعرت؟ السّائقون يريدون أن يحصّلوا لقمة العيش بكرامة، ويؤدّون خدمة عظيمة، وهذا   مصدر رزقهم، لكنّ الأمور ليست هيّنة، فالحافلات الصغيرة  والمتوسطة كثيرة جدّا، ولا يكفي عدد المسافرين لتشغيلها كلّها؛ لذلك، ترى عدم الرّاحة عند المسافرين والسّائقين معًا! وهذا ليس باختيارهم. سافر في التّاكسي بين المدن، فإنّك ترى أنّك رهينة بين يدي السّائق! سرعة، مجازفة بالرّكّاب، اختناقات مروريّة، والصّبر طيّب يا حبّوب! خلّ معك جريدة أو كتابِا؛ كي تنسى التّطقيع على الهاتف اليدويّ العجيب الّذي يضع لك العالم كلّه على راحة يدك! وقد أصبح محطّ تسلية في مثل تلك الحالات، وينقلك من قارّة إلى أخرى، ومن ظلام إلى غياهب!
 
** لماذا أصبح القطار وسيلة السّفر المفضّلة؟ اسأل من يسافرون فيه! لكنْ، إيّاك من المكيّف الهوائيّ العجيب فيه، يودّر لك صَحّتك، إذا لم تكن حذرًا، وتأخذ الحيطة! حوادث القطارات نادرة، لكنّها مرعبة، نجانا منها الله، وانتباه السّائقين الأبطال!
 
** نحو ثلاثة وأربعين ألفَ طائرة ركّاب تطير في الجوّ يوميّا في شتّى بقاع الأرض والسّماء، عجيب! هذا عدا عن الطّائرات الحربيّة والعاموديّة وغيرها، مما يصعب حصره، أمر مدهش حقّا! هندسة شوارع غير مرئيّة أكثر من عجيبة! فإذا حدث حادث طائرة واحد في الشّهر، لا سمح الله، فتكون نسبة الحوادث في الجوّ 1,290,000 /1 ، ألا نتعلّم الحذر في السّياقة من ملّاحي الجوّ الّذين يسطّرون آيات الشّجاعة النّادرة بذكاء ومعرفة خارقين في كلّ لحظة!
 
** سنوات قليلة تفصلنا عن الحرب الضّروس في الشّوارع، والّتي ستكون بلا رحمة ولا هوادة؛ وستغلق جميع الطّرقات، ولا تعود تنفعك السّيّارة، ولا موديلها، ولا نوعها، ولا الزّهو بالغليون الّذي يعميك، ويعمي قلوب مَن معك في السّيّارة السّجن؛ لأنّك ستفقد حرّيّتك وصَحّتك معًا؛ لأنّ هذا المجتمع العالميّ المادّيّ الكالح الكلح الجشع الواسع الشّاسع يعيش بلا حساب لأيّ شيئ، وستكثر المشاكل، ويتعطّل النّاس عن أشغالهم قسرًا، وكلّ الشّغّيلة في العالم أجمع بما فيهم العاملون في وَزارات المواصلات سيذهبون مشيًا، أو على الدّرّاجات، فهل يصلون؟ أو يقعدون في البيوت؟ فمن يجلس في المكاتب الّتي من المستحيل تعطيلها. هل يعود هنالك راحة، أو اطمئنان أو سلام؟
 
** هل فكّرتم بصورة جِدّيّة بتدمير الاقتصاد العالميّ جرّاء ما ستؤول إليه أحوال المجتمعات بسبب لعنة رذالات الحاجة الملحّة للتّنقٌل غير الطّبيعيّ في  هذا العالم المتمدّن الّذي بدأ يتحوّل إلى موحش  ومتوحّش؟
  
** يا وَزارات المواصلات وحكومات العالم أجمع! اسمعوا لي جيّدًا، أنا، العبد الفقير،  الإنسان البسيط المتواضع الّذي يحبّ جميع النّاس: حتّى تحافظوا على أنفسكم، وعلى مجتمعاتكم مجتمعاتنا، أقترح عليكم الأمور الآتية بكلّ إصرار وجدّيّة:
1 ) على وَزارة المواصلات أن تُجري امتحانات؛ تستند على معايير، وقيم أخلاقيّة وتربويّة لكلّ مَن يتقدّم بطلب للحصول على رخصة سِياقة؛ وبهذا يكون قبول الطّلبات مبنيّا على قواعد تتصرّف بموجبها وزارة المواصلات!
شوفوا، واسمعوا عن الفلَتان الأخلاقيّ والسّلوكيّ في كلّ لحظة في كلّ الطّرقات!
 
2) عليكم، وفي سرعة البرق، أنْ تُنزلوا عن الشّوارع كلّ السّيّارات القديمة، دعوها  تودّع الشّوارع، وتعود إلى المصانع الّتي تستنّاها لحظة بلحظة! فقد تعبت، ولتوضَع جانبًا، وبذلك تصل الشّركات إلى وضع تُحسد عليه، وهو أنّها لا تعود بحاجة للتّنقيب عن المعادن، وهذا يوفّر طاقاتٍ، وأموالًا طائلة وحروبًا!
 
3) منْع شراء السّيّارات الجديدة إلى كذا سنوات، تحدّدها شطاراتكم ومهاراتكم العلميّة، وهذا كلّه يجري بأوامر عليا حكوميّة ودوليّة!
 
4) لا تشفقوا على أصحاب  رؤوس الأموال الّذين لا يأبهون لما يجري حولهم من مآس، وتدهور حالات السّير في الطّرقات، ولا يهمّهم  لو ضاع العالم بأسره! صحيح أنّهم يدأبون على الصّناعة العظيمة الجبّارة، ويوفّرون للنّاس أسباب الرّاحة والعيش بكرامة، لكنّ المسألة تجاوزت جميع الخطوط بجميع ألوانها!
 
5) هذا الوضع، إذا نُفّذ بجدّيّة، وأُخذ على محمَل الجِدّ، سوف يغيّر وجه التّاريخ، والحياة المعاصرة الّتي أصبحت تبكي ضحاياها ثانية بثانية! عندها ستعمل حافلات الرّكاب براحة تامّة، وترخص أجور السّفر؛ لأنّ المسافرين سيكثرون، وأنا واحد منهم، فأفضّل السّفر في سيّارات الأجرة؛ كي تتاح لي إمكانيّة القراءة في كتاب أو صحيفة، لا في السّاحر المؤذي!
 
6) ولا أحبّ هذا الرّقم! بناء الجسور، وشقّ الشّوارع الجديدة هو عبث في عبث، وهباء في هباء، ومشاريع تضعف الاقتصاد في كلّ دولة، لكن، لا أقصد الضّروريّة منها. فما دام الأمر باقيًا على ما هو عليه حتّى هذه اللّحظات! وما دامت الجمرة في اليد، مهما تسكب عليها من الماء، سيكون العلاج مؤقّتًا، وليس نهائيًّا، وإذا انقطعت المياه لحظة، ستأخذ اليد بالاحتراق!
 
7) وأحبّ هذا الرّقم! اسمعوا يا جماعة الخير! وزراء، حكومات، ومسؤولين كبارًا، ولا كبير إلّا العليّ العظيم، احسبوها صحًّا وصحيحًا، عليكم أن تُحصوا عدد السّيّارات، والمركبات على اختلاف أشكالها، وألوانها الحلوة المغرية الخادعة أكبر خدعة في التّاريخ والجغرافيا البشريّة، والّتي كسحت العالم بأجمعه، من صغيره إلى كبيره، وبعد ذلك طيّروا من الشّوارع، وعن الطّرقات النّصف الآخر، وبعد ذلك، راسلوني، واخبروني، ماذا أحسستم، وأيّ هواء تستنشقون، إذا كانت لا زالت رائحة الشّمّ عندكم ساغًا سليمًا؟
 
8) يجب أن تحافظوا على عدد السّيّارات في الدّولة! وتصِلون إلى حساب دقيق، بحيث لا ينقص، ولا يزيد، لأنّ مساحة البلاد لا تكبر كلّ سنة، وكذلك الشّوارع، هذا أمر هامّ جدًّا، فكّروا بهذا، لئلّا تفلت الأمور نهائيًّا، لأنّها بدأت، وبلا رحمة لمن لا يعمل رحمة!
 
9) هذا هو السّطر الأخير: أوقفوا التّدهور في الشّوارع! أوقفوا القتل، أوقفوا أكبر  مهزلة مأساويّة  في التّاريخ البشريّ، وهي الدّوشرة الحياتيّة الشّوارعيّة الّتي لا يقدر أن يسيطر عليها جميع القوانين، ولا المخالفات ولا شُرطة المرور المكلّفة بحفظ السّير، وتطبيق القانون في البلاد مع كلّ تفانيها الخلّاق! يجب أن تختفي نصف المركبات عن الشّوارع، وبأسرع ما يمكن! فقد أعذر مَن أنذر، ونبّه مَن نوّه، طبعًا من أجل حياة آمنة وأمينة،  وأفضل بكثير مما هي عليه الآن! عندها ستبدأون بالتّمتّع بجمال الطّبيعة الّتي عميت أبصاركم عنها دون قصد وانتباه؛ وتُصيخون السّمع إلى العنادل والحساسين والخُضاريّ والشّرقرق الخلّاب!       
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق