المكاك البربريّ والقيادة الإسرائيليّة بقلم راضي كرينيّ
2014-07-15 12:32:46

مع بروز ملامح مبادرة السلام العربيّة التي اعتمدتها قمّة بيروت في 2002، اشتركت وزوجتي وصديقي وزوجته في رحلة منظّمة إلى إسبانيا، كنّا استعددنا لها جيّدا، بناء على نصيحة صديق أخذنا معنا كيلوغرام من فستق العبيد (الفول السودنيّ)؛ أقنعنا الصديق أنّنا سنحتاجه لقرد (أو على الأصح سعدان بدون ذيل) جبل طارق.
وصلنا جبل طارق، شاهدنا المكاك البربريّ (السعدان الأمازيغي) يعيش طليقًا وبحريّة في أوروبا، اعترضت المجموعة الكثير من باعة فستق العبيد، اشتري السيّاح أكياسًا صغيرة من الفستق، يزن الواحد منها 50-100 غرام، وأخذوا يطعمون السعادين حبّة حبة من الفستق بحذر مبالغ فيه، يقتربون منها متهيّبين متحفّزين للقفز إلى الخلف، أمّا أنا وصديقي "فأشهرنا" الكيلوغرام فستق، وأخذنا نكمش (نقبض على) العديد من حبّات الفستق ونبسط راحتينا، متقدّمين بسخاء وبدون حذر وريبة من القرود، وندعوها لأخذ أكبر كمّية من الفستق؛ لكنّ القرود كانت تبتعد عنّا وتذهب إلى باقي السيّاح الذين يحملون حبّة أو لا يحملون و"تهجم" عليهم بخفّة ونشاط، وتهرب منّا بريبة وخبث، أنا وصديقي، رغم محاولاتنا المتكرّرة وإقلالنا وإكثارنا لكمّية حبّات الفستق.... ثمّ استسلمنا بعد أن حذّرنا المرشد من تكرار محاولاتنا والاقتراب كثيرًا من السعادين.
ضحكت المجموعة، وأغلبها من أبناء عمّنا اليهود، من عرضنا أنا وصديقي ... وأخذنا نعلّق على الحادثة؛ فختمت التعليقات، وقلت لأبناء عمّنا: أرأيتم كيف قدّمنا الفستق للقرود بسخاء وكيف رفضتها وابتعدت عنّا واعترضتكم بدون أن تحاول فهم نوايانا والتفكير بمسعانا و...؟! قالوا: نعم.
 قلت: هكذا تفعل حكومات إسرائيل معكم تدفعكم نحو التهلكة والحروب الاستعماريّة و... وتهرب من مبادرة السلام العربيّة التي أقرّتها جامعة الدول العربيّة في قمّة بيروت 2002، التي توفّر إطارا للسلام، وسيرورة للوصول إلى حلّ عادل وثابت وشامل للصراع العربيّ الإسرائيليّ ... فعلى أثر انسحاب إسرائيل من الأراضي العربيّة التي احتلّتها في حرب حزيران 1967، وقبولها بدولة فلسطينيّة مستقلّة وعاصمتها القدس الشرقيّة، والاتّفاق على الحدود وحلّ مشكلة اللاجئين حلاّ عادلا وفقًا للمبادئ والقرارات الدوليّة، تقيم جميع الدول العربيّة والإسلاميّة علاقات طبيعيّة (مكشوفة) مع إسرائيل.
احتدم النقاش، وارتفع مستوى الجدال والحجج، ومالت الأغلبيّة وأيّدت طرحنا للحلّ!
لكنّ جامعة الدول العربيّة لم تيأس ولم تكن مثلنا ولم تفعل ما فعلنا، لقد قابلت التعنّت والرفض الإسرائيليّ للمبادرة ظاهريّا، بأن بعثت وفودًا عنها إلى واشنطن "مربط خيولنا الهرمة"، وآخرها في نيسان من العام الماضي، كان برئاسة نبيل العربيّ (الغربيّ)، حيث صرّح الوفد أمام الإدارة الأمريكيّة بأنّ مبادرة السلام العربيّة ليست جامدة (هي ديناميّة وفقا لرغبات اليمين الإسرائيليّ)؛ بل يمكن تعديلها لتشمل ... ربّما خطّة لإفشال المصالحة والوحدة الفلسطينيّة والتوجّه إلى الهيئات والمنظّمات الدوليّة و... وربّما تشمل موافقة على تدخّلات إسرائيل في خلق الفوضى العربيّة، وفي تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم! و... وفي فرض استسلام قطاع غزّة بتدمير بنيته التحتيّة وبالتالي الفوقيّة-سلطة حماس!
 ومن ثمّ البدء بجولات مكّوكيّة من المفاوضات، لعلّ المكاك الإسرائيليّ يقبل بفستق الجامعة العربيّة العامر! 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق