الصدق بقلم رياض حمزة – جولس
2014-07-10 15:47:28

مِن خلالِ ما أخذتُ على عاتقي ان أكتُبه لكم , اخواني وأخواتي القراء الكرام , رأيتهُ لزاماً عليَّ أن أكتب لكم عن الصدق , لِما تحويه هذه الكلمة مِن معانٍ ومفاهيم , خاصة ونحنُ نعيشُ حياةً سادَ عند الكثيرين فيها الغشُّ والخداع والرياء , وأصبح الكذب منهجاً ينتهجهُ أولئك الأغبياء . ومما لاشك فيه هو أن أعظم ميزة يتحلى  بها المرء في دُنياه , بعد الإيمان , هي ميزةُ الصدق , فالصدق أساس الإيمان بالله , وعكسهُ  الكذب , والذي هو  أساس النفاق , ولا يجتمع أحدهما بالأخر  إلا وكانت يد الصدق على العليا .
والمعنى لكلمة الصدق يتمحور في كلمة " حق "  ومنها الى حقيقة , والصح والصحيح , الى غيرها من المفردات والمجاميع التي تدل على واقعِ أمرٍ أو قولٍ حقيقٍ صحيح  , وفي كلتا الحالتين هو واقِعُ حقيقةٍ أو بيان صحيحٍ .
ولا يكون الصدق صدقاً إلا اذا جاء ظاهره كباطنه  :
 الصدق بمعناه الضيق هو مطابقة ما ننطق بهِ للحقيقة المُجردة ، وبمعناه الواسع الشامل , مطابقة الظاهر للباطن . الصادق مع نفسهِ ومع الله ومع الناس ظاهره كباطنه , ومِن هُنا جاء  ذُكر المنافق في الوجه المقابل للصادق . قال تعالى في كتابهِ العزيز : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ) ( سورة الأحزاب - 24) .
ولا يكون الصدق صدقاً إلا اذا جاء مع الاخلاص  :
 بالصدق يلتزم الإنسان منا بالعهد ، كقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ..... ) (الأحزاب - 23) , والصدق نفسه , بجميع معانيه , يحتاج إلى الإخلاص لله عز وجل , وعملٌ بميثاق الله الذي اخذهُ الصادق على نفسهِ . قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً .... ) ( سورة الأحزاب - 7 ، 8) , فإذا كان أهل الصدق سيُسألون يوم الحساب , فيكف لا يُسأل أهل الكذب والنفاق عن كذبهم , وكيف يكون السؤال والحساب لهؤلاء ؟  , والصدق من الأخلاق الأساسية التي تتفرع منها العديد مِن الخصال الطيبات , وفي هذا قال الحارث المحاسبي , وهو أحد حكماء الإسلام : " واعلم - رحمك الله - أن الصدق والإخلاص , أصل كل حال , فمن الصدق يتشعب الصبر , والقناعة , والزهد , والرضا , والأنس , وعن الإخلاص يتشعب اليقين , والخوف مِن الله , والمحبة للآخر , والإجلال والحياء , والتعظيم , والصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به , صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا , وصدق النية في الأعمال,  وصدق اللفظ في الكلام " .
ولا يكون الصدق صدقاً إلا اذا جاء مرتبطاً بالإيمان :
 للصدق رابطة قوية لا تتزعزع بالإيمان بالله , عز وجل , وقد يقع المؤمن في أخطاء كثيرة إلا الكذب , إذ لا يُمكن لمن آمن بالله حق ايمانه أن يكون كاذباً , وقد ذُكِر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قولاً جاء فيه أنهُ قد يقع المؤمن فيما لا يُحمد من الصفات , غير أنه لا يمكن أن يكون مظنةَ الوقوع في الكذب .

ولا يكون الصدق إلا بالاختصار في الكلام  :
  إن مَن يُكثِر في الكلام ويزيد لا بُد مِن أن يكون معرضاً لزلات اللسان , ومنها الطريق الى الكذب قصير , والأصل في اللسان الحفظ والصون , لأن زلاته كثيرة , وشرّه وخيم , فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى وأورع , وإذا وجدت المتحدث لا يبالي , ويكثر الكلام , فاعلم أنه قد يزل ويخطئ وينجر الى الكذب , بقصدٍ أو بغير قصد , لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب , كما ذكرنا اعلاه .
ولا يكون نيل الصدق إلا بالتحري ( بالالتزام ) :
    لقد خلق الله تعالى الجمال والكمال في العديد من الأشياء والأمور والخصال التي براها , وجعل للإنسان أن يختار ما يحلو له منها   يكتسبهُ ويعتاد عليهِ  , فيحرص على التزامهِ  , ويلتزم بالعمل به ، حتى يصل هذا الانسان إلى المراتب العالية , يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه , والصدق أهمها وأوجبها وأفضلها , وفي هذا جاء قول رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق , فإن الصدق يهدي إلى البِر , وإن البِر يهدي إلى الجنة , وما يزال الرجل يصدق , ويتحرى الصدق , حتى يُكتب عند الله صدِّيقا " , وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب , وإياكم والكذب , فإن الكذب يهدي إلى الفجور , وإن الفجور يهدي إلى النار , وما يزال الرجل يكذب , ويتحرى الكذب , حتى يُكتب عند الله كذَّابا ". (رواه البخاري ومسلم) .
ولا تكون الطمأنينة والثبات إلا بالصدق  :
 لا يمكن للمؤمن أن يطمئن قلبهُ وتقر عينهُ وتثبت خُطاه إلا إذا كان صادقاً , فمن مُخلفات الصدق ثبات القدم ورباطةُ الجأش وقوة القلب  ووضوح البيان , ومن علامات الكذب التذبذب  والتلجلج  والارتباك  والتناقض والانخذال ,  وفي ذلك جاء في الحديث الشريف : ( الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) .
ولا يأتي الخير ولا تكون النجاة إلا بالصدق :
قد يحصل وأن يقف الواحد منا في موقفٍ يتخوَّف إنْ أصدقَ القول فيهِ يكون عليهِ في ذلك شراً, وهو لا يدري أن الله تعالى , يبدل الأحوال مِن حالٍ الى حال ,  وأن عاقبة الصدق خير – حتى وإن توقع هو شرًا , وفي ذلك قال تعالى : ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) .
  وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد أنه قيل له : " كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال : " بصدقي , فلو وُضِع الصدق على جرح لبرأ " ( أي تعافى ) , ويوم القيامة يقال للناس : ( هَذَا يَوْمٌ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم) (سورة المائدة - 119) .
ولا تكون الجرأة والشجاعة إلا بالصدق :
 لقد بات واضحاً أن الصدق يوصِلُ  صاحبه للجرأة والشجاعة والإقدام , وذلك لأن هذا الصاحبُ  ثابت حازمٌ صارم لا يتلون , ولأنه واثقٌ لا يتردد ,  وقد عبر عن ذلك الداعية جنيد , رضي الله عنه , بقوله : حقيقة الصدق  أن تَصدُق في موطنٍ لا ينجيك منه إلا الكذب .

ولن تدخل , ايها الانسان , جنتهِ , تعالى , إلا إن كنت من الصادقين  :
ولكي تكون حياتك كلها صدقـًا ، ولتُحشر مع الصديقين اجعل مدخلك فيها صدقـًا ، ومخرجك منها صدقـًا , وليكن لسانك لسان صدق , عل الله يرزقك قدم صدق , وموقف صدق , ومقعد صدق , ولا تترك فرصة للشيطان ليستدرجك الى الاكثار من الكذب والرياء والمخادعة والمعاريض ( المعارضة ) , وتذكر أن الصدق صراحة ووضوح وأمانة وإيمان , وأن الميل عنه التواءٌ وزيغٌ ورياءٌ وخداع , وأن حال المؤمن لا بُد أن يكون الصدق القائم الدائم ابد الآبدين . جاء في كتابهِ العزيز : ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون ) ( سورة النحل - 105).
من أقوال الصالحين والعلماء في الصدق :
• قيل في الصدق : الصدقُ في أقوالنا أقوى لنا     والكذب في افعالنا أفعى لنا

• أنشد الشيخ محمود الوراق قائلاً :
اصدق حديثك إن  في                الصدق الخلاص من الدنس
ودع الكــذوب لشــأنه                خير  مـن  الكـذب  الخرس
• وقال بعضهم : من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت ,  قيل : وما الفرض الدائم ؟ قال : الصدق .
• وقيل : مَن طلب الله بالصدق اعطاه مرآة يُبصِر فيها الحق والباطل .
• قال الامام علي - رضي الله عنه : من كانت له عند الناس ثلاث , إذا حدثهم صَدَقَهُم , وإذا ائتمنوه لم يخنهم , وإذا وعدهم وفى بوعدهِ لهم , وجبتْ له عليهم ثلاث , أن تُحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم " .
وما أنتم ونحن , أيها الأخوة والأخوات , سوى مُريدين نسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين – آمين .

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق